الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْدُو الذِّئابُ عَلى مَنْ لا كِلابَ لَهُ
…
وَتتَّقِي صَوْلَةَ الْمُسْتَأْسِدِ الضَّارِي
*
لَطِيفَةٌ:
روى الطبراني عن أبي ذر، وسلمان، والديلمىُّ عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلِيٌّ يَعْسُوْبُ الْمُؤْمِنِيْنَ"(1).
وهذا الحديث مما تمسك به الشيعة في تقديم علي صلى الله عليه وسلم بالخلافة، ولا دليل فيه إن صح؛ إذ المراد منه أن يكون علي رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين حين لا يكون أولى منه بولاية أمرهم، وإلا لكان أميرهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم لا يقولون بذلك إلا من زاغ من غُلاتهم.
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه أولى من غيره، فقدم، ثم قدم أبو بكر عمر رضي الله عنه لأنه أولى من غيره، ثم قدم أهل الشورى عثمان رضي الله تعالى عنه وعنهم؛ لأنه أولى من علي رضي الله عنه، ثم لم يكن بعد عثمان أولى من علي رضي الله تعالى عنه، فصار يعسوب
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(6184) عن أبي ذر وسلمان رضي الله عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 102): فيه عمرو بن سعيد المصري، وهو ضعيف.
ورواه الديلمي في "مسند الفردوس"(8298) عن علي رضي الله عنه.
المؤمنين حينئذ.
ومما يؤيد ذلك ما رواه الخطابي في "الغريب" بإسناده عن أسيد ابن صفوان قال: لما مات أبو بكر رضي الله تعالى عنه قام علي رضي الله عنه على باب البيت الذي هو مسجى فيه، فقال: كنت والله للدين يعسوباً؛ أولاً حين نفر الناس عنه، وآخراً حين فيلوا، طرت بعبائها، وفزت بحبائها، وذهبت بفضائلها، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف.
قال الخطابي: اليعسوب: فحل النحل وسيدها؛ ضربه مثلاً لسبقه إلى الأحلام، ومبادرة الناس إلى قبوله، فصار الناس بعد تبعاً له كاليعسوب يتقدم النحل إذا طارت، فتتبعه طرائق مطردة.
قال: وقوله: حين فيلوا؛ أي: حين فال رأيهم فلم يستبينوا الحق في قتال مانعي الزكاة، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فلمَّا رأوا منه الجد تابعوه.
يقال: فال الرأي، وفيل: إذا لم يصب فيه، انتهى (1).
وقوله: فيلوا، وفال، وفيل؛ الكل بالفاء.
فانظر كيف وصف علي أبا بكر رضي الله تعالى عنهما بأنه كان يعسوباً أولاً بالسبق إلى الإيمان، وثانياً بالتثبث في الرأي حين رأى قتال مانعي الزكاة، فرأى بعض الصحابة خلاف رأيه، ثم رجعوا كلهم
(1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 8).