الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتذم بالإحماق؛ قال الشاعر: [من الوافر]
فَلَوْ كُنْتُمْ كَمكيسةٍ أَكاسَتْ
…
وَكيسُ الأُمِّ يُعْرَفُ فِي البَنِينا
وَلَكِنْ أُمَّكُمْ حَمُقَتْ فَجِئْتُمْ
…
غِثاثاً مايُرى فِيْكُمْ سَمِيناً (1)
وأحمقت المرأة: جاءت بولد أحمق، فهي محمق، ومحمقة.
قالت امرأة من العرب: [من الرجز]
لَسْتُ أُبالِي أَنْ أَكُونَ مُحْمَقَة
…
إِذا رَأَيْتُ خِصْيَةً مُعَلَّقَة
قال في "الصحاح": تقول ما أبالي أن ألد أحمق بعد أن يكون الولد ذكراً له خصية معلقة، انتهى (2).
وهذا حال أكثر أهل الجهل - خصوصاً النساء المقلات الأولاد الذكور - تتمنى الولد الذكر على أي خلق كان.
وهذا عين الحمق، وإنما الكياسة طلب الولد قبل طلب صلاح ذاته (3)، كما تقدم.
-
 ومن أوصاف الظبي: الغرَّة
.
وهي الغفلة حتى قالوا في المثل: أغر من ظبي مقمر؛ يعني: إنه
(1) انظر: "إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص: 269).
(2)
انظر: "الصحاح" للجواهري (6/ 158)(مادة: حمق).
(3)
كذا في "أ" و"ت"، ولعل الصواب:"وإنما الكياسة طلب صلاح الولد قبل طلب الولد".
يغتر بالقمر، فيأنس به، ويظهر من كناسه، فيصاد (1).
وقد جاء وصف المؤمن بالغرة.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المْؤُمِنُ غِرٌّ كَرِيْمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيْمٌ"(2).
فإن قلت: كيف يجمع بين وصفه بالغرة ووصفه بالكياسة والفطنة والحذر؟
قلت: يجمع بينهما بأنه كيس فطن حذر، لكنه لا ينتهي إلى حد الدهاء والمكر، بل يحمله لينه وحسن ظنه على الاغترار بالخير؛ فإن المؤمن ينخدع بالخير؛ ألا ترى كيف انخدع آدم وحواء عليهما السلام بمقاسمة الشيطان لهما أنه لهما ناصح؟
وقد قال بعض السلف: مَنْ خادعنا بالله خَدَعَنا.
ونظير ذلك أن المؤمن هين لين.
وروى البيهقي في "الشعب" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْمُؤْمِنُ لَيّنٌ تَخَالُهُ مِنَ اللِّيْنِ أَحْمَقَ"(3).
(1) انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (2/ 85).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(8127). تفرد به يزيد بن عياض، وليس بالقوي، وروي من وجه آخر صحيح مرسلاً.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "الْحِدَّةُ تَعْتَرِيْ خِيَارَ أُمَّتِيْ". رواه أبو يعلى، والطبراني عن ابن عباس (1).
وروى الحسن بن سفيان في "مسنده"، والبغوي في "معجمه" عن الليث، وعن دريد بن نافع قال: قلت لأبي منصور الفارسي رضي الله عنه وكانت له صحبة -: يا أبا منصور! لولا حدة فيك! فقال: ما يسرني بحدتي كذا وكذا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الْحِدَّةَ تَعْتَرِيْ خِيَارَ أُمَّتِيْ"(2).
وروى الطبراني في "الأوسط" بسند ضعيف، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيَارُ أُمَّتِيْ أَحِدَّاؤُهُمْ، وَهُمْ الَّذِيْنَ إِذَا غَضِبُوْا رَجَعُوْا"(3).
وهذا التفسير يحتمل أن يكون من لفظ الحديث، ويحتمل أن يكون مُدْرجاً فيه من كلام علي رضي الله تعالى عنه، وفيه بيان ما قاله
(1) رواه أبو يعلى في "المسند"(2450)، والطبراني في "المعجم الكبير"(11471)، وكذا ابن عدي في "الكامل"(3/ 301) وأعله بالفضل بن عطية، وقال: ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(616)، وانظر:"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 388) وقال: وقال البخاري حديثه مرسل.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5793). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(8/ 26): فيه يغنم بن سالم بن قنبر، وهو كذاب.
السخاوي وغيره: أن محل ذلك ما لم يؤد إلى محذور (1).
وبهذا الذي بينَّاه تبين أن مراد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مدح كل من الخلفاء الأربعة بما فيه من غير ذم، وذلك فيما ذكره ابن عبد ربه في "العقد" فقال: سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن أبي بكر رضي الله عنه، فقال: كان والله خيراً كله مع الحدة التي كانت فيه.
قالوا: فأخبرنا عن عمر رضي الله تعالى عنه.
قال: كان والله كالطير الحذر الذي نصب له الفخ، فهو يخاف أن يقع فيه.
قالوا: فأخبرنا عن عثمان رضي الله تعالى عنه.
قال: كان والله صوَّاماً قوَّاماً، من رجل غلبته غفلته عن قدمته.
قالوا: فأخبرنا عن علي رضي الله تعالى عنه.
فقال: كان والله مُرْتدياً علماً وحلماً، من رجل عذره سابقته، وقدمه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل ما أشرف على شيء إلا فاته.
قالوا: يقولون إنه كان مجدوداً؛ أي: محظوظاً؟
قال: أنتم تقولونه (2).
وصف أبا بكر رضي الله عنه بالحدة بعد قوله: كان خيراً كله إشارة إلى أن حدته كانت من جملة خيرة؛ فإنها لم تخرجه إلى باطل قط، وهي
(1) انظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: 303).
(2)
انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 87).
الحدة التي وصف بها خيار الأمة، وهو خيرها بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ووصف عثمان رضي الله تعالى عنه بالغفلة، ثم أشار إلى أنها لا تضره بسبب قدمته في الخير.
والقُدمة - بضم القاف، وإسكان الدال - كما في "الصحاح"، وهي السابقة في الأمر (1).
ويقال لهما: قَدَم - بفتحتين - وقِدَم - بكسر، ففتحة -؛ فإنَّ عثمان رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإيمان، غير أنه اغتر بأهله ومواليه، فولَاّهم، وكان ذلك مما انتقد عليه، وما كان يريد إلا الخير.
وهذه الغِرَّة وصف بها المؤمن مع كرمه، وعثمان رضي الله تعالى عنه كرمه ونبله لا ينكره إلا مباهت ناكب عن الحق.
وقوله في وصف علي رضي الله تعالى عنه: قلَّ ما أشرف على شيء إلا فاته؛ المراد أنَّه ما أشرف على شيء من الخير شجاعة، وكرماً، وزهداً، وعلماً، وغير ذلك إلا بلغه، وفات الرتبة التي تبلغها الناس فيه.
وقوله: (أنتم تقولونه)، جواباً عن قول السائل: يقولون: كان مجدوداً؛ أراد به الرد على من كان يخفض من مقام علي رضي الله تعالى عنه، ويقول: إنما نال الخلافة وغيرها من الفضائل بالحظ
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2007)، (مادة: قدم).