المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ ثمَّ الأصح أن نقض التوبة لا يبطلها بأن يتوب عن - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ١٢

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌ ومن ذلك: الحُمَّرة

- ‌ ومن ذلك: الزرزور:

- ‌ ومن ذلك: الصعو:

- ‌ ومن ذلك: الوصع صغير العصافير

- ‌ ومن ذلك: الفرفر

- ‌ ومن ذلك: البلبل:

- ‌ ومن ذلك: الهزار، والعندليب:

- ‌ ومن ذلك: الشحرور

- ‌ ومن ذلك: الدرج:

- ‌ وكذلك الطير المعروف في بلاد الشام والروم بدائم اشكر

- ‌ ومن ذلك: القطا:

- ‌ ومن ذلك: الدرة:

- ‌ ومن ذلك: فاقد إلفه:

- ‌ ومن أحوال الطير: التبكير بالطاعة والذكر، وطلب الرزق

- ‌ ومن أحوال الطير: استئناسه بجنسه ونفوره عن غير جنسه

- ‌ ومن أحوال الطير: خلو قلوبها لأمثالها من أجناسها

- ‌ ومن أحوال كثير من الطير: الاستئناس بالله تعالى والانفراد عن الخلق

- ‌ فوائد تتعلق بالخطاف:

- ‌ ومن أوصاف الطير: كثرة الاستيقاظ بالليل حذراً من الجوارح

- ‌ ومن أوصاف طير الليل كالبوم، والهام، والخفاش:

- ‌ ومن أوصاف الطير، وسائر البهائم والسباع والهوام:

- ‌ ومن أحوال الطير أو أكثرها: المزاوجة

- ‌ ومن أحوال الطير - خصوصاً أشرافها -: علو الهمة، وبلوغ المآرب بالطيران

- ‌ ومن أحوال الطير والوحش: الإمساك يوم عاشوراء عن الطعام والشراب

- ‌ ومن أوصاف النحل:

- ‌ ومن أوصاف النحل: الدوي في ذكر الله تعالى

- ‌ ومن خصال النحل: أنها لا ترعى إلا الطيِّب

- ‌ ومن خصال النحل:

- ‌ ومن النحل اليعسوب:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ فائِدَةٌ زائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك النمل:

- ‌ ومن ذلك: الحوت، والسمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء

- ‌ ومن ذلك: الإبل

- ‌ ومن الإبل: الجمل الأنوف

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أخلاق الإبل:

- ‌ ومن الإبل: البُزْل

- ‌ ومن أحوال الخيل:

- ‌ ومن أوصاف الخيل المحمودة التي يتيمن بها:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ ومن لطائف الخيل:

- ‌ ومن ذلك: الشاة:

- ‌ فائِدَةٌ لَطِيفَةٌ:

- ‌وهنا فائدة مهمة ينبغي التنبيه عليها:

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌ ومن ذلك: الظِّباء والغِزلان:

- ‌ ومن أوصاف الطير: الفطنة، والكياسة، والحذر، والفرار مما يؤذيه، والنفور

- ‌ ومن أوصاف الظبي: الغرَّة

- ‌ وممَّا يوصف به الظبي: الرشاقة

- ‌ ومن ذلك: الوَعِل -كفخذ- وفيه اللغات الأربع، وجمعه: أو عال، ووعول

- ‌ ومن خصال الأوعال والأروى: أنها تتخذ مساكنها في رؤوس الجبال وشَعَفِها

- ‌ ومن عادة الوعل:

- ‌ ومن طبع الوَعِل:

- ‌ ومن ذلك: الأرنب والثعلب؛ يضرب بهما المثل في الفرار

- ‌ ومن أحوال البهائم: الاستسقاء

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والحيوانات: الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة، والاستجارة به عليه الصلاة والسلام

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والسباع: انقيادها لأهل الله تعالى، ولياذها بأوليائه، واحتشامها لهم، وأُنسها بهم

- ‌ ومن أحوال بعض البهائم والعجماوات: حزنها لفقد أولياء الله تعالى، وحنينها إليهم

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنها تستغفر لطلبة العلم والعلماء العاملين، وتترحم عليهم مع التعظيم لهم

- ‌ ومن أحوال العجماوات: أنَّ منها ما يلهم النصيحة للخلق

- ‌ تنبِيهٌ لَطِيفٌ:

- ‌ تنبِيهانَ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِي:

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌ ومن أحوال العجماوات، بل والجمادات: طاعتها لله تعالى، وانقيادها له، وتسبيحها بحمده، وشهادتها بوحدانيته

- ‌ فوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأُولَى:

- ‌ الفائدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفاِئدُة الثَّامِنَةُ:

- ‌ تَتِمَّاتٌ لِهَذا البابِ:

- ‌ فائدة جليلة نختم بها هذا الفصل:

- ‌ خَاِتمَة الكِتَابِ المَوْعُود بِذِكْرِهَا في فَضْل الإنَابَةِ والمَتَابِ

- ‌وللتوبة فَوائِدُ:

- ‌ الفائدة الأولى:

- ‌ الفائدة الثَّانِيَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌ الفائِدَة الرَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ العاشِرَةُ:

- ‌ الفائِدَةُ الْحادِيَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثَّانِيةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الثالِثة عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

- ‌ الفائِدَةُ الْخامِسَةَ عَشْرَةَ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ أن يقلع عن الذنب في الحال

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌وزاجر الموت:

- ‌وزاجر العقل

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الندم على فعل الذنب

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌العزم على أن لا يعاود الذنب:

- ‌ رد المظالم إلى أهلها، أو الاستحلال منهم حتى يسامحوه ويعفو عنه

- ‌[خاتمة الكتاب]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ ثمَّ الأصح أن نقض التوبة لا يبطلها بأن يتوب عن

‌فَصْلٌ

ثمَّ الأصح أن نقض التوبة لا يبطلها بأن يتوب عن ذنب توبة عزم وإقلاع، ثم يعاود الذنب بعينه، بل معاودته ذنب آخر يحتاج إلى توبة أخرى.

وقال بعضهم: تبطل التوبة السابقة، إذا عاود الذنب.

ورُدَّ بأنَّ التوبة عبادة، وإذا وقع بعد العبادة ما يوجب الإتيان بمثلها لم يكن ذلك مبطلاً لها، ولا حجَّة له فيما رواه الطبراني بإسناد حسن، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْسَنَ فِيْمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَىْ، وَمَنْ أَسَاءَ فِيْمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا مَضَىْ وَمَا بَقِيَ"(1)؛ إذ يمكن حمله على ما لو لم يتب مما مضى؛ فإنَّ التوبة إحسان، وقد قال في الحديث المذكور:"مَنْ أَحْسَنَ فِيْمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَىْ".

فقوله: "وَمَنْ أَسَاءَ فِيْمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا مَضَىْ"؛ أي: من الذنب

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(6806). وحسن الهيثمي إسناده في "مجمع الزوائد"(10/ 202).

ص: 325

الذي لم يغفر بإحسان.

ثم التوبة مقبولة لله تعالى كما قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] ما لم يغرغر العاصي بالروح بأن تبلغ حلقومه كالشيء الذي يتغرغر به، أو تأتي بعض آيات الله تعالى الكبرى المُنذرة بقيام الساعة على أثرها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لم يُغَرْغِرْ". رواه الإِمام أحمد، وابن ماجه، [والترمذي] وحسَّنه، وابن حبان، والحاكم وصححاه، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (1).

وقال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18].

والحديث تفسير لهذه الآية.

(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 132)، والترمذي (3537) وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"(628)، والحاكم في "المستدرك"(7659) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ورواه ابن ماجه (4252) عن عبدُ الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(1/ 292): ووقع في نسخ ابن ماجه المعتمدة: عبد الله بن عمرو؛ قال ابن عساكر في "أطرافه": وهو وهم.

ص: 326

وروى ابن أبي شيبة عن أبي قلابة رحمه الله تعالى قال: إنَّ الله تعالى لمَّا لعن إبليس سأله النَّظِرة، فأنظره إلى يوم الدين.

فقال: وعزتك لا أخرج من جوف أو قلب بن آدم ما دام فيه الروح.

قال: وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح (1).

وحدَّث به أبو قلابة بحضرة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وأقرَّه عليه كما رواه ابن جرير، والبيهقي في "الشعب"(2).

وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].

والمراد بالآيات آيات الساعة الكبيرة المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه قال: فاطَّلع علينا، فقال:"ما تَذْكُرونَ؟ ".

قلنا: الساعة.

قال: "السَّاعَةُ لَا تَقُوْمُ حَتَّى يَكُوْنَ عَشْرُ آيَاتٍ؛ الدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوْعُ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبِهَا، وَثَلَاثَةُ خُسُوْفٍ؛ خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَنزوْلُ عِيْسَىْ، وَفَتْحُ يَأْجُوْجَ وَمَأْجُوْجَ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوْقُ النَّاسَ إِلىْ

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34217).

(2)

رواه الطبري في "التفسير"(4/ 301).

ص: 327

الْمَحْشَرِ تَبِيْتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوْا وَتُقِيْلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوْا". رواه الإِمام أحمد، وابن أبي شيبة، ومسلم، والأربعة (1).

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]: طُلُوْعُ الشَّمسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ"(2).

وروى الإِمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوْجًا طُلُوْعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوْجُ الدَّابَّةِ عَلَىْ النَّاسِ، وَأيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلُ صَاحَبَتْهَا، فَالآخِرَةُ عَلَىْ أثرِهَا تَقْرِيْبًا"(3).

قلت: وهذا الحديث يدل على أن طلوع الشمس من مغربها والدابة يكونان قبل الخسوفات الثلاثة المذكورة في حديث حذيفة بن أسيد؛ إذ الألف واللام للعهد؛ أي: أول الآيات المعهودة، وهي العشرة.

(1) رواه الإِمام أحمد في " المسند"(4/ 7)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(37464)، ومسلم (2901)، وأبو داود (4311)، والترمذي (2183)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11380)، وابن ماجه (4055).

(2)

رواه مسلم (158).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 201)، ومسلم (2941)، وأبو داود (4310)، وابن ماجه (4069).

ص: 328

فما ذكره ابن الجوزي، وأقره عليه القرطبي من أن بعض الخسوفات وقعت بعراق العجم والمغرب حتى هلك بسببها خلق لا يتطابق مع هذا الحديث (1).

والذي أقول: إنَّ الخسوفات المذكورة في الحديث خسوفات أخرى مهولة تقع بعد طلوع الشمس من المغرب وخروج الدابة، وهي أبلغ وأعظم من الخسوفات التي أشار إليها ابن الجوزي.

وقد نظمت الآيات العشر التي في حديث حذيفة قديماً فقلت: [من الرمل]

عَشْرُ آياتٍ إِذا ما اسْتُوْفيَتْ

لَمْ يَكُنْ إِيْمانُ نَفْسٍ يَنْفَعُ

لا وَلا تَوْبَتُها مَقْبولَةٌ

وَبِها حَبْلُ الرَّجا يَنْقَطِعُ

فَدُخانٌ دابَّةٌ خَسْفٌ لَدى الـ

ـشَّرقِ وَالغَرْبِ جَمِيعاً مُفْظِعُ

ثُمَّ خَسْفٌ بِالْحِجازِ وَكَذا الـ

ـشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها إِذْ تَطْلُعُ

ثُمَّ دَجَّالٌ وَعِيسى ثُمَّ يَأْ

جوجُ مَأْجُوجٍ وَسَدٌّ يُصْدَع

ثُمَّ نارٌ خَرَجَتْ مِنْ عَدَنٍ

تُلْجِئُ النَّاسَ وَلا تَرْتَفِعُ

ساقَتِ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ

فَيُدانوا بِالَّذِي قَدْ صَنَعُوا

هَذه الآياتُ إِنْ تَخْرُجْ فَلا

يَنْفَعُ الإِيْمانُ مِمَّنْ يُقْلِعُ

فَاعْجَلُوا بِالْخَيْرِ مِنْ قَبْلِ النَّوى

وَأَنِيبُوا قَبْلَ هَذا وَارْجِعُوا

(1) انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 147).

ص: 329

واعلم أنَّ بعض الآيات المذكورة في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] الآية هو طلوع الشمس من مغربها بعينه كما روى الإِمام أحمد، والترمذي، وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، والطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158]"طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها"(1).

وروى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} قال: طلوع الشمس والقمر من مغربهما مقترنين كالبعيرين القرينين، ثم قرأ:{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9](2).

وروى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، [والحاكم] وصححه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مضت الآيات غير أربعة: الدجال، والدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها.

قال: والآية التي يختم الله تعالى بها الأعمال: طلوع الشمس من

(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 31)، والترمذي (3071) وقال: هذا حديث حسن غريب ورواه بعضهم ولم يرفعه، وأبو يعلى في "المسند"(1353) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

والطبراني في "المعجم الصغير"(174) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(9019)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (3/ 389).

ص: 330

مغربها، ثم قرأ:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158]، فقال: هو طلوع الشمس من مغربها (1).

ولذلك اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى السابق: "إِنَّ اللهَ لَيَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيتُوْبَ مُسِيْءُ النَّهَارِ وَيبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيتُوْبَ مُسِيْءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"(2).

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبَهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ"(3).

وروى الترمذي وصححه، والدارمي، والدارقطني، والبيهقي -واللفظ له- عن زر بن حبيش عن صفوان بن عَسَّال رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ لَبَابًا مَسِيْرَةَ عَرْضِهِ أَرْبَعُوْنَ عَامًا، أَوْ سَبْعُوْنَ سَنَةً فتحَهُ اللهُ تَعَالى لِلتَّوْبَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَلَا يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ"(4).

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(37283)، والحاكم في "المستدرك"(8637).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه مسلم (2703).

(4)

رواه الترمذي (3535) وصححه، والدارقطني في "السنن"(1/ 196)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7076)، وكذا ابن ماجه (4070).

ص: 331

وفي رواية للترمذي -وقال: صحيح-: قال زر: فما برح يحدثني حتى حدّثني أن الله جعل بالمغرب بابًا عرضه مسيرة سبعين عامًا للتوبة لا يُغلق ما لم تطلع الشمس من قبله؛ وذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الآية (1).

وروى الإِمام أحمد، وأبو داود، والنسائي عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغرِبِهَا"(2).

وروى الإِمام أحمد، والبيهقي في "شعب، الإيمان" عن عبد الرحمن -يعني: ابن عوف - ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الهِجْرَةُ خَصْلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيئَاتِ، وَالثَّانِيَةَ أَنْ تُهَاجِرَ إِلَىْ اللهِ وَرَسُوْلهِ، وَلَا تنقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإذَا طَلَعَتْ طُبعَ عَلَىْ كُل قَلْبٍ بِمَا فِيْهِ وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ"(3).

وذكر القرطبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إذا

(1) رواه الترمذي (3536) وقال: حسن صحيح.

(2)

رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 99)، وأبو داود (2479)، والنسائي في "السنن الكبرى"(8711).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 192)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7215).

ص: 332

طلعت الشمس من مغربها لا يُقبل من كافر إيمانه ولا توبته ولا عمله إذا أسلم حتى يراها إلا من كان صغيرًا يومئذ؛ فإنه لو أسلم بعد ذلك قُبِل ذلك منه؛ قال: ومن كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قبل منه (1).

وهذا أخذه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من ظاهر الآية؛ إذ اقتصر فيها على الإيمان، وهو خلاف ما عليه الجمهور من أنَّه لا فرق في عدم قبول التوبة بعد طلوع الشمس من المغرب وبين الكافر والمسلم، والأحاديث المذكورة ناطقة نص فيها فيجب المصير إليها.

أمَّا الصغير إذا بلغ بعد طلوع الشمس من مغربها، فأسلم، قبل إسلامه قطعًا؛ فإنَّه مفطور على الإِسلام، وقد استصحب الفطرة، وأمَّا إذا كفر بعد البلوغ أو أذنب، فلا يُقبل منه الإِسلام ولا التوبة كغيره.

قال أهل العلم: وإنَّما لا ينفع نفسًا إيمانها ولا توبتها وقت طلوع الشمس من المغرب لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما يخمد منه كل شهوة، ويفتر منه كل قوة، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بقرب الساعة كحال من حضره الموت، وغرغر بالروح في انقطاع الدَّواعي إلى المعصية بكل أنواعها وبطلانها من أبدانهم، ومن مات في مثل هذه الحالة لم تقبل توبته.

ثم إنَّ من عاين الآية المذكورة قبل الإيمان والتوبة لمَّا كان علمه بالله ورسوله ووعيده قد صار ضرورياً لم يقبل إيمانه وتوبته وإن امتدت

(1) انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 148).

ص: 333

حياته بعد ذلك؛ إذ رُوي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مئة وعشرين سنة حتى يغرس النخل.

وهذا ذكره القرطبي، وإنما يُروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر (1).

قال القرطبي: وإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ولا يتحدثوا عنه إلا قليلاً، فيصير الخبر عنه خاصًّا، وينقطع التواتر عنه، فمن أسلم بعد ذلك، أو تاب قُبِل منه؛ والله أعلم (2).

قلت: لكنَّ الظاهر أن هذا لا يكون؛ إذ ورد أن باب التوبة يغلق لطلوعها من مغربها، ولم يرد أنه يفتح بعد ذلك.

قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَبِيْحَةَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا يَصِيْرُ فِيْ هَذِهِ الأُمَّةِ قِرَدَةٌ وَخَنَازيرُ، وَتُطْوَىْ الدَّوَاوِيْنُ، وَتَجُفُّ الأَقْلَامُ، لَا يُزَادُ فِيْ حَسَنَةٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ سَيئةٍ، وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيْمَانها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَت فِيْ إِيْمَانِهَا خَيْرًا".

وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن الناس بعد الآية -يعني:

(1) انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 148)، ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(37600).

(2)

انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 147).

ص: 334

طلوع الشمس من المغرب- يصلُّون، ويصومون، ويحجُّون، فيتقبل ممن كان يتقبل منه قبل الآية. رواهما أبو الشيخ (1).

وما ذكره القرطبي من انقطاع التواتر بعد الآية يبعده أن الدنيا - وإن بقيت بعد الآية المدة التي ذكرت عن ابن عمرو - فإنَّ الآيات تتتابع في هذه المدة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُوْمَاتٌ فِيْ سِلْكٍ، فَانْقَطَعَ السِّلْكُ فَيتبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا".

رواه الإِمام أحمد، وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (2).

فلا يقدم عن التواتر خبر بطلوع الشمس من مغربها، ولا ينقطع حتى تخرج الدابة، ثم يكون الخسوف واحدًا بعد واحد قبل الدجال أو بعده، ثم يخرج عيسى عليه السلام بعد الدجال، فيقتل الدجال، ويمكُث في الأرض أربعين سنة، ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام حتى ينحاز هو والمؤمنون إلى جبل الطور، ثمَّ يكون الدخان بعد ذلك أو قبله، ثم تخرج النار من قعر عدن، فالناس في كل آية من هذه الآيات مع ما يتبعها من الأهوال والحوادث العظيمة بين مشاهد لها ومتواتر إليه خبرها، ومنهم من شاهد بعضها وتواتر إليه خبر بعضها، وهذا يحدث في قلوب الناس علوماً ضرورية بوقوع الساعة وحلول القيامة، فلا يقبل من أحد منهم خير إلا من كان عليه

(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 394 - 395).

(2)

رواه الإِمام أحمد في "المسند"(2/ 219)، والرامهرمزي في "أمثال الحديث" (ص: 125).

ص: 335