الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عوضهم ببركات المواشي ليتماسكوا بذلك عن ترك الحراثة، ومع ذلك فقد حبب الله إليهم الحرث حتى يحلف أحدهم الأيمان عند شيء ينوبه وشدة تلحقه على تركها، فإذا جاء إبانها كفَّرَ عن يمينه، وخلص منه، وعاد إليها ليكون ذلك سببا لعمارة البلاد والرفق بالعباد.
وهنا فائدة مهمة ينبغي التنبيه عليها:
روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْناَبَ الْبَقَرِ، وَرَضِيْتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُم الْجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّىْ تَرْجِعُوْا إِلَىْ دِيْنكُمْ"(1).
فتبين من ذلك معجزة ظهرت للنبي صلى الله عليه وسلم في صدق ما بينه، وذلك أنَّ العساكر إنما فرضت لهم الأعطية من بيت المال ليكونوا رصداً للجهاد، فآثروا الدنيا على ما أرصدوا له، وأقبلوا على تحصيلها ببيع العينة، بل بالربا المحض أضعافاً مضاعفة، وتعاطي الحرث والزروع، ومزاحمة الفلاحين في شأنهم، حتى إن الجندي منهم لا يزال بالفلاح حتى يأخذ داره وأرضه بأي طريق كان، ويشق عليهم مفارقة أموالهم ونعمهم، فأعرضوا عن الجهاد، فأصابهم الذل بعدم إغنائهم في الغزو وإخفاقهم، وتسلط الأعداء عليهم، بل سلَّط الله بعضهم على بعض
(1) رواه أبو داود (3462). وضعف ابن حجر إسناده في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(2/ 151).
حتى استذلت كبارهم صغارهم، واستطالت صغارهم على كبارهم، وهم لا يراجعون دينهم، ولا يرجعون إلى سبيلهم الذي أرصدوا له، فبقوا على زللهم وفتنتهم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون! وروى الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْغَنَمُ أَمْوَالُ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام "(1).
وروى ابن ماجه بسند ضعيف، عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الأنبياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وقال:"عِنْدَ اتِّخَاذِ الأَغْنِيَاءِ الدَّجَاجَ يَأْذَنُ اللهُ بِإِهْلاكِ الْقُرَى"(2).
قال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف البغدادي: أمر كلاًّ بالكسب بحسب مقدرتهم لأنَّ به عمارة الدنيا وحصول التعفف.
ومعنى آخر الحديث: أن الأغنياء إذا ضيقوا على الفقراء في مكاسبهم وشاركوهم في معايشهم تعطل الفقراء، ومن ذلك يكون هلاك القرى (3).
وفي الحديث: "الْمُؤْمِنُ كَالشَّاةِ الْمَأْبُوْرَةِ". أورده صاحب "النهاية"،
(1) رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4308).
(2)
رواه ابن ماجه (2357)، وكذا ابن عدي في "الكامل"(5/ 208) وأعله بعلي بن عروة، وقال: ليس حديثه بشيء وهو ضعيف.
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" لملا علي القاري (8/ 41)، و"التيسير بشرح الجامع الصغير" للمناوي (2/ 149).
وغيره من علماء الغريب، وذكره الدميري، والسيوطي (1).
أي: التي أكلت الإبرة، فنشبت في جوفها، فهي لا تأكل شيئاً، وإن أكلت لم ينجع فيها؛ كذا قالوا.
ووجه التشبيه: أن المؤمن لشدة وَجَله وغمه من ذنوبه وخطاياه، وخوفه من المكر والعياذ بالله يمتنع بذلك عن الطعام والشراب إلا على وجه الاقتيات، لا يستلذ به ولا يتنعم لأن له شاغلاً عنه.
وقال في "الصحاح": أبرت الكلب: أطعمته الإبرة في الخبز.
قال: وفي الحديث: "الْمُؤْمِنُ كَالْكَلْبِ المْأْبُور"، انتهى (2).
ولم أقف على تخريج هذا الحديث، ولا الذي قبله، ويشبه أن يكونا من كلام الحسن البصري أو غيره؛ والله الموفق.
وروى الحافظ الذهبي في "الميزان" بسند ضعيف جداً، عن أنس - موقوفاً - قال: كيف أنتم إذا كان زمان يكون الأمير فيه كالأسد والأسود، والحاكم فيه كالذئب الأمعط، والفاجر كالكلب الهرار، والمؤمن بينهم كالشاة الولهاء بين الغنمين، فكيف حال شاة بين أسد وذئب وكلب (3).
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 14)، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 377)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(964) عن مالك بن دينار من قوله.
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 574)(مادة: أبر).
(3)
رواه الذهبي في "لسان الميزان"(1/ 173) مرفوعاً، وقال: خبر باطل.
ومن شواهده ما رواه ابن عساكر عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَأْتِيْ عَلَىْ النَّاسِ زَمَانٌ يَكُوْنُ الْمُؤْمِنُ فِيْهِ أَذَلَّ مِنْ شَاتِهِ"(1).
وسبب ذلك تسلط الحكام من الأمراء وغيرهم على الناس، فينتزعوا ما في أيديهم طمعاً في الأموال والتبسط في الدنيا ونعيمها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يُوْشِكُ أَنْ يَمْلأَ اللهُ أَيْدِيَكُمْ مِنَ الْعَجَمِ وَيَجْعَلَهُمْ أُسْدًا لا يَفِرُّوْنَ فَيَضْرِبُوْنَ رِقَابَكُمْ وَيأكلُوْنَ فَيْئَكُمْ".
رواه النسائي، والحاكم وصححه، عن حذيفة، والإمام أحمد، والحاكم - وصححه - والضياء في "المختارة" عن سمرة، والطبراني في "الكبير" عنه وعن ابن عمر، وأخرجه أيضاً بنحوه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنهم (2).
(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(54/ 414)، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس"(8671).
(2)
رواه البزار في "المسند"(2882)، والحاكم في "المستدرك"(8583) عن حذيفة رضي الله عنه.
والإمام أحمد في "المسند"(5/ 11)، والحاكم في "المستدرك"(8563)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، والطبراني في "المعجم الكبير"(6921) عن سمرة رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5215)، وكذا البزار في "المسند" (2370) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 311): رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه عبد الله بن عبد القدوس؛ وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، ويونس بن خباب ضعيف جداً.