الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل: أن التحذير من هذه الأشياء يجوز في نفس الصلاة مع فسادها به، ففي الخطبة أولى (1) .
كما يمكن الاستدلال لذلك بالقاعدة المشهورة " الضرورات تبيح المحظورات "(2) .
[المطلب الثاني وقت المنع من الكلام في الخطبة]
[المسألة الأولى حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في]
الخطبة وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة
المطلب الثاني
وقت المنع من الكلام في الخطبة تقدم في المطلب الأول بيان حكم الكلام أثناء كلام الإمام حال خطبة الجمعة، وأنه محرم على القول الراجح إلا في حالات معينة تم بيانها في موضعها، وهذا هو المحل الذي يقصده غالب الفقهاء بالتحريم عند كلامهم على الكلام حال الخطبة.
وهناك أحوال يلحقها بعضهم بذلك وحالات يخرجونها منه تتمثل في المسائل التالية:
(1) ينظر: المغني 3 / 198؛ والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 47.
(2)
تنظر في: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (85) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص (84) .
المسألة الأولى: حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة.
المسألة الثانية: حكم الكلام بين الخطبتين.
المسألة الثالثة: حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس.
المسألة الرابعة: حكم الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء.
المسألة الأولى
حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة: اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجوز الكلام في الحالتين.
وبهذا قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة (1) والمالكية (2) والشافعية (3) وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (4) .
(1) ينظر: المبسوط 2 / 29، والهداية للمرغيناني 1 / 85، وبدائع الصنائع 1 / 264.
(2)
ينظر: الإشراف 1 / 133، ومواهب الجليل 2 / 178، والفواكه الدواني 1 / 309.
(3)
ينظر: الحاوي 3 / 43، والمجموع 4 / 523، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287.
(4)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 53، والمغني 3 / 199، والمستوعب 3 / 43، والفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124، والإنصاف 2 / 419.
القول الثاني: لا يجوز الكلام في الحالتين.
وبهذا قال الإمام أبو حنيفة (1) .
القول الثالث: يكره الكلام في الحالتين.
وبهذا قال بعض الحنابلة (2) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على جواز الكلام بعد صعود المنبر وقبل الشروع في الخطبة بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:
فمن السنة: 1 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المُهَجِّر (3) كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون
(1) ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264، وتبيين الحقائق 1 / 323؛ وعبر بعضهم بالكراهة والظاهر أنه يقصد كراهة التحريم، بدليل ما يذكرونه من أدلة.
(2)
ينظر: الفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124، والإنصاف 2 / 419.
(3)
التهجير: التبكير إلى كل شيء، والمبادرة إليه، والمُهَجِّر إلى الصلاة المبكر إليها. (ينظر: النهاية في غريب الحديث، مادة " هجر " 5 / 246) .
الذكر» (1) .
قال في فتح الباري: " وفيه إشارة إلى أن منع الكلام من ابتداء الإمام في الخطبة؛ لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم "(2) .
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور والذي تقدم مرارا: «إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت» (3) .
وجه الدلالة: أن قوله: «والإمام يخطب» جملة حالية تُخرِج ما قبل الخطبة من حين خروج الخطيب وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة (4) وكذلك ما بعدها إلى إقامة الصلاة.
ومن آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما رواه ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلون الجمعة حتى يخرج عمر،
(1) تقدم تخريجه ص (67) بغير هذا اللفظ، وقد أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الاستماع إلى الخطبة يوم الجمعة 1 / 223.
(2)
ينظر: فتح الباري 2 / 407.
(3)
تقدم تخريجه ص (93) .
(4)
ينظر: فتح الباري 2 / 414، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133، وشرح النووي على صحيح مسلم 6 / 139، ونيل الأوطار 3 / 273، والمغني 3 / 200.
فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون، قال ثعلبة:" جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد، قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام " (1) .
قال في المغني: " وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم "(2) بل عده في الحاوي إجماعا فعليا من الصحابة رضي الله عنهم على أن تحريم الكلام يبدأ ببدء الخطبة (3) .
ومن المعقول: 1 - أن النهي عن الكلام إنما هو لأجل الإنصات واستماع الخطبة، فيقتصر على حالة الخطبة (4) .
2 -
أن ما قبل الشروع في الخطبة ليس فيه خطبة، فيباح الكلام فيه، أشبه ما قبل صعود المنبر (5) .
(1) تقدم تخريجه ص (295) .
(2)
المغني 3 / 200.
(3)
الحاوي 3 / 43.
(4)
ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 264، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133، والمغني 3 / 200.
(5)
ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133.
ثانيا: واستدلوا على جواز الكلام بعد الفراغ من الخطبة وقبل الشروع في الصلاة بالسنة، والمعقول:
فمن السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم قبل قليل: (إذا قلتَ لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت)(1) .
ووجه الدلالة: أن قوله: (والإمام يخطب) دليل على أن التحريم مقتصر على حال الخطبة، فبعد الفراغ منها لا يشمله التحريم كما تقدم.
ومن المعقول: الدليل الأول من الدليلين السابقين وهو أن النهي لأجل الإنصات والاستماع، فما بعد الفراغ لا حاجة فيه إلى ذلك؛ لعدم الخطبة.
أدلة صاحب القول الثاني: استدل بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:
أولا: من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي استدل به
(1) تقدم تخريجه ص (93) .
أصحاب القول الأول، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر» (1) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن طي الصحف عند خروج الإمام، وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام، لأنهم إذا تكلموا يكتبون عليهم؛ لقوله - تعالى -:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18](2) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه يحمل قوله: «فإذا خرج الإمام» على البدء بالخطبة بعد خروجه، وليس فور خروجه؛ لأن الوقت الواقع بين الخروج والشروع في الخطبة قليل وهو وقت الأذان فقط، فيكون الخطيب قد شرع في الخطبة عند خروجه، كما أن الحديث في بيان الوقت الذي يؤجر الإنسان على المجيء فيه لصلاة الجمعة، وليس في تحديد الوقت الذي يبدأ فيه الإنصات.
(1) تقدم تخريجه ص (347) .
(2)
سورة (ق) ، الآية رقم (18) .
ثانيا: من آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يكرهان الصلاة والكلام يوم الجمعة بعد خروج الإمام (1) .
وهذا واضح الدلالة.
مناقشة ذلك: يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه أثر عن صحابيين، وهو مختلف في الاحتجاج به.
الوجه الثاني: أنه قد خالفهما غيرهما من الصحابة، بل أكثرهم (2) كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول.
ثالثا: من المعقول: أن الخطيب إذا خرج للخطبة كان مستعدا لها، والمستعد للشيء كالشارع فيه، ولهذا ألحق الاستعداد بالشروع في أمر الصلاة، فكذلك في الخطبة (3) .
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب 2 / 124.
(2)
ينظر: المغني 3 / 200.
(3)
ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 264.
مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق، وذلك أن الصلاة تمتد، وربما لا يمكنه قطعها حتى يأخذ الإمام في الخطبة ويفوت سماع أولها، بخلاف الكلام فيمكن قطعه متى شاء (1) .
وأما أصحاب القول الثالث فلم أطلع على دليل لهم، وقد يستدل لهم بما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وقد سبقت مناقشته.
الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بجواز الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل شروعه في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الصلاة؛ لقوة ما استدلوا به ولا سيما حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثاني فهو واضح الدلالة.
(1) ينظر: الحاوي 3 / 43، ومغني المحتاج 1 / 288.