الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائده وعلومه إلا أن لا يكونوا من أهلها، فينبغي أن يمسك.
-
ومن ذلك: الهزار، والعندليب:
وهما واحد، ويقال: عندليل، وجمعها عنادل.
وذكر في "القاموس": أن الهزار معرب، فارسيته: هذار دستان (1).
-
ومن ذلك: الشحرور
-كسحنون -: طائر أسود فوق العصفور يصوت أصواتاً، وهو والبلبل والهزار ألطف الطير أصواتًا، وأطيبها نغمة وتغريداً.
قال الشيخ علاء الدين الباجي: [من الرجز]
بِالبُلْبُلِ وَالْهَزارِ وَالشحْرُورِ
…
يَسْبِي طَرباً قَلْبَ الشَّجِيْ الْمَهْجُورِ
فَانْهَضْ عَجِلاً وَانْهَبْ مِنَ اللَّذَّةِ ما
…
جاءَتْ كَرماً بِهِ يَدُ الْمَقْدُورِ (2)
فينبغي التشبه بهذه الأطيار في حسن الصوت بالقرآن، وإملاء العلم من غير تصنع ولا تشقيق ولا تمطيط، ولا تغيير لألفاظ القرآن والذكر، ولا تغيير لأجل الألحان والأنغام، بل على طبعه الذي أوتيه من غير تصنع؛ فإن ألحان هذه السواجع كذلك.
- ومن طباع هذه السواجع وكثير من الطير: ارتياحها في زمن الربيع، والإكثار فيه من التغريد والترجيع.
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 640)(مادة: هزر).
(2)
انظر: "الوافي بالوفيات" للصفدي (21/ 299).
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن إبراهيم الأرموي: [من البسيط]
وافَى الرَّبِيعُ فَعادَ الرَّوْضُ مُبْتَسِماً
…
وَطالَما انتُحَبَتْ فِيهِ سَحائِبُهُ
وَالغُصْنُ مِنْ فَوْقِهِ الشُّحْرُورُ تَحْسِبُهُ
…
يِتْلُو الزَّبورَ بِأَعْلى الدَّيْرِ راهِبُه
وَشاطِئُ النَّهْرِ قَدْ دبَّتْ عَوارِضُهُ
…
وَافْتَرَّ مَبْسَمُهُ وَاخْضَرَّ عارِضُه
وَصَفَّقَ الدَّوْحُ لَمَّا أَنْ رَأى عجباً
…
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَدْ شابَتْ ذَوائِبُهُ
وقال بعضهم في الهزار: [من الطويل]
وَخَرساءَ إِلَاّ فِي الرَّبِيعِ فَإِنَّها
…
نَظِيرَةُ قِسٍّ فِي العُصُورِ الذَّواهِبِ
أتَتْ تَمْدَحُ النَّوَّارَ فَوْقَ غُصونِها
…
كَما تَمْدَحُ العُشَّاقُ حُسْنَ الْحَبائِبِ
تُبَدِّلُ ألْحاناً إِذا قِيلَ بَدِّلِي
…
كَما بَدَّلَتْ ضَرْبًا أَكَفُّ الضَّوارِبِ
وقال: [من الكامل]
ضَحِكَ الثَّرى فَبدا لَكَ اسْتِبْشارُهُ
…
وَاخْضَرَّ عارِضُهُ وَطَرَّ عِذارُهُ
وَدَنَتْ حَدائِقُهُ وَأَوْرَد نبتُه
…
وَتَعَطَّرَتْ أَنْوارُهُ وَثمارُهُ
وَاهْتَزَّ ذابِلُ كلِّ ما بِقَرارهِ
…
لَمَّا أَتى مُتَطَلَّعا آذارُه
وَتَعَمَّرَتْ صُلْعُ الرُّبَى بِنَباتِها
…
وَتَرَنَّمَتْ مِنْ عُجْمَةٍ أَطْيارُهُ (1)
وقلت: [من السريع]
لِلَّهِ ما أَزْهى رِياضَ الرُّبَى
…
لَمَّا كَساها النُّورَ زاهِي الرَّبيِعْ
هَواؤُهُ حَرَّكَ حُكْمَ الْهَوى
…
مِنْ كُلِّ قَلْبٍ مُسْتَهامٍ صَدِيعْ
(1) الأبيات لأبي بكر بن القوطية، انظر:"معجم الأدباء" لياقوت الحموي (5/ 391).
إِذْ غَرَّدَ الشَّحرُورُ وَالورْقُ فِي الـ
…
. ـأَوْراقِ بِاللَّحْنِ العَجِيبِ البَدِيعْ
وَصَفَّقَ النَّهْرُ لَها إِذْ شَدَتْ
…
كَيْفَ تَرى ما صَنَعَتْ بِالسَّمِيعْ
وَاسْتَرْقَصَ الغُصْنَ نَسِيمُ الصَّبا
…
كَأَنَّهُ فِي الرَّوْضِ صَبٌّ خَلِيعْ
ما شِئْتَ أَنْ تُبْصِرَ ما راعَ مِنْ
…
شَيْءٍ تَرى فِي كُلِّ وادٍ وَرَيْعْ
تُسْقَى بِماءٍ واحدٍ وَهْيَ فِي
…
ألْوانِها شَتَّى بَراها البَدِيعْ
يا مَنْ قَدِ ارْتاحَ لِما قَدْ رَأى
…
وَاشْتَمَّ أَنْفاسَ عَبِيرِ الرَّبِيعْ
لَوْلا تَذَكَّرْتَ بِهِ جَنَّةَ الـ
…
ـمَأْوَى الَّتِي قَدْ أُزْلِفَتْ لِلْمُطِيع
وينبغي للمؤمن أن يكون في زمان الربيع أكثر طاعة لله منه في غيره؛ فإنه فصل تعتدل فيه الأبدان لاعتدال الأخلاط فيه.
ومن الطاعات التي تكون أقرب إلى القابلية فيه التذكر والتفكر: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19].
ولذلك قال الأستاذ أبو الحسن بن سمعون رحمه الله تعالى: الربيع أرضه حرير، وأنفاسه عبير، وأوقاته كلها أوقات وعظ وتذكير، والذكر والفكر من أفضل العبادات.
ولقد سمَّى الله تعالى الجامعين بينهما أولي الألباب في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} [آل عمران: 190، 191].
وروى ابن حيان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادةِ سِتِّيْنَ سَنَةٍ"(1).
ورواه الديلمي من حديث أنس بلفظ: "ثَمَانِيْنَ سَنَةٍ"(2).
فإذا خرجْتَ أيام الربيع إلى الصحاري والروابي كان مجالك في الذكر والفكر فيها أوسع منه في غيرها؛ فإنك تنظر في ألوان الربيع المختلفة خضرة، وحمرة، وصفرة، وزرقة، وبياضاً وسواداً، مع أنها تُسقى بماءٍ واحدٍ، وتنظر إلى نضارته واخضراره وريعانه، ثم إلى ما يعود إليه من اليَبَس والقحول، فتعتبر به حال الدنيا وفنائها كما قال الله
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(1/ 300). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 1193): إسناده ضعيف.
(2)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(2397). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 1193): إسناده ضعيف جداً.
تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45].
وفي هذه الآية زيادة على ما في الآية السالفة الإشارة إلى أن الدنيا على أن مصيرها إلى الفناء والزوال، وقد تفجأ صاحبها المَنِيَّة قبل بلوغ الأمنية كالزروع التي تجتاحها الآفة وقد قارب حصادها، وآن جذاذها وتوقع صاحبها أن يبلغ مُراده منها.
وقرأ الآية أُبي بن كعب رضي الله عنه: فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها كذلك نفصل الآيات. رواه ابن جرير، وابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي رضي الله عنه (1).
وتنظر إلى بهجة ما طلع في الأغصان من الورق والزهر والثمر
(1) رواه الطبري في "التفسير"(11/ 103).
بعدما كان ذلك داوياً (1)، فتعتبر بذلك البعث والنشور بعد الموت والفناء كما قال الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].
وروى الإمام أحمد، وغيره عن أبي رزين رضي الله تعالى عنه: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يُحيى الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟
قال: "هَلْ مَرَرْتَ بِوَادٍ أُهْلِكَ مَحْلاً ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَز خُضْرًا".
قال: نعم.
قال: "كَذَلِكَ يُخْرِجُ اللهُ الْمَوْتَىْ، وَذَلِكَ آيَتُهُ فِيْ خَلْقِه"(2).
وكذلك تعتبر حال الإنسان إذا يُولد غضًّا طرياً ناعماً، ثم يتكامل في صباه وشبابه، ثم يشيخ، ثم يَهْرَم، ثم يموت، ثم يبعثه الله تعالى كما قال الله تعالى:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 17، 18].
وقيل: [من الطويل]
وَما الْمَرْءُ إِلَّا كَالنَّباتِ وَزَهْرهِ
…
يَعُودُ رُفاتاً بَعْدَما كانَ ناضِرا
ولنا في هذا المعنى وهو من نظم الصبا: [من مخلَّع البسيط]
(1) لعل الصواب: "ذاوياً" بدل "داوياً".
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 11)، وكذا الحاكم في "المستدرك"(8682).