الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاعتبار في ذلك أن العبد لا ينبغي له أن يكون مقصراً في الدعاء عند الطاعات والاضطرار، فيكون أعجز من هذه النملة، وإذا كان الله تعالى يجيب النملة ونحوها لدعائها فكيف بالقلوب المتوجهات إلى الله تعالى الناشئ توجهها إليه عن معرفته ومطالعة آياته بالعقول الصافية.
وروى الترمذي وصححه، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان؛ أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الأَرْضِ حَتَّىْ النَّمْلَةَ فِيْ جُحْرِهَا وَحَتَّىْ الْحُوْتَ فِيْ الْبَحْرِ لَيُصَلُّوْنَ عَلَىْ مُعَلِّمِيْ النَّاسِ الْخَيْرَ"(1).
والاعتبار في ذلك أن العبد ينبغي له أن يعرف للعالم حقه ويصلي عليه؛ أي: يدعو له معظماً لشأنه؛ لأن الصلاة: الدعاء بالرحمة مقرونة بالتعظيم، ولا يكون أعجز من النمل والحوت.
-
ومن ذلك: الحوت، والسمك وهو ما لا يعيش إلا في الماء
.
وروى أبو نعيم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال: لما
= رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال: ارجعوا، فقد استجيب لكم، من أجل شأن هذه النملة".
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف"(34273) وغيره عن أبي الصديق الناجي موقوفاً عليه نحوه.
(1)
رواه الترمذي (2685) وقال: غريب.
أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض كان فيها نسر وحوت في البحر، ولم يكن في الأرض غيرهما، فلما رأى النسر آدم وكان يأوي إلى الحوت ويبيت عنده كل ليلة، قال: يا حوت! لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ويبطش بيديه.
فقال له الحوت: لئن كنت صادقاً ما لي منه في البحر منجى ولا لك في البر [منه مَهْرب](1).
وهذا بإلهام من الله تعالى لهما.
والاعتبار في ذلك أنَّ ابن آدم كذلك ألوف يألف إلى جنسه، فيجتمعان ويتشاكيان، ويتحاكيان، فينبغي أن لا تكون شكايته وحكايته إلا في خير وفيما ينفع.
وروى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُلَمَاءُ هَذهِ الأُمَّةِ رَجُلانِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيْتَانُ الْبَحْرِ وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِيْ جَوِّ السَّمَاءِ، وَيَقْدُمُ عَلَىْ اللهِ تَعَالَىْ سَيِّدًا شَرِيْفًا حَتَّىْ يُرَافِقَ الْمُرْسَلِيْنَ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا وَشَرَىْ فِيْهِ ثَمَنًا فَذَلِكَ يُلْجَمُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُنَادِيْ مُنَادٍ: هَذَا الَّذِيْ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا وَاشْتَرَىْ بِهِ ثَمَنًا
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 278).
وَكَذَلِكَ حَتَّىْ يَفْرُغَ مِنَ الْحِسَابِ" (1).
والاعتبار في ذلك أن الإنسان ينبغي له أن يحب العلماء العاملين المخلصين، ويدعو لهم، ويتجنب علماء السوء، ويعْرِض عنهم؛ فإن قربهم فتنة.
روى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن أبي عمران الجوني عن هَرِم بن حيان رحمه الله تعالى أنه قال: إياكم والعالمَ الفاسق.
فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟
فكتب إليه هرم: والله يا أمير المؤمنين ما أردت به إلا الخير؛ يكون إمام يتكلم بالعلم ويعمل بالفسق، فيشبِّه على الناس، فيضِلُّون (2).
وعن الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فاحتبسني عنده حولاً، ثم قال: يا أحنف! إني قد بلوتك وخبرتك، فوجدت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا لنتحدث أن مما يهلك
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7187). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 124): فيه عبد الله بن خراش؛ ضعفه البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وابن عدي، ووثقه ابن حبان.
(2)
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 232).
هذه الأمة كل منافق عليم.
ثم كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن أَدْنِ الأحنف منك، واسمع منه، وشاوره (1).
وفي رواية عن الأحنف: وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: كنت عنده جالساً فقال: إن هلكة هذه الأمة على يدي كل منافق عليم، وقد رمقتك فلم أر منك إلا خيراً، فارجع إلى قومك؛ فإنهم لا يستغنون عن رأيك (2).
وروى الإمام أحمد في "المسند" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَىْ أُمَّتِيْ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيْمِ اللِّسَانِ"(3).
وأقول: [من الوافر]
عَلَيْكَ بِصُحْبَةِ العُلَماءِ إِذْ هُمُ
…
هُداةُ النَّاسِ فِي ظُلَمِ الزَّمانِ
عَنَيْتُ العامِلِينَ وَلَسْتُ أَعْنِي
…
مِنَ العُلَماءِ عَلَاّمَ اللِّسانِ
يُنافِقُ مَنْ يَراهُ لأَجْلِ دُنْيا
…
ويمْعِنُ فِي التَّفَصُّحِ وَالبَيانِ
(1) ورواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7/ 94)، والفريابي في "صفة المنافق" (ص: 53).
(2)
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 235).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 22)، وكذا البزار في "المسند"(305).