الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوْا المُسْلِمِيْنَ، وَلَا تَتَّبِعُوْا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَةَ أَخِيْهِ المُسْلِمِ تتَبعَ اللهُ عَوْرتَهُ، وَمَنْ تتَبعَ اللهُ عَوْرتهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فيْ جَوْفِ بَيْتِهِ" (1).
*
الفائِدَةُ الثالِثة عَشْرَةَ:
من فوائد التوبة أنَّ حملة العرش والطائفين به -وهم الكروبيون عليهم السلام يدعون للتائبين، ويستغفرون لهم.
*
الفائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
أنَّ التائب يُبدل الله سيئاته حسنات.
قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70].
وهل هذا التبديل في الدنيا أو في الآخرة؟
قولان.
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 420)، وأبو داود (4880).
قال بالأول: قتادة، والحسن.
وبالثاني: مكحول، وعلي بن الحسن. روى ذلك عنهم عبد بن حميد (1).
والثاني أوفق للحديث الصحيح، ولا مانع أن يحصل التبديل لبعض الناس في الدنيا، وفي الآخرة جميعًا.
وروى الإِمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وغيرهم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَىْ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: اعْرِضُوْا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوْبِهِ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُهَا وَيُنَحَّى كِبَارُهَا، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذا كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ يُقِرُّ لَيْسَ يُنْكِرُ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنَ الْكبَارِ أَنْ تَجِيْءَ، فَيُقَالُ: أَعْطُوْهُ مَكَانَ كُلِّ سَيئةٍ عَمِلَهَا حَسَنَةً، فَيَقُوْلُ: إِنَّ ليْ ذُنُوْبًا لَا أَرَاهَا هُنَا".
قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجده (2).
يعني: تعجبًا من إشفاق هذا أولًا من كبار ذنوبه أن تذكر له، ثم صار بعد ذلك يذكرها طمعًا في تبديلها حسنات كالصغائر.
وقد يُفهم من الحديث أن الكبائر لا تُبدَّل حسنات.
والآية تدل على أنها تُبدل لأنها جاءت بعد ذكر عظائم السيئات
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 280).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(5/ 157)، ومسلم (190)، والترمذي (2596).
من الشرك، والقتل، والزنا.
والألف والسلام في (الرجل) في الحديث للعهد؛ أي: للرجل المؤمن التائب العامل الصالحات، وهو المعهود في الآية الكريمة.
وروى عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي عثمان النهدي رحمه الله تعالى قال: إنَّ المؤمن يُعطى كتابه في ستر من الله فيقرأ سيئاته، فإذا رآها تغير لها لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها، فيرجع إليه لونه، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بُدّلت حسنات، فعند ذلك يقول:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19](1).
وروى البزار، والطبراني -واللفظ له - قال المنذري: وإسناده جيد قوي -قلت: وله شواهد - عن أبي طَويل شَطَبٍ الممدودِ رضي الله تعالى عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجَّة إلا أتاها، فهل له من توبة؟
قال: "فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟ ".
قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله.
قال: "تَفْعَلُ الخَيرَاتِ وَتَتْرُكَ السيئاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيرَاتٍ كُلهُنَّ".
قال: وغدراتي، وفجراتي؟
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 280).
قال: "نعَمْ".
قال: الله أكبر، فما زال يُكبر حتى توارى (1).
وشطب -بالفتح- قد ذكره غير واحد في الصحابة، إلَّا أن البغوي ذكر في "معجمه": أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير -مُرسلاً-: أنَّ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم شطبًا، فقال الحديث.
والشطب في اللغة: الممدود، فصحفه بعض الرواة، فظنه اسم رجل (2).
وقوله: لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها؛ فالداجة فيه من الدَّج، وهو الإسراع والدبيب في السير.
قال ابن السكيت: ولا يقال: يدجون حتى يكونوا جماعة، ولا يقال ذلك للواحد، وهم الداجة، والدج.
قال: الداج، والداج: الأعوان والمُكَارون (3).
وفي الحديث: "هَؤُلاءِ الداجُّ، وَلَيْسُوا بِالْحاجِّ"، [وأمَّا الحديث:"ما تركتُ من حاجَةٍ ولا داجَةٍ إلا أَتيْتُ"] (4) فكان حق الداجة في الحديث
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7235).
(2)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (4/ 55)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (3/ 349).
(3)
انظر: "إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص: 414).
(4)
ما بين معكوفتين زيادة من "الصحاح".