الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا فيبقى عليه بتوفيق الله تعالى؛ نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن والمِحَن، وأن يقبضنا على توبة مقبولة.
ثمَّ التوبة لها أركان:
أحدها:
أن يقلع عن الذنب في الحال
.
روى البزار، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيم عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ عز وجل"(1).
قال الفضيل بن عياض، وذو النون المصري رحمهما الله تعالى: استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين (2).
واعلم أنَّ الأقلاع عن الذنب إنما ينشأ من مطالعة زواجر الشرع، فينقدح من ذلك زِناد العقل، فيتولَّد منه نار الخوف من الله تعالى، فيحترق غُثاء الشهوة من النفس، ويذهب منه زَبَدُ الغفلة عن القلب، فيرتاع القلب ويتنبه، وينزجر بزاجر الإيمان، وزاجر العقل، وزاجر الشيب، وزاجر الموت، وغير ذلك، ويرجع إلى الله تعالى ويقلع عن الذنب، ولذلك قال بعضهم: اليقظة حرقة من جهة المولى لقلوب
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7178)، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (54/ 72). قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 49): روي موقوفًا، ولعله الأشبه.
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (1/ 313)، و"الأذكار" للنووي (ص: 323).
الخائفين تدلهم على طريق التوبة.
وروى أبو نعيم عن أبي بكر الكتاني رحمه الله تعالى أنه قال: روعة عبد انتباه من غفلة؛ وانقطاع عن حظ النفس، وارتعاد من خوف القطيعة أعود على المريدين من عبادة الثقلين (1).
وقد يسَّر الله تعالى لمن أراد به الخير طريق التوبة بالدواعي الداعية إليها، وهي فوائد التوبة التي عوَّلنا سابقاً عليها، وبالزواجر له عن الذنوب كزاجر الإيمان وزاجر الإِسلام.
قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمَ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ إِلَاّ بُعْدًا". رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (2).
وأخرجه الإِمام أحمد في "الزهد"، وغيره عن ابن مسعود موقوفًا عليه (3).
وروى المفسرون عن ابن عباس قال في الآية: في الصلاة منتهى
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(10/ 358).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11025). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 258): فيه ليث بن أبي سيلم، وهو ثقة، ولكنه مدلس.
(3)
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8543).
ومُزْدجر عن معاصي الله تعالى (1).
ولا شك أنَّ من آمن بالله وبما جاء به رسله من وعيده في كتبه، وصدق بذلك أدى به تصديقه بذلك إلى أن يطيعه ولا يعصيه، وأن يقلع عن عصيانه إن كان متلبَّساً به، وإلا لم يكن تصديقه كاملًا ولا يقينه خالصاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَا آمَنَ بِالقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ". رواه الترمذي من حديث صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه (2).
وزاجر العلم: قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
فبيَّن سبحانه وتعالى أن الخشية إنما تنبعث من العلم والمعرفة؛ وإن العارف بالله تعالى يعلم ما لا يعلمه غيره من اطلاع الله تعالى عليه في أحواله كلها في سره وعلانيته، وذلك يزجره عن المعصية وعن الإقامة عليها.
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك، فتلك خشيته. رواه ابن أبي حاتم (3).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(20/ 155)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3066).
(2)
رواه الترمذي (2918) وضعفه.
(3)
ورواه ابن المبارك في "الزهد"(2/ 35)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 276).