الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن الثالث من أركان التوبة:
العزم على أن لا يعاود الذنب:
فلو عزم على معاودة الذنب في وقت التوبة لم تصح توبته لمناقضة حاله للتوبة؛ فإنَّ عزمه على الذنب دليل تعلق قلبه به وعدم إقلاعه عنه، فلو عزم في وقت التوبة أن لا يعود، ثمَّ خطر له بعد مدة أن يعاود الذنب وعزم عليه، فتوبته صحيحة، وهذا العزم ذنب آخر، فإن همَّ بالمعاودة ولم يعزم لم يؤاخذ به.
ونقل الثعلبي، وغيره عن مجاهد، والحسن، وعكرمة، والسدي في قوله تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: 3 - 5]: يقول الله تعالى: ما يجهل ابن آدم أنَّ ربه قادر على جمع عظامه بعد الموت، ولكنه يريد أن يَفْجُرَ أمامَه؛ أي: يمضي قدمًا في معاصي الله تعالى راكباً رأسه لا ينزع عنه ولا يتوب (1).
وروى ابن أبي الدنيا في "الأمل"، والبيهقي في "الشعب" عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: 5]؛ قال: يُقدم الذنب ويؤخر التوبة (2).
وروى ابن جرير عنه أنه قال: يعني: الأمل؛ يقول: أعمل ثم أتوب (3).
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(10/ 83).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل"(ص: 140)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10673).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(29/ 177).
وروى المفسرون، والحاكم وصححه، والبيهقي عنه: أنَّهُ قال في الآية: يقول: سوف أتوب.
{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 6]؛ قال: يقول: متى يوم القيامة؟
قال: فبيَّن له بقوله: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7](1).
وقوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} أي: يسأل بلسان قاله، أو بلسان حاله سؤال استبعاد، كأنه يجعل الاعتذار عن فجوره وعزمه على ركوب آثامه أنَّ يوم القيامة بعيد، فيطيل أمله، ويسيء عمله، وينسى أجله، فلا يُصْلح خلله.
وأنشد ابن أبي الدنيا في "كتاب الموت" لبعضهم: [من البسيط]
قُلْ لِلْمُؤَمِّلِ إِنَّ الْمَوْتَ فِي أَثَرِكْ
…
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكَ الأَمْرُ مِنْ نَظَرِكْ
فِيما مَضَى لَكَ إِنْ فَكَّرْتَ مُعْتَبَرٌ
…
وَمَنْ يَمُتْ كُلَّ يَوْمٍ فَهْوَ مِنْ نُذُرِكْ
دَارٌ تُسافِرُ عَنْها فِي غَدٍ سَفراً
…
فَلا تَؤُوبُ إِذا سافَرْتَ مِنْ سَفَرِكْ
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(3878)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7232).