الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"عُلَمَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلانِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا، فَذَلِكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيْتَانُ الْبَحْرِ وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِيْ جَوِّ السَّمَاءِ، وَيقْدُمُ عَلَىْ اللهِ تَعَالَىْ سَيِّدًا شَرِيْفًا حَتَّىْ يُرَافِقَ الْمُرْسَلِيْنَ"، وذكر الحديث، وتقدم بتمامه (1).
وفي الباب غير ذلك من الأحاديث.
-
ومن أحوال العجماوات: أنَّ منها ما يلهم النصيحة للخلق
.
روى أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعنده كعب الأحبار، فقال كعب: يا أمير المؤمنين! ألا أخبرك بأغرب شيء؟ قرأت في كتب الأنبياء عليهم السلام أن هامَة - وهي بتخفيف الميم على المشهور: طير الليل - جاءت إلى سليمان عليه الصلاة والسلام، فقالت: السلام عليك يا نبي الله.
فقال: وعليك السلام يا هامة؛ أخبريني كيف لا تأكلين من الزرع؟
قالت: يا نبي الله! إن آدم أخرج من الجنة بسببه، فمن أجل ذلك لا آكل.
فقال: وكيف لا تشربين من الماء؟
(1) تقدم تخريجه.
قالت: لأنه غرق فيه قوم نوح، فمن أجل ذلك لا أشربه.
قال لها سليمان: كيف تركت العمران؟
قالت: لأن الخراب ميراث الله، فأنا أسكن ميراث الله.
قال سليمان: فما صياحك في الدور إذا مررت عليها؟
قالت: أقول: ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد؟
قال: فما لك لا تخرجين بالنهار؟
قالت: من كثرة ظلم بني آدم لأنفسهم.
قال: فأخبريني ما تقولين في صياحك؟
قال: أقول: تذكروا يا غافلين وتهيؤوا لسفركم؛ سبحان خالق النور! فقال لسليمان عليه السلام: ليس من الطيور أنصح لابن آدم وأشفق من الهامة، وما في قلوب الجهال أبغض منها (1).
ومما يضرب به المثل في النصح الكلب.
وقال الشاطبي رحمه الله تعالى: [من الطويل]
وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ
…
وَلا يَأتَلِي فِي نُصْحِهِمْ مُتَأَثِّلاً
(1) تقدم تخريجه.
- ومن أحوال العجماوات والبهائم: أنها تلعن العصاة وعلماء السوء، وتردُّ اللعنة على لاعنها.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159، 160].
قيل في تفسير الآية: كما أن العلماء العاملين يستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان فى الماء والطير في الهواء، كذلك كاتم العلم لغرض فاسد يلعنه كل شيء.
وروى ابن الجوزي في "العلل" عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كَاتِمُ الْعِلْمِ يَلْعَنُهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّىْ الْحُوْتُ فِيْ الْبَحْرِ وَالطَّيْرُ فِيْ السَّمَاءِ"(1).
وقلت ملمحاً بذلك: [من الخفيف]
عالِمٌ مُخْلِصٌ نَصُوحٌ لَهُ اسْتَغْـ
…
فَرَ كُلٌّ مِنَ الْخَلائِقِ حَقًّا
وَالَّذِي يَكْتُمُ العُلُومَ لِدَيْنا
…
لَعَنَتْهُ الأَشْياءُ بُغْضاً وَحَنَقاً
إِنَّ هَذا لَفِي الْحَضِيضِ وَذاكَ الـ
…
مُخْلِصُ القَلْبَ فِي الْمَراتِبِ يَرْقَى
(1) رواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 99) من طريقين، وقال: في طريقه الأول: ابن دأب؛ قال أبو زرعة: كان يكذب، وفي الطريق الثاني: يحيى بن العلاء؛ قال أحمد: كذاب يضع الحديث.