الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فدعا الرسول وأمَّن هو، فأظلَّتهما سحابة حتى انتهيا إلى القرية، فأخذ القصاب إلى مكانه، ومالت السحابة معه، فقال له: زعمت أنَّه ليس لك عمل وأنا الذي دعوت وأنت الذي أمَّنت، فأظلتنا سحابة ثم تبعتك؛ لتخبرني بأمرك.
فأخبره، فقال: إنَّ التائب من الله بمكان ليس أحد من الناس بمكانه (1).
*
الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:
أن التائب ينال بالتوبة رضا الله المعبَّر عنه بالفرح فيما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدهِ حِينَ يَتُوْبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَىْ رَاحِلَتِهِ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأتىْ شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فيْ ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُم قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِيْ وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شدَّةِ الْفَرَحِ"(2).
وتقدم الحديث من طريق آخر.
*
الفائِدَة الرَّابِعَةُ:
أنه ينال المغفرة ومحو الذنوب، قال الله تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82].
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 230).
(2)
رواه البخاري (5950)، ومسلم (2747) واللفظ له.
وقال صلى الله عليه وسلم: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ"(1).
وروى الترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فيْ قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَغْلِفَ بِهَا الْقَلْبُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِيْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى في كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14] "(2).
وروى أبو أحمد الحاكم في "المواعظ" عن الحسن: أنَّه كان يقول: يا ابن آدم! لا تتمنى المغفرة بغير التوبة، ولا الثواب بغير العمل، ولا تغتر بالله؛ فإن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه وتترك العمل فيما يرضيه، وتتمنى عليه مع ذلك مغفرته، فتغرك الأماني حتى يحل بك أمره؛ أما سمعته يقول:{وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد: 14]؟
يا ابن آدم! اعلم أنَّ مغفرة الله لمن أطاعه واجتنب سخطه، وتاب إليه من الخطايا، أما سمعته يقول:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه: 82]؟ اهتدى والله للسبيل الأقوم، واتَّبع آثار المسلمين،
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الترمذي (3334) وصححه، والنسائي في "السنن الكبرى"(10251)، وابن ماجه (4244)، وابن حبان في "صحيحه"(930)، والحاكم في "المستدرك"(6).
وسلك سبيل الصالحين.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "التوبة" عن أبي هريرة قال: بينما المسيح عليه السلام في رهط من الحواريين عند نهر جار وحمئة منتنة، أقبل طائر حسن اللون يتلون كما هو الذهب، فوقع قريباً فانتفض، فسلخ عنه مسكه، فإذا هو أقبح شيء حتى سلخ عنه مسكه أقيرع أحيبش، فانطلق يدب إلى الحمئة المنتنة، فتمعَّك فيها وتلطَّخ بنتنها، فازداد قبوحاً إلى قبوحه ونتناً إلى نتنه، ثمَّ انطلق يدب حتى أتى إلى نهر إلى جنبه ضَحْضَاح صافٍ، فاغتسل فيه حتى رجع كأنَّه بيضة مقشَّرة، ثمَّ انطلق يَدبُ إلى مسكه فتدرعه كما كان أول مرَّة.
قال: فكذلك مثل عامل الخطيئة حتى يكون في الخطايا، وكذلك مثل التوبة كمثل اغتساله من النتن في النهر الضحضاح، ثم راجع دينه حتَّى تدرع مسكه (1).
وروى أبو نعيم عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: إنَّ الشيطان ليُزين للعبد الذنب حتى يكسبه، فإذا كسبه تبرَّأ منه، فلا يزال العبد يبكي ويتضرع إلى ربِّه ويستكين حتى يُغفر له ذلك الذنب وما قبله، فيندم الشيطان على ذلك الذنب حيث أكسبه إيَّاه فغفر له الذنب وما قبله (2).
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(131)، وكذا ابن المبارك في "الزهد"(2/ 44).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 335).