الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع قراءة شيء من القرآن]
[المطلب الأول حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة]
المبحث الرابع
قراءة شيء من القرآن وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة.
المطلب الثاني: أقل مقدار القراءة.
المطلب الثالث: قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، والسجود له.
المطلب الأول
حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة اتفق أصحاب المذاهب على مشروعيتها كما هو ظاهر من أقوالهم الآتية، قال النووي:" مشروعة بلا خلاف "(1) ولكنهم اختلفوا في اشتراطها على قولين:
القول الأول: أنها سنة.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 160.
وبهذا قال الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية في وجه عندهم (3) والإمام أحمد في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (4) كما اختاره ابن سعدي كما تقدم (5) .
القول الثاني: أنها ركن، فلا تصح الخطبة إلا بها.
وبهذا قال الإمام الشافعي، وهو الوجه المشهور عند أصحابه (6) والإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وهو الصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليها أكثرهم (7) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
(1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263، ومجمع الأنهر 1 / 168، والفتاوى الهندية 1 / 147.
(2)
ينظر: الشرح الصغير 1 / 181، وحاشية الدسوقي 1 / 382، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2 / 172.
(3)
ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286.
(4)
ينظر: المغني 3 / 176، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 388، والمبدع 2 / 158.
(5)
ص (109) .
(6)
ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 57 - 58، وحلية العلماء 2 / 277 - 278، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286.
(7)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 176، والمغني 3 / 174، والفروع 2 / 110، والمحرر 1 / 147، والإنصاف 2 / 387.
استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة:
أولا: من الكتاب: 1 - قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الآية (1) .
وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أمر بالذكر مطلقا عن قيد القراءة، فلا تُجعل شرطا بخبر الواحد، لما يترتب عليه من نسخ الكتاب بخبر الواحد، وهو غير صالح لذلك، ولكن يصلح مكملا له (2) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا لا يُعدُّ نسخا، لأن النسخ رفع للحكم الذي تضمنه النص، وإبطال للعمل به، وليس هذا حاصلا هنا.
2 -
قول الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204](3) .
وجه الدلالة: أن هذه نزلت في الخطبة، وسمَّاها الله - تعالى
(1) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) .
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263.
(3)
سورة الأعراف، الآية رقم (204) .
- قرآنا لما فيها من قراءة القرآن، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُبلِّغ أصحابه ما أنزل الله عليه في خطبته (1) .
ولكن فيما نزلت فيه الآية خلاف، هذا أحد الأقوال فيها.
ثانيا: من السنة: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في خطبته {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281](2)(3) .
وهذا واضح الدلالة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يثبت لعدم الاطلاع على سند له، ولكن يغني عنه ما استدل به أصحاب القول الثاني كما سيأتي.
أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول.
أولا: من السنة: ما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك:
(1) ينظر: المبسوط 2 / 26.
(2)
سورة البقرة، جزء من الآية رقم (281) .
(3)
ذكره مستدلا به الشرنبلالي في مراقي الفلاح ص (103) ، ولم يعزه لأحد، ولما عثر عليه فيما بين يدي من كتب الحديث.
1 -
ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويُذكِّر الناس» (1) .
قال النووي: " فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن "(2) .
2 -
ما روته أم هشام (3) بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: «ما أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (4) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم» -) ، وعن عمرة (5) .
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيها من الجلسة 2 / 589، الحديث رقم (862) .
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 150.
(3)
هي أم هشام بنت حارثة بن النعمان بن يفع بن زيد الأنصارية، أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وروت عنه، وروت عنها أختها لأمها عمرة بنت عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة وغيرهما، وتزوجها عمارة بن الحبحاب.
(ينظر: أسد الغابة 5 / 625، والإصابة 4 / 504) .
(4)
سورة (ق) ، الآية رقم (1) .
(5)
هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بن عدس الأنصارية، كانت في حجر عائشة، وثّقها ابن معين، والعجلي، وابن حبان، وقال عمر بن عبد العزيز: ما بقي أحد أعلم بحديث عائشة من عمرة: توفيت سنة 98 هـ.
(ينظر: طبقات ابن سعد 8 / 480، وتهذيب التهذيب 12 / 438) .
بنت عبد الرحمن عن أختٍ لعمرة (1) قالت: «أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (2) من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة» (3) .
وهذا واضح الدلالة، قال النووي:" وفيه دليل للقراءة في الخطبة "(4) .
3 -
ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ (5) الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني
(1) الظاهر أنها أم هشام السابقة، لأنها أخت عمرة لأمها، وقد روت عنها كما تقدم في ترجمتها.
(2)
سورة (ق) ، الآية رقم (1) .
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 595، الحديث رقم (872)، قال النووي في شرحه 6 / 161:" هذا صحيح يحتج به، ولا يضر عدم تسميتها؛ لأنها صحابية، والصحابة كلهم عدول ".
(4)
شرح صحيح مسلم 6 / 161.
(5)
التشزن: هو التأهب والتهيؤ للشيء، والاستعداد له.
(ينظر: النهاية، مادة " شزن " 2 / 471) .
رأيتكم تشزنتم للسجود، فنزل فسجد فسجدوا» (1) .
وهذا - أيضا - واضح الدلالة.
4 -
ما رواه صفوان (2) بن يعلى عن أبيه «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] » (3)(4) .
وهذا - أيضا - واضح الدلالة، قال النووي:" فيه القراءة في الخطبة "(5) .
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله - باب السجود في (ص) 2 / 59 - 60، الحديث رقم (1410) وسكت عنه، والدارقطني في كتاب الصلاة - باب سجود القرآن 1 / 408، الحديث رقم (7)، والبيهقي في كتاب الصلاة - باب سجدة (ص) 2 / 318 وقال: هذا حسن الإسناد صحيح "، والحاكم في كتاب الجمعة 1 / 284 - 285، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
وقال النووي في المجموع 4 / 518: " صحيح، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة ".
(2)
هو صفوان بن يعلى التميمي، المكي، حليف لقريش، روى عن أبيه، وروى عنه عطاء بن أبي رباح وغيره، ووثقه ابن حجر وغيره.
(ينظر: الجرح والتعديل 4 / 423، التقريب (1 / 369) .
(3)
سورة الزخرف، جزء من الآية رقم (77) .
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 594 - 595، الحديث رقم (871) .
(5)
شرح صحيح مسلم 6 / 160.
مناقشة هذه الأدلة: تناقش بأنها مجرد أفعال، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب، وأن لفظ (كان. . .) لا يدل على المداومة، وإن دلَّ عليها فإنها لا تدل على الوجوب كما تقدم بيانه (1) .
ثانيا: من آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما رواه ربيعة (2) بن عبد الله بن الهدير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال:" يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه "، ولم يسجد عمر رضي الله عنه (3) .
(1) ص (114- 115) .
(2)
هو ربيعة بن عبد الله بن الهدير، ويقال: ابن ربيعة بن الهدير بن عبد العزى التميمي، المدني، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما، قال عنه الدارقطني: تابعي كبير قليل السند، توفي سنة 93 هـ.
(ينظر: الاستيعاب 1 / 514، والإصابة 1 / 523، وتهذيب التهذيب 3 / 257) .
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه في أبواب سجود القرآن وسننها - باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود 2 / 33 - 34.
وهذا واضح الدلالة.
مناقشة هذا الدليل: يناقش بما سبق من مناقشة الأحاديث من أنه مجرد فعل، فلا يدل على الوجوب.
ثالثا: من المعقول: أن الخطبة فرض في الجمعة، فتجب فيها قراءة القرآن، كالصلاة (1) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فلا يشترط في الخطبة ما يشترط في الصلاة من استقبال القبلة وغيرها، إلا أنه تجوز فيها مخاطبة الإمام للمأمومين، ومخاطبتهم له عند الحاجة كما سيأتي - إن شاء الله - في موضعه.
الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية قراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة؛ لعدم ورود ما يدل على الركنية، وإنما الوارد هو مجرد الفعل، والفعل المجرد كما ذكرت يدل على الاستحباب.
(1) ينظر: الكافي لابن قدامة 1 / 221، والمبدع 1 / 158، وكشاف القناع 2 / 32.