الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأمر الثاني حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها]
الأمر الثاني: حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها: (1) اختلف الفقهاء في حكم الكلام للحاضر لخطبة الجمعة إذا لم يسمعها لبعد أو غيره، وذلك على قولين:
القول الأول: يحرم عليه الكلام.
وبهذا قال بعض الحنفية (2) وبه قال المالكية (3) وهو قول للشافعية (4) والمذهب عند الحنابلة وعليه أكثرهم (5) وبه قال ابن حزم (6) .
القول الثاني: يجوز له الكلام.
(1) هذه المسألة كان لها وجود كثير في السابق قبل وجود مكبرات الصوت، وأما الآن بعد وجود المكبرات - ولله الحمد - فقد قلت، وإن كانت قد توجد عند انقطاع الكهرباء ونحو ذلك.
(2)
ينظر: المبسوط 2 / 28، وبدائع الصنائع 1 / 264، والفتاوى الهندية 1 / 147.
(3)
ينظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 251، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 178، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 188.
(4)
ينظر: الحاوي 3 / 44، والمجموع 4 / 423 - 424، وروضة الطالبين 2 / 91.
(5)
ينظر: المغني 3 / 196، والفروع 2 / 124 - 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 175.
(6)
ينظر: المحلى 5 / 61.
وبهذا قال بعض الحنفية (1) وهو القول الصحيح عند الشافعية (2) ورواية عن الإمام أحمد (3) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول:
أولا: من السنة: عموم ما تقدم في الأمر السابق من الأدلة الدالة على تحريم الكلام في خطبة الجمعة، ومن أبرزها حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (4) وحديث عبد الله بن عمرو، فقالوا: إنها عامة تشمل من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها (5) .
ثانيا: من آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان
(1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264.
(2)
ينظر: المجموع 4 / 423 - 424، وروضة الطالبين 2 / 29.
(3)
ينظر: الفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 175.
(4)
تقدم تخريجه ص (93) .
(5)
ينظر: المنتقى شرح الموطأ 1 / 188، والمغني 3 / 196.
يقول في خطبته، قلَّما يدع ذلك إذا خطب:" إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا، فإن للمنصت الذي لا يسمع في الحظ مثل ما للسامع مع المنصت، فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف. . . "(1) الأثر.
وهذا واضح الدلالة.
ثالثا: من المعقول: أن المأمور به في الخطبة شيئان الاستماع والإنصات، فمن قرب من الإمام فقد قدر عليهما، ومن بعد عنه فقد قدر على أحدهما وهو الإنصات، فيجب عليه أن يأتي بما قدر عليه (2) .
أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بما استدلوا به في الأمر السابق على جواز الكلام في الخطبة للسامع، فقالوا: إذا كان يجوز مع السماع فمع عدمه من باب أولى.
وقد تقدمت مناقشته هناك.
(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإنصات للخطبة وإن لم يسمعها 3 / 220.
(2)
ينظر: المبسوط 2 / 82، وبدائع الصنائع 1 / 264.
ومن الأدلة أيضا: أن الإنصات ليس مقصودا لذاته، بل ليتوصل به إلى الاستماع، فإذا سقط عنه فرض الاستماع سقط عنه الإنصات أيضا (1) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الإنصات ليس للاستماع فقط، بل له ولعدم التشويش على غيره من الحاضرين ليستمعوا، فإذا سقط الاستماع لتعذره للبعد بقي التشويش على الحاضرين ممن يمكنهم الاستماع لقربهم من الخطيب.
الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم الكلام في خطبة الجمعة لغير السامع لها، لقوة ما استدلوا به وخاصة عموم الأدلة، ولأنه يؤدي إلى التشويش، وقد يجر إلى كلام مكروه أو محرم في المسجد، كما قد يحصل معه إهانة له، ويُجَرِّئ السفهاء على ابتذاله.
(1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264.