الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثالث صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر]
المبحث الثالث
صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر اختلف الفقهاء في الخطيب في الجمعة إذا دخل يريد الخطبة هل يصلي تحية المسجد قبل صعود المنبر كغيره، أو تسقط عنه؛ وذلك على قولين:
القول الأول: أن السنة في حقه أن يصعد المنبر حال دخوله، ولا تشرع له تحية المسجد.
وبهذا قال المالكية (1) وهو المذهب عند الشافعية (2) وبه قال الحنابلة (3) .
القول الثاني: تسن له تحية المسجد عند دخوله وقبل صعود المنبر كغيره.
وبهذا قال بعض الشافعية (4) لكنه ضعيف، بل قال عنه النووي: " غريب، وشاذ، ومردود، فإنه خلاف ظاهر المنقول
(1) ينظر: المنتقى شرح الموطأ 1 / 189، والفواكه الدواني 1 / 313.
(2)
ينظر: الحاوي 3 / 52، والمجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، ومغني المحتاج 1 / 189.
(3)
ينظر: الفروع 2 / 123، والإنصاف 2 / 416، وكشاف القناع 2 / 46.
(4)
ينظر: المجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33.
عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ومن بعدهم " (1) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:
أولا: من السنة: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم» (2) .
وفي حديث آخر لابن عمر رضي الله عنهما أيضا قال:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم الجمعة فقعد على المنبر أذن بلال» (3) .
(1) روضة الطالبين 2 / 33.
(2)
تقدم تخريجه ص (206) .
(3)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإمام يجلس على المنبر حتى يفرغ المؤذن عن الأذان ثم يقوم فيخطب 3 / 205.
هكذا استدل أصحاب هذا القول بفعل النبي صلى الله عليه وسلم بصعوده المنبر عند دخوله مباشرة، ولم ينقل عنه صلاة تحية المسجد قبله (1) والحديث الأول تقدم بيان ضعفه عند تخريجه، والثاني لم أطلع على كلام لأهل العلم عليه، وكأنهم أخذوا ذلك من استقراء حاله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يفهم من كلام ابن القيم رحمه الله حيث قال:" وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا اجتمعوا خرج إليه وحده. . . فإذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم "(2) .
ثانيا: من آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما رواه ثعلبة (3) بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج
(1) ومن هؤلاء النفراوي في الفواكه الدواني 1 / 313، والنووي في المجحموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، والفروع 2 / 123، والإنصاف 2 / 416.
(2)
زاد المعاد 1 / 429.
(3)
هو ثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني، حليف الأنصار، له رؤية، قال أبو حاتم هو من التابعين، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.
(ينظر: طبقات ابن سعد 5 / 79، وتهذيب التهذيب 2 / 25) .
عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون (قال ثعلبة) : " جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد "(1) .
قال في المنتقى شرح الموطأ: " فإذا خرج عمر وجلس على المنبر " يقتضي استقراره للعمل وتتبعه الأخبار عند اتصال خروجه على الناس بارتقاء المنبر، ولا يفصل بينهما بركوع ولا غيره، وهذه السنة أن يدخل الإمام إلى المسجد فيرقى المنبر بإثر دخوله ولا يركع " (2) .
ثالثا: من المعقول: القياس على الحاج إذا دخل المسجد الحرام يريد الطواف، فتسقط تحية المسجد عن الخطيب بسبب الاشتغال بالخطبة كما تسقط في حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام بسبب الطواف (3) .
(1) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجمعة - باب ما جاء في الإنصاب يوم الجمعة والإمام يخطب 1 / 103، الحديث رقم (7) ، واللفظ له، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب 2 / 124، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب جلوس الناس حين يخرج الإمام 3 / 208، الأثر رقم (5352)، وقال في المبدع 2 / 176:" بسند جيد ".
(2)
المنتقى شرح الموطأ 1 / 189.
(3)
ينظر: المجموع 4 / 529.
دليل أصحاب القول الثالث: لم أطلع على دليل لهم فيما بين يدي من كتبهم، والظاهر لهم يستدلون بعموم ما ورد من المسألة لتحية المسجد، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (1) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الخطيب لا يدخل في هذا " العموم بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول.
الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بعدم مشروعية تحية المسجد للخطيب يوم الجمعة إذا دخل للخطبة؛ لقوة ما استدلوا به.
(1) أخرجه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه البخاري في صحيحه في كتاب الكسوف - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى 2 / 50.