المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌ ومن ذلك: الحُمَّرة

- ‌ ومن ذلك: الزرزور:

- ‌ ومن ذلك: الصعو:

- ‌ ومن ذلك: الوصع صغير العصافير

- ‌ ومن ذلك: الفرفر

- ‌ ومن ذلك: البلبل:

- ‌ ومن ذلك: الهزار، والعندليب:

- ‌ ومن ذلك: الشحرور

- ‌ ومن ذلك: الدرج:

- ‌ وكذلك الطير المعروف في بلاد الشام والروم بدائم اشكر

- ‌ ومن ذلك: القطا:

- ‌ ومن ذلك: الدرة:

- ‌ ومن ذلك: فاقد إلفه:

- ‌ ومن أحوال الطير: التبكير بالطاعة والذكر، وطلب الرزق

- ‌ ومن أحوال الطير: استئناسه بجنسه ونفوره عن غير جنسه

- ‌ ومن أحوال الطير: خلو قلوبها لأمثالها من أجناسها

- ‌ ومن أحوال كثير من الطير: الاستئناس بالله تعالى والانفراد عن الخلق

- ‌ فوائد تتعلق بالخطاف:

- ‌ ومن أوصاف الطير: كثرة الاستيقاظ بالليل حذراً من الجوارح

- ‌ ومن أوصاف طير الليل كالبوم، والهام، والخفاش:

- ‌ ومن أوصاف الطير، وسائر البهائم والسباع والهوام:

- ‌ ومن أحوال الطير أو أكثرها: المزاوجة

- ‌ ومن أحوال الطير - خصوصاً أشرافها -: علو الهمة، وبلوغ المآرب بالطيران

- ‌ ومن أحوال الطير والوحش: الإمساك يوم عاشوراء عن الطعام والشراب

- ‌ ومن أوصاف النحل:

- ‌ ومن أوصاف النحل: الدوي في ذكر الله تعالى

- ‌ ومن خصال النحل: أنها لا ترعى إلا الطيِّب

- ‌ ومن خصال النحل:

- ‌ ومن النحل اليعسوب:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ زائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك النمل:

- ‌ ومن ذلك: الحوت، والسمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء

- ‌ ومن ذلك: الإبل

- ‌ ومن الإبل: الجمل الأنوف

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أخلاق الإبل:

- ‌ ومن الإبل: البُزْل

- ‌ ومن أحوال الخيل:

- ‌ ومن أوصاف الخيل المحمودة التي يتيمن بها:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ ومن لطائف الخيل:

- ‌ ومن ذلك: الشاة:

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيفَةٌ:

- ‌وهنا فائدة مهمة ينبغي التنبيه عليها:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك: الظِّباء والغِزلان:

- ‌ ومن أوصاف الطير: الفطنة، والكياسة، والحذر، والفرار مما يؤذيه، والنفور

- ‌ ومن أوصاف الظبي: الغرَّة

- ‌ وممَّا يوصف به الظبي: الرشاقة

- ‌ ومن ذلك: الوَعِل -كفخذ- وفيه اللغات الأربع، وجمعه: أو عال، ووعول

- ‌ ومن خصال الأوعال والأروى: أنها تتخذ مساكنها في رؤوس الجبال وشَعَفِها

- ‌ ومن عادة الوعل:

- ‌ ومن طبع الوَعِل:

- ‌ ومن ذلك: الأرنب والثعلب؛ يضرب بهما المثل في الفرار

- ‌ ومن أحوال البهائم: الاستسقاء

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والحيوانات: الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة، والاستجارة به عليه الصلاة والسلام

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والسباع: انقيادها لأهل الله تعالى، ولياذها بأوليائه، واحتشامها لهم، وأُنسها بهم

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والعجماوات: حزنها لفقد أولياء الله تعالى، وحنينها إليهم

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنها تستغفر لطلبة العلم والعلماء العاملين، وتترحم عليهم مع التعظيم لهم

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنَّ منها ما يلهم النصيحة للخلق

- ‌ تنبِيهٌ لَطِيفٌ:

- ‌ تنبِيهانَ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِي:

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته

- ‌ فوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأُولَى:

- ‌ الفائدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفاِئدُة الثَّامِنَةُ:

- ‌ تَتِمَّاتٌ لِهَذا البابِ:

- ‌ فائدة جليلة نختم بها هذا الفصل:

- ‌ خَاِتمَة الكِتَابِ المَوْعُود بِذِكْرِهَا في فَضْل الإنَابَةِ والمَتَابِ

- ‌وللتوبة فَوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأولى:

- ‌ الفائدة الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَة الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ العاشِرَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْحادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّانِيةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثالِثة عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ أن يقلع عن الذنب في الحال

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌وزاجر الموت:

- ‌وزاجر العقل

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الندم على فعل الذنب

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌العزم على أن لا يعاود الذنب:

- ‌ رد المظالم إلى أهلها، أو الاستحلال منهم حتى يسامحوه ويعفو عنه

- ‌[خاتمة الكتاب]

الفصل: ‌ ومن ذلك: فاقد إلفه:

والذي يحسن من التشبه بها إعادة المتعلم ما يُمْلِيْه العالم عليه مما يتعلق بالألفاظ وغيرها، والإخبار في تعلم العلم معروفة، وقد تقدمت في محالِّها.

وهي من الطير التي تُحبس لسماع أصواتها ولا يسعها إلا الصبر.

كذلك ينبغي للإنسان إذا ابتُلِيَ بحبسٍ أو غيره من مصائب الدنيا أن يصبر ويطلب الفرج والتيسير من الله تعالى، ولْيَسَل نفسه بأن البلاء ولع بالأكابر، وأشد الناس بلاءً الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم الأمثل فالأمثل.

ومن لطائف القاضي الأرجاني: [من السريع]

تَقْصِدُ أَهْلَ الفَضْلِ دُونَ الوَرَى

مَصائِبُ الدُّنْيا وَآفاتُها

كَالطَّيْرِ لا يُحْبَسُ مِنْ دُونها

إِلَّا الَّتِي تُطْرِبُ أَصْواتُها (1)

-‌

‌ ومن ذلك: فاقد إلفه:

روى ابن خميس في "مناقب الأبرار" عن السري السقطي قال: بتُّ في بعض قرى الشام، فسمعت طول الليل طيراً يصيح ويقول: أخطأت لا أعود، فلما أصبحت سألت أهل القرية: إيش اسم هذا الطير؟

فقالوا: فاقد إلفه (2).

وذكر اليافعي في "روض الرياحين" هذه الحكاية عن السري

(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 154).

(2)

وانظر: "المدهش" لابن الجوزي (ص: 407).

ص: 26

رحمه الله تعالى قال: كنت ليلةً في قريةٍ من قرى الشام، فإذا بصوب فصيح: أسأت فلا أعود، فلما أصبحتُ سألتُ عن الصوت، فقيل لي: إنه طائر.

فقلت: ما يقال له؟

فقيل: فاقد إلفه.

قال: ثم سمعت في الوقت صوتاً ولا أرى شخصاً، وهو ينشد ويقول:[من البسيط]

طَيْرٌ نَحِيلٌ بِأَرْضِ الشَّامِ أَقْلَقَه

ذِكْرُ الْحَبِيبِ لَهُ نُطْقٌ بِإِضْمارِ

يَقُولُ أَخْطَأْتُ حِينَ الصُّبْحُ يُسْعِدُهُ

صَوْتٌ شَجِي يُبَكِّي وَقْتَ إسْحارِ

قلت: كثيراً ما يُسمع بالشام الآن طائران بالليل يصيحان، أحدهما صياحه على وزان حق، والآخر صياحه على وزان يعقوب، والعوام يقولون: هما طائران فقد كلُّ واحد منهما رفيقه ولا يجتمعان، أحدهما اسمه إسحاق، والآخر يعقوب، فالثاني يصيح: إسحاق، والأول يصيح: يعقوب.

والناس ينزلون أصوات الطير كل منهم على ما يليق بحاله، ولعل الطائر الذي سمعه السري يقول: أخطأت لا أعود هو الذي يحسب العوام أنه يقول يعقوب.

ص: 27

والاعتبار بفاقد إلفه: أن ينوح الإنسان على ما فاته من الخير بسبب خطيئته.

كما روى ابن أبي الدنيا في "البكاء" عن ابن عباس قال: نزل آدم بالحجر - يعني: الأسود - يمسح به دموعه حين أُهبط من الجنة، ولم ترقا عينُ آدم تبكي منذ خرج من الجنة حتى رجع إليها (1).

قلت: ومن هنا جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الحجر الأسود: "هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ"(2).

فبكاء آدم عليه السلام كان لفقد مألوفه في جوار الله تعالى من الملائكة، وما في الجنة من النعيم والأنس بسبب أكل الشجرة حيث أُخرج من الجنة فهو يُريد العود إليها، فينبغي للعبد أن يبكي لفقد مألوفاته إذا عوقب بفقدها على خطيئة فعلها، وينبغي أن يتوب ولا يعود.

وقد قلت ملمحاً بقصة السري مع فاقد إلفه: [من الوافر]

أنُوحُ عَلى ذُنُوبِي كُلَّ وَقْتٍ

كَفاقِدِ إِلْفِهِ وَأَنا وَحِيدُ

أقولُ كَما يَقُولُ: لَعَل رَبِّي

. يسَيَغْفِرُ لِي أَسَأتُ فَلا أَعُودُ

وقلت: [من المجتث]

(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء"(309).

(2)

رواه ابن ماجه (2945)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2712) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 28

يا رَبِّ يا مَجِيدُ

يا بَرُّ يَا حَمِيدُ

انْظُرْ إِلَيَّ وَاعْطِفْ

عَليَّ يا وَدُودُ

لَقَدْ عَصَيْتُ لَكِن

العَفْو مِنْكَ جودُ

فتبْ عَليَّ حَتَّى

أَتُوبَ يا مَجِيدُ

أقولُ فِي اعْتِرافِي

وَلَيْسَ لِي جُحودُ

أَخْطَأتُ لا أَعُودُ

أَخْطَأْتُ لا أَعُودُ

ومن ذلك الطير من حيث هو؛ فإنه يوصف بالتوكل، بل وكذلك سائر البهائم والوحوش وبقية الحيوانات؛ فإنها لا توسع الحيلة في الطلب ولا تهتدي لذلك.

روى الإمام أحمد في "الزهد" عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح، لا تحرث ولا تحصد، الله يرزقها، فإن قلتم: نحن أعظم بطوناً من الطير، فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر تغدو وتروح، لا تحرث ولا تحصد، الله يرزقها، اتقوا فضول الدنيا؛ فإن فضول الدنيا رجس (1).

وروى الترمذي - وقال: حسن صحيح - وابن ماجه، والحاكم وصححه، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) ورواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 291).

ص: 29

قال: "لَوْ أنَّكمْ تتَوَكَّلُوْنَ عَلَىْ اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُوْ خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَاناً"(1).

وهذا الحديث ليس فيه رفض الأسباب بالكلية نوبة واحدة، ألا ترى أن الطير تغدو وتروح، وهذا سبب، لكنها لما لم تقصد موضعًا معينا وصفت بالتوكل؟

وروى الدينوري في "المجالسة" قال: حدثنا أبو القاسم بن الحنبلي قال: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فقلت: ما تقول في رجلٍ جلس في بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي؟

فقال أحمد: هذا رجلٌ قد جهل العلم، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم:"جَعَلَ اللهُ رِزْقِيْ تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِيْ"(2).

وحديثه الآخر حين ذكر الطير فقال: "تَغْدُوْ خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَاناً".

فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق.

وقال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]

(1) رواه الترمذي (2344) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (4164)، والحاكم في "المستدرك"(7894).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 50)، وذكره البخاري (3/ 1067) معلقاً عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 30

وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198].

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتَّجرون في البر والبحر، ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم (1).

وروى الإمام أحمد، والبزار - وسنده جيد - عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" - ورواته ثقات - عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ - وقال رافع: قيل: يا رسول الله! أي الكسب أطيب؟ - ثم اتفقا، قال:"عَمَلُ الرَّجُلِ بِيدهِ، وَكُلُّ بَيع مَبْرُوْر"(2).

وروى هؤلاء عن جميع بن عمير، عن خاله - يعني: بردة بن نيار - رضي الله تعالى عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب، فقال:"بَيعٌ مَبْرُوْرٌ، وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيدهِ"(3).

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 130).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 141)، والبزار في "المسند"(3731) عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

والطبراني في "المعجم الأوسط"(2140) عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 61): رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" ورجاله ثقات.

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 466)، والبزار في "المسند"(37798)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(22/ 197).

ص: 31

وروى الحاكم - وصححه - عن سعيد بن عمير، عن عمه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟

قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدهِ، وَكُلُّ كَسْبٍ مَبْرُوْرٍ".

قال يحيى بن معين: عم سعيد هو البراء رضي الله عنه (1).

نعم، ينبغي للعبد إذا كسب أن يكون ثقته في كسبه بربه عز وجل لا بسبب، وأن يُجْمِل في الطلب ولا يتهالك فيه، وأن يفضل من كسبه على من يليه، فبذلك يتم له العمل بالسنة.

روى ابن أبي الدنيا في "القناعة" - واللفظ له - والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّيْ لا أَعْلَمُ شَيْئاً يُقرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ويبْعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا أَعْلَمُ شَيْئاً يُبْعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ويقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا نهيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوْحَ الأَمِيْنَ عليه السلام نَفَثَ فِيْ رُوْعِيْ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوْتَ حَتَّىْ تَسْتَوْفيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوْا اللهَ وَأَجْمِلُوْا فِيْ الطَّلْبِ، وَلا يَحْمِلنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الزِّزْقِ عَلَىْ أَنْ تَطْلُبُوْهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ عز وجل لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ بِمَعْصِيَةٍ (2).

وروى ابن ماجه - واللفظ له - والحاكم - وصححه - عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّهَا الناسُ! اتَّقُوْا اللهَ

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(2159)، وكذا البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 263).

(2)

رواه ابن أبي الدنيا في "القناعة والتعفف"(57).

ص: 32

وَأَجْمِلُوْا فِيْ الطَّلَبْ؛ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوْتَ حَتَّىْ تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوْا اللهَ وَأَجْمِلُوْا فِيْ الطَّلَبِ، خُذُوْا مَا حَلَّ وَدَعُوْا مَا حَرَّمَ" (1).

وعن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَجْمِلُوْا فِيْ طَلَبِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ كُلَاّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".

ولفظ الحاكم وصححه: "فَإِنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا".

وبهذا اللفظ أخرجه أبو الشيخ في "الثواب"(2).

وروى الدينوري في "المجالسة" عن خلف بن تميم قال: التقى إبراهيم بن أدهم وشقيق بمكة، فقال ابراهيم لشقيق: ما بدو أمرك الذي بلغك هذا؟

فقال: سِرْتُ في بعض الفَلَوات، فرأيتُ طيراً مكسور الجناحين في فلاةِ من الأرض، فقلت: انظر من أين يرزق هذا؟ فقعدتُ حذاءه، فإذا أنا بطائرٍ قد أَقْبل في منقاره جرادة وضعها في منقار الطير المكسور الجناح، فقلت لنفسي: يا نفس! الذي قيض هذا الطير الصحيح لهذا الطير المكسور الجناحين في فلاةٍ من الأرض هو قادرٌ أن يرزقني حيثما كنت، فتركتُ الكسب واشتغلتُ بالعبادة.

فقال له إبراهيم: يا شقيق! ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل فتكون أفضل منه؟ أما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم "الْيَدُ

(1) رواه ابن ماجه (2144)، والحاكم في "المستدرك"(7924).

(2)

رواه ابن ماجه (2142)، والحاكم في "المستدرك"(2133).

ص: 33

الْعُلْيَا خَيْر مِنَ الْيَدِ السُّفْلَىْ"؟

ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار.

فأخذ يد إبراهيم فقبلها، وقال له: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق (1).

وفي هذه القصة إشارة إلى أنَّ من الطير من يفضل على غيره، ويكون في معونته وحاجته، فلا ينبغي للمؤمن أن يكون أعجز من الطير في ذلك.

وروى أبو داود في "مراسيله" عن أبي قلابة رحمه الله تعالى: أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قدموا يثنون على صاحبٍ لهم خيراً، قالوا: ما رأينا مثل هذا قط، ما كان في مسير إلا كان فى قراءة، ولا نزلنا منزلاً إلا كان في صلاة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ كَانَ يَكْفِيْهِ ضَيْعَتُهُ حَتَّىْ ذَكَرَ مَنْ كَانَ يَعْلِفُ جَمَلَهُ أَوْ دَابَّتهُ.

قالوا: نحن.

قال: "فَكُلُّكُمْ خَيْرٌ مِنهُ"(2).

وروى الطبراني بإسناد صحيح، عن زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَزَالُ اللهُ فِيْ حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا دامَ الْعَبْدُ فِيْ حَاجَةِ أَخِيْهِ"(3).

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 564).

(2)

رواه أبو داود في "المراسيل"(ص: 235).

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(4801). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 193): رجاله ثقات.

ص: 34