الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتوبة من الإيمان فهي سبب للعز كما أنَّ المعصية سبب للذل.
وروى ابن أبي الدنيا عن المعتمر بن سليمان رحمه الله تعالى، عن أبيه قال: إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مَذلَّتُه (1).
وروى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله تعالى، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله تعالى (2).
وعن الحسن رحمه الله تعالى قال: والله لئن تدقدقت بهم الهماليج، ووطئ الرجال أعقابهم؛ إنَّ ذل المعصية في قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيضه عبدٌ إلا أذلَّه (3).
*
الفائِدَةُ الثَّامِنَةُ:
إنَّ التائب ينور قلبه، ويقوي جسده لأنَّها طاعة، وهذا حكمها.
قال الله تعالى حكاية عن هود عليه السلام: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
وروى ابن أبي الدنيا في "التوبة" عن الحسن قال: إنَّ الرجل ليعمل الحسنة فتكون نوراً في قلبه، وقوةً في بدنه، وإنَّ الرجل ليعمل
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(188).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 164).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 149).
السيئة فتكون ظلمة في قلبه، ووهَناً في بدنه (1).
ورواه أبو نعيم عن الحسن، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَجَدْتُ الحَسَنَةَ نوْرًا في الْقَلْبِ، وَزَيْنًا في الْوَجْهِ، وَقُوَّةً في الْعَمَلِ، وَوَجَدْتُ الخَطِيْئَةَ سَوَادًا فيْ الْقَلْبِ، وَشَيْنًا في الْوَجْهِ، وَوَهَنًا في الْعَمَلِ"(2).
وقلت ملمحاً بالحديث: [من الرمل]
أَطِعِ اللهَ وَإِنْ تَعْصِي فَتُبْ
…
إِنَّ بِالتَّوْبَةِ يُمْحَى كُلُّ رَيْن
طاعَةُ اللهِ تُرى فِي عَمَلٍ
…
نُورُ قَلْبٍ وَلِوَجْهِ العَبْدِ زَيْنْ
وَمعاصِي اللهِ وَهْنٌ وَسَوا
…
دٌ لِقَلْبٍ وَهْيِ فِي الأَوْجُهِ شَيْنْ
هَكَذا نَرْوِيهِ عَنْ خَيْرِ الوَرى
…
أَحْمَدَ الْمَبْعُوثِ يَدْعُو الأُمَّتَيْنْ
فَعَلَيْهِ صَلواتٌ دائِماً
…
ما اهْتَدى النَّاسُ بِنُورِ الثَّيِّرَيْنْ
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(190).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 161) وقال: غريب.
قلت: ولا يرد على ذلك ما نشاهده من الظلمة وشدة بأسهم؛ فإنَّ المراد أنَّ بدن التائب والطائع يقوى بطاعةٍ لله تعالى أخرى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وَقُوَّةً في الْعَمَلِ" يعني: الصالح لأنَّه المراد عند الإطلاق غالباً، والعاصي المصر يهين بدنه عن الطاعات.
وأمَّا قوة بدنه في شهواته وأغراضه فإنَّ الوهن خير له منها لأنَّها ابتلاء واستدراج.
وكذلك القول في حديث علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اتَّقَىْ اللهَ عَاشَ قَوِيًّا وَسَارَ في بِلَادِهِ آمِنًا". رواه أبو نعيم (1).
وروى ابن أبي الدنيا في "التوبة" عن علي رضي الله تعالى عنه قال: جزاء المعصية: الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والنغص في اللذة.
قيل: وما النغص في اللذة؟
قال: لا ينال شهوة حلالاً إلا جاءه ما ينغصه إياها (2).
وقال: حدثني أحمد بن الحارث بن المبارك عن شيخ من قريش قال: كتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه: أما بعد! فإنَّ العصمة ثمرة التوبة، والله ولي عصمتك، فإيَّاه فاحمد عليها يزدك من طاعته،
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 175).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "التوبة"(135).