الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُضْحِي غَداً سَمرًا لِلذاكِرينَ كَما
…
صارَ الذينَ مَضَوا بِالأَمْسِ مِنْ سَمَرِكْ (1)
واعلم أنَّ ما ذكرناه من أركان التوبة الثلاثة لا بُد منه في كل توبة من كل ذنب.
ويزاد في التوبة من مظالم العباد ركن رابع، وهو
رد المظالم إلى أهلها، أو الاستحلال منهم حتى يسامحوه ويعفو عنه
، وذلك كالقتل، والسرقة، والغصب، والرشوة، والربا، وأكل مال اليتيم، والضرب، والشتم، والقذف، والغيبة، والنميمة، والسعاية، وخيانة الرجل في فراشه.
فإن تعذَّر عليه ذلك كان مات صاحب المظلمة ولم يكن له ورثة تستوفي ما له قبل التائب من الحقوق، أو يعفو عنه، أو غاب عنه المطلوب وتعذر عليه الوصول إليه، أو خشي من ذكر المظلمة للمظلوم أن يتعدَّى عليه زائدًا عن حقه في نفس أو مال أو عرض كأن يكون قذف مُتَجَوِّهاً يخشى سطوته، فطريقه أن يستغفر للمظلوم، ويستكثر من الحسنات ليوفي يوم القيامة من حسناته، ويكثر من الاستغفار، والتضرع، والحزن، والأسف على ما صدر منه؛ فعسى أن يكون ذلك كافياً له.
وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
(1) انظر: "قصر الأمل" لابن أبي الدنيا (ص: 53).
عجبت لمن يهلك والنجاة معه.
قيل: ما هي يا أمير المؤمنين؟
قال: الاستغفار (1).
وقد حدثنا والدي رحمه الله تعالى في السنة التي مات فيها، وهي سنة أربع وثمانين وتسع مئة عن مشايخه قضاة القضاة: أبي يحيى زكريا الأنصاري، والبرهانين القلقشندي، وابن أبي شريف، عن الحافظ [أبي] الفضل بن حجر العسقلاني قال: قرأت على أحمد بن بلغاق، وأخبرنا عبد الرحمن بن محمَّد الذهبي قالا: أخبرنا إسحاق بن يحيى، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا مسعود بن أبي منصور وخليل بن أبي الرَّجاء قالا: أنا أبو علي المقري، أنا أبو نعيم، ثنا أبو بكر عن أبي الهيثم، ثنا محمَّد بن أبي العوام، ثنا يزيد بن هارون، ثنا صدقة بن موسى، ثنا أبو عمران المقري، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدَّوَاوِيْنُ عِنْدَ اللهِ ثَلَاثةٌ: دِيْوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَدِيْوَانٌ أَمْرُهُ إِلَىْ اللهِ، وَدِيْوَانٌ لا يتْرُكُهُ الله؛ فَأَمَّا الدِّيْوَانُ الَّذِيْ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشّرْكُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72]، وَأَمَّا الدِّيْوَانُ الَّذِيْ أَمْرُهُ إِلَىْ اللهِ فَظُلْمُ العَبْدِ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَىْ يَتَجَاوَزُ اللهُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدّيْوَانُ الَّذِيْ لَا يَتْرُكُهُ اللهُ فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضِهمْ بَعْضًا القِصاصُ لَا مَحالَةَ".
(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 209).
قال الحافظ أبو الفضل: هذا حديث غريب أخرجه أحمد بن يزيد ابن هارون، فوافقناه بعلو، وصححه الحاكم (1).
وأخرجه من وجه آخر عن يزيد، وفيه نظر؛ لأنَّ صدقة بن موسى ليس من شرط "الصحيح"، انتهى.
قلت: ولا ينزل الحديث عن درجة الحسن لأنَّ رجاله ثقات، وغاية ما فيه أنَّ صدقة مختلف فيه.
وقلت عاقداً للحديث: [من الطويل]
رَوَينا دَواوِينَ العُصاةِ ثَلاثَة
…
عَنِ الْمُصْطَفى الْمُخْتارِ قُطْبِ الرِّسالَةِ
وَدِيوانُ شِركٍ لَيْسَ يُغْفَرُ بَلْ لِمَنْ
…
أَتاه خُلودٌ في عَذابِ النِّكايَة
وَدِيوانُ ظُلْمِ النَّفْسِ مَغْفِرَةُ الكَرِيـ
…
ـم إِنْ شاءَ فَضْلاً مِنْهُ يَومَ القِيامَةِ
وَديوانُ ظُلْمِ النَّاسِ بَعْضٍ لِبَعْضِهِمْ
…
فَلَيْسَ بِمَتْروكٍ لِعَظَمِ الجِنايَة
وقد أكثر الناس من الكلام على التوبة، وما ذكرناه هو ما عليه
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(8717)، وكذا الإِمام أحمد في "المسند"(6/ 240).
جماهير العلماء.
وقد ذكرنا من أحوال الصوفية وغيرهم في التوبة جملة صالحة في كتاب "منبر التوحيد"، وأشرنا فيه إلى لطائف رقيقة ومسائل دقيقة، فراجعه إن شئت موفقاً بتوفيق الله، ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة، وأن يقبضنا على أكمل حالة تقربنا إليه وتزلفنا لديه، وفي أفضل زمان نتلبس فيه بأفضل طاعاته وأعظم عباداته التي تظفر العبد بمرضاته، وتُسكنه روضاتِ جنَّاته، مُطالِعاً لجمال وجهه الكريم، ممنونًا عليه بنظرة التكريم ونضرة النعيم.
روى الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهُمَّ عَافِنِيْ بِقُدْرَتِكَ، وَأَدْخِلْنِيْ فِيْ رَحْمَتِكَ، وَاقْضِ أَجَلِيْ فِيْ طَاعَتِكَ، وَاخْتِمْ لِيْ بِخَيْرِ عَمَلِيْ، وَاجْعَلْ ثَوَابَهُ الجَنَّةَ"(1).
وروى الطبراني عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ فَوَاتِحَ الخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ العُلَى مِنَ الجَنَّة"(2).
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "المنامات" عن الهيثم بن معاوية، قال: حدثني فلان قد سماه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت:
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 64).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 316)، وكذا الحاكم في "المستدرك"(1911).
يا رسول الله! ادع لي.
فحَسَر عن ذراعيه، فدعا وقال:"لِيَكُنْ كُلَّ ما تَدْعو: اللهُمَّ اخْتِمْ لَنا بِخَيْرٍ"(1).
وأنشد والدي عن بعض مشايخه، عن الحافظ أبي الفضل بن حجر رحمهم الله تعالى:[من الطويل]
ثَلاثٌ مِنَ الدُّنْيا إِذا هِيَ حُصِّلَتْ
…
لِشَخْصٍ فَلا يَخْشَى مِنَ الضَّرِّ وَالضَّيْرِ
غِنًى عَنْ بنيها وَالسَّلامَةُ مِنْهُمُ
…
وَصِحَّةُ جِسْمٍ ثُمَّ خاتِمَةُ الْخَيْرِ (2)
وروى الحاكم -وقال: صحيح الإسناد- عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مِنْ سَعَادةِ الْمَرْءِ أَنْ يَطُوْلَ عُمُرُهُ وَيرْزُقَة اللهُ الإنابةَ"(3).
وروى هو وشيخه ابن حبان في "صحيحه" عن عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ".
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "المنامات"(ص: 75).
(2)
انظر: "اليواقيت والدرر" للمناوي (1/ 152).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(7602)، وكذا ابن عدي في "الكامل"(6/ 68).
قالوا: وما عَسَّله؟
قال: "يُوَفِّقُ لَهُ عَملاً صالِحًا بَيْنَ يَدَيْ رِحْلَتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيْراته؛ أو قال: مَنْ حَوْلَه"(1).
ورواه الإِمام أحمد -وسنده حسن- والطبراني من حديث أبي عنبة رضي الله تعالى عنه وقال: "يُوَفِّقُ لَهُ عَملاً صالِحا قَبْلَ مَوْتهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ"(2).
والعَسْل -بمهملتين، وسينه ساكنة-: حسن الثناء.
وروى الإِمام أحمد -بسند صحيح، واللفظ له- والترمذي، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوْا بِأَحَدٍ حَتَّىْ تَنْظُرُوْا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ؛ فَإِنَّ العَامِلَ يَعْمَلُ زَمَاناً مِنْ عُمُره أَوْ بُرْهَةً مِنَ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَنْهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً سَيئًا، وإنَّ العَبَدَ لَيَعْمَلُ البُرْهَةَ مِنْ دَهْرِه بِعَمَلٍ سَيئٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً صَالِحَا، وإذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(1258) واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"(342).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 200)، والطبراني في "مسند الشاميين" (839). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 215): رواه أحمد والطبراني، وفيه بقية، وقد صرح بالسماع في "المسند" وبقية رجاله ثقات.
اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتهِ".
قيل: كيف يستعمله؟
قال: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلِ صالحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ اللهُ عَلَيْهِ"(1).
وروى الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتهِ".
قالوا: وما طهور العبد؟
قال: "عَمَلٌ صَالحٌ يُلْهَمُهُ حَتَّىْ يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ"(2).
وروى ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدهِ خَيْرًا بَعَثَ لَهُ قَبْلَ مَوْتهِ بِعَامٍ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ ويوفِّقُهُ حَتَّى يَمُوْتَ عَلَىْ خَيْرِ أَحَايِيْنهِ، فَيَقُوْلَ النَّاسُ: قَدْ مَاتَ فُلَانٌ عَلَىْ خَيْرِ أَحَايِيْنهِ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَىْ مَا أَعَدَّ لَهُ جَعَلَ تتَهَوَّعُ نفسُهُ مِنَ الحِرْصِ عَلَىْ أَنْ تَخْرُجَ هُنَاكَ حِيْنَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدهِ
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 106)، والترمذي (2142) وقال: حسن صحيح، وأبو يعلى في "المسند"(3821)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(1941)، وابن حبان في "صحيحه"(341)، والحاكم في "المستدرك"(1257).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7900). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 215): رواه الطبراني من طرق؛ وفي بعضها "غسله" بدل "طهره"، وفي إحدى طرقه بقية بن الوليد، وقد صرح بالسماع، وبقية رجالها ثقات.
شَرًّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ قَبْلَ مَوْتهِ بِعَامٍ شَيْطَانًا يُضِلُّهُ ويغْوِيهِ حَتَّى يَمُوْتَ عَلَىْ شَرِّ أَحَايِيْنهِ، فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَىْ مَا أُعِدَّ لَهُ جَعَلَ يَبْتَلِعُ نَفْسَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَخْرُجَ، فَهُنَاكَ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَه" (1).
وهذا الحديث تقدم من طريق آخر.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: انظروا الناس عند مضاجعهم؛ فإذا رأيتم العبد يموت على خير ما ترونه فارجوا له الخير، وإذا رأيتموه يموت على شر ما ترونه خافوا عليه، فإذا كان شقياً -وإن أعجب الناس بعض عمله- قيَّض له شيطانًا فأرداه وأهلكه حتى يدركه الشقاء الذي كتب عليه، وإذا كان سعيداً -وإن كان الناس يكرهون بعض عمله- قيَّض له ملك فأرشده وسدده حتى تدركه السعادة التي كتبت له (2).
وقلت ملماً بهذا المعنى: [من الرجز]
إِذا أَرادَ اللهُ خَيْراً بِامْرِئٍ
…
لِكَوْنهِ مِنْ صَفْوَةِ الأَنامِ
يَبْعَثُ مَنْ يَهْدِيهِ مِنْ أَمْلاكِهِ
…
إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتهِ بِعامِ
حَتَّى يَقولَ النَّاسُ إِنَّهُ قَضى
…
مِنْ عُمْرِهِ فِي أَفْضَلِ الأيَّامِ
يا رَبِّ فارْحَمْنا وَسَدِّدْ أَمْرَنا
…
في مَبْدَأِ الأُمورِ وَالْخِتامِ
(1) ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(1591)، وابن المبارك في "الزهد"(972).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34570).
وَامْنُنْ عَلَيْنا عِنْدَما تُمِيتُنا
…
بِالصِّدْقِ وَالإيْمانِ وَالإِسْلامِ
وَاجْعَلْ إِلَهِي كِلْمَةَ التوْحِيدِ في
…
وَقْتِ الْحِمامِ آخِرَ الكَلامِ
ومن هنا كان السلف يستحبون أن يكون موتهم عقب عمل صالح؛ إمَّا جهاد، وإمَّا حج، وإما صيام رمضان، وإمَّا غير ذلك من الأعمال الصالحات.
وروى الإِمام أحمد في "الزهد" عن ميمون بن مهران رحمه الله تعالى أنه كان يقول: لا يزال أحد حديث عهد بعمل صالح؛ فإنه أهون عليه حين ينزل به الموت أن يتذكر عملًا صالحا قد قدَّمه (1).
وروى الإِمام أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه، عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ: لا إِلَهَ إلا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"(2).
وروى الطبراني في "الكبير" عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أتاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَهُوَ عَلَىْ وضُوْءِ أُعْطِيَ الشَّهَادَةَ"(3).
(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(61/ 354).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(5/ 233)، وأبو داود (3116)، والحكم في "المستدرك"(1299).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5991). قال ابن حجر في "لسان الميزان"(2/ 20): وله طرق فتعددة عن أنس، قال العقيلي: لا يثبت منها شيء.
وروى أبو نعيم عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: قال [لي] ابن عباس رضي الله عنهما: لا تنامن إلا على وضوء؛ فإنَّ الأرواح تبعث على ما قبضت عليه (1).
وروى الإِمام أحمد، وأبو يعلى، والحاكم وصححه، والضياء في "المختارة" عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَاتَ عَلَىْ شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ"(2).
وروى الطبراني في "الكبير"، والحاكم وصححه، عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَاتَ عَلَىْ مَرْتَبةٍ مِنْ هَذِهِ المِرَاتِبِ بُعِثَ (3) عَلَيْهَا: رِبَاطٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ"(4).
وروى مسلم، وابن ماجه، وغيرهما عن جابر رضي الله تعالى عنه، والدارقطني في "الأفراد" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، والطبراني في "الكبير"، والحاكم في "الكنى" عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه؛ كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يُبْعَثُ كُلُّ عبدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ"(5).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 295).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 314)، وأبو يعلى في "المسند"(2269)، والحاكم في "المستدرك"(7872).
(3)
في "أ" و "ت": "مات" بدل "بعث".
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(784)، والحاكم في "المستدرك"(2637)، وكذا الإِمام أحمد في "المسند"(6/ 19).
(5)
رواه مسلم (2878) واللفظ له، وابن ماجه (4230) ولفظه سيأتي قريبًا.
وروى الإِمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَىْ نِيَّاتِهِمْ"(1).
وروى ابن ماجه، والضياء في "المختارة" عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَىْ نِيَّاتِهِمْ"(2).
وكان أخي ولي الله العارف به أبو عبد الله شهاب الدين أحمد الغزي رحمه الله تعالى لا يجلس مجلسًا فيه من يتوسم فيه الصلاح والخير إلا قال: يا إخواني! رَقُّوني رَقوني؛ أي: اسألوا الله لي أن يرقيني في طاعته، ويقربني إليه؛ فإن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، وأنا لا أحب أن أُبعث على هذه الحالة التي أنا عليها، وكان يبكي ويستغيث كلما كان في مجلس رضي الله تعالى عنه، واتفق له أنه مات في الحمام، وكان مكبوداً بعد تمام الطهارة، فترجى له الشهادة للحديث المتقدم.
وروى عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" عن ميمون بن مهران رحمه الله تعالى قال: لا خير في الدنيا إلا لرجلين، رجل تائب، أو رجل يعمل في الدرجات (3).
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 392)، وكذا ابن ماجه (4229).
(2)
رواه ابن ماجه (4230) وقد تقدم.
(3)
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 83).
وروى أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب" عن علي رضي الله تعالى عنه أنَّه قال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك، وتباهي الناس في عبادة ربك؛ إن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله تعالى.
[و] لا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتدارك ذلك بتوبة، ورجل يسارع في دار الآخرة (1).
وقلت: [من السريع]
لا خَيْرَ في الدُّنْيا لِعَبْدٍ سِوى
…
مُسارِعٍ في الْخَيْرِ أَوْ تائِبِ
كَما رَويناهُ عَنِ الْمُرْتَضَى
…
بابِ العُلُومِ ابْنِ أَبِي طالِبِ
ويوضح معنى بعض كلامه ما رواه الإِمام أحمد، وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُمَّ اجْعَلْنِيْ مِنْ الَّذِيْنَ إِذَا أَحْسَنُوْا اسْتَبْشَرُوْا، وإِذَا أَسَاؤُوْا اسْتَغْفَرُوْا"(2).
وروى الحفاظ عبد الرزاق، وسعيد بن منصور في كتاب "الصلاة"، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: لما نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيْ؛
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 75).
(2)
تقدم تخريجه.
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ" (1).
وروى الحاكم وصححه، عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "سُبْحانَكَ رَبَّنا وَبِحَمْدِك"، فلما نزلت:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] قال: "سُبْحانَكَ اللهُمَّ رَبَّنا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي؛
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوِّابُ الرحِيمُ" (2).
وروى مسلم، وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، فقال: "خَيَّرَنيْ رَبِّي أَنِّي سَأَرَىْ عَلَامَةَ فِيْ أُمَّتِيْ، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أكثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدهِ، وَأَسْتَغْفِرُ الله وَأتوْبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (3).
وروى الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عنهما (4) رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحَانَكَ اللهم وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِيْ"؛ يتأوَّل
(1) رواه الطبري في "التفسير"(30/ 335)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (8/ 663).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(1849)، وكذا الإِمام أحمد في "المسند"(1/ 388).
(3)
رواه مسلم (484).
(4)
أي: عن ابن مسعود وعائشة رضي الله عنها.
القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (1).
وروى ابن جرير عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال:"سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأتوْبُ إِلَيْكَ"، فقلت له، فقال:"إِنِّي أُمِرْتُ بِها"، وقرأ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر السورة (2).
وروينا في كتاب "التوبة" لابن أبي الدنيا قال: حدثني عوف بن إبراهيم قال: حدثني أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني رحمه الله تعالى قال: إذا ذكرت الخطيئة لم أشته أموت؛ أقول: أبقى لعلِّي أتوب (3).
وقلت في المعنى: [من البسيط]
إِذا ذَكَرْتُ ذُنوبِي مَعْ خَطِيئاتِي
…
لَمْ أَشْتَهِ الْمَوتَ في حالِ الْمُجافاةِ
وَقُلْتُ أَبْقى عَسَى أَنِّي أتوبُ إِلَى
…
رَبِّي وَألبَسُ أثوابَ الْمُصافاةِ
(1) رواه البخاري (784)، ومسلم (484)، وأبو داود (877)، والنسائي (1047)، وابن ماجه (889).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(30/ 355).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(68).
وَإِنْ ذَكَرْتُ نَدى رَبِّي وَرَحْمَتَه
…
أَحْبَبْتُ إِذْ قُمْتُ مَوتي كُلَّ أَوْقاتِي
أقولُ عَلِّي أَرى رَبيِّ بِرَحْمَتِه
…
تُمْحَى ذُنوبِي وَتُعْفَى كُل زَلَّاتِي
يا رَبِّ لا بُدَّ لِي أَنِّي أَمُوتُ وَأَنْ
…
يَعُدَّنِي الدَّهْرُ في دِيوانِ أَمْواتِ
فَلا تُمِتْنِيَ إِلَاّ حِينَ تُزْلفُنِي
…
إِلَيْكَ بِاللُّطْفِ يا رَبَّ البَرِيَّاتِ
وَقَدْ لَبِسْتُ مِنَ الأَحْوالِ أَشْرَفَها
…
في خَيْرِ وَقْتٍ وَفِي أَسْمى الْمَقاماتِ
فَلِي عَوائِدُ مِنْ جَدْواكَ تُطْمِعُنِي
…
فَوْقَ الَّذِي رُمْتُ مِنْ تِلْكَ العَطِيَّاتِ
يا رَبِّ كَلأَة محفوفٌ بِعَوْنكَ يا
…
مَلَاذِيَ خُذْ بِيَدِي في وَقْتِ عَثَراتِي
وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي وَلا أَحَدٍ
…
سِواكَ يا رَب يا أَنْهَى الإِراداتِ
وقلت في المناجاة والتوسل والمناداة: [من مجزوء الرمل]