الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأمر الثالث حكم رد السلام وتشميت العاطس]
الأمر الثالث: حكم رد السلام، وتشميت العاطس: اختلف الفقهاء في حكم رد السلام وتشميت العاطس في خطبة الجمعة إذا حصل موجبه، وذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: يحرم.
وبهذا قال أكثر الحنفية (1) وبه قال المالكية (2) وهو الوجه الصحيح عند الشافعية (3) ورواية عن الإمام أحمد (4) .
القول الثاني: يجوز.
وبهذا قال أبو يوسف في رواية عنه (5) وهو وجه عند الشافعية (6) والرواية الصحيحة عن الإمام أحمد، والصحيح عند
(1) ينظر: المبسوط 2 / 28، وبدائع الصنائع 1 / 264، والفتاوى الهندية 1 / 147، وعبر بعضهم بالكراهة والظاهر أنه يعني كراهة التحريم.
(2)
ينظر: بداية المجتهد 1 / 161، والقوانين الفقهية ص (86) .
(3)
ينظر: المجموع 4 / 523 - 524، وروضة الطالبين 2 / 28 - 29، ومغني المحتاج 1 / 287 - 288.
(4)
ينظر: الفروع 2 / 126، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176.
(5)
ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264.
(6)
ينظر: الحاوي 3 / 61، والمجموع 4 / 523 - 524، وروضة الطالبين 2 / 28 - 29.
أصحابه (1) وبه قال ابن حزم (2) .
القول الثالث: يحرم على من يسمع الخطبة، ويجوز لمن لا يسمعها.
وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول لبعض أصحابه (3) .
القول الرابع: لا يجوز رد السلام، ويجوز تشميت العاطس.
وهذا قول للشافعية (4) قال عنه في حلية العلماء: " وليس بشيء "(5) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول:
(1) ينظر: المغني 3 / 198 - 199، والفروع 2 / 125، والمستوعب 3 / 42، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48.
(2)
ينظر: المحلى 5 / 62.
(3)
ينظر: المغني 3 / 199، والفروع 2 / 126، والإنصاف 2 / 418.
(4)
ينظر: الحاوي 3 / 61، وحلية العلماء 2 / 285، والمجموع 4 / 524، وروضة الطالبين 2 / 29.
(5)
حلية العلماء 2 / 285.
أولا: من السنة: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور الذي تقدم مرارا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (1) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الأمر بالمعروف حال الخطبة لغوا، مع أنه أمر مطلوب شرعا، وفيه فائدة متعدية للآخرين وهي منع التشويش عليهم، فكذلك رد السلام وتشميت العاطس، بل هو أولى.
2 -
ما رواه أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة (تبارك) وهو قائم، فذكرنا بأيام الله، وأبو الدرداء، أو أبو ذر يغمزني، فقال: متى أُنزلت هذه السورة؟ فإني لم أسمعها إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قال: سألتُك متى أُنزلت هذه السورة فلم تخبرني، فقال: إنه ليس لك من صلاتك إلا ما لغوتَ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، وأخبره بالذي قال له أُبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) تقدم تخريجه ص (93) .
صدق أُبي» (1) .
وجه الدلالة: أن ما طلبه أبو الدرداء أو أبو ذر من أبي بن كعب رضي الله عنهما من تاريخ المنزل، فقد كان فرضا عليهم، ليعرفوا الناسخ من المنسوخ، وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللغو في حالة الخطبة، فكذلك رد السلام وتشميت العاطس (2) .
ثانيا: من المعقول: 1 - أن تشميت العاطس يترتب عليه ترك الاستماع المفروض والإنصات، والتشميت ليس بفرض، فلا يجوز ترك الفرض لأجله، وكذا رد السلام في هذه الحالة ليس بفرض، لأنه يرتكب بسلامه مأثما، فلا يجب الرد عليه كما في حالة الصلاة (3) .
2 -
أن السلام في حال الخطبة لم يقع تحية، فلا يستحق الرد (4) .
(1) تقدم تخريجه ص (315) .
(2)
ينظر: المبسوط 2 / 29.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264.
(4)
المرجع السابق.
3 -
أن رد السلام مما يمكن تحصيله في كل حالة، أما سماع الخطبة فلا يتصور إلا في هذه الحالة، فكانت إقامته أحق، ونظيره ما قاله بعض الفقهاء من أن الطواف تطوعا بمكة في حق الآفاقي أفضل من صلاة التطوع، والصلاة في حق المكي أفضل من الطواف (1) .
واستدلوا على تحريمهما على من لم يسمع بما يلي:
أن وجوب الإنصات شامل لهم، فيكون المنع من رد السلام وتشميت العاطس ثابتا في حقهم، كالسامعين (2) .
أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول:
أولا: من السنة: 1 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» (3) .
(1) المرجع السابق.
(2)
ينظر: المغني 3 / 199.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه في الجنائز - باب الأمر باتباع الجنائز 2 / 70، ومسلم في كتاب السلام - باب من حق المسلم للمسلم رد السلام 4 / 1704 لحديث رقم (2162) .
2 -
ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، وتشميت العاطس، ونصر المظلوم» . . .) الحديث (1) .
وجه الدلالة من هذين الحديثين ونحوهما مما جاء في معناهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد السلام وتشميت العاطس، وهذا الأمر عام، فيشمل بعمومه الرد والتشميت حال خطبة الجمعة.
مناقشة هذا الاستدلال: يناقش بأن هذا محمول على حال غير الخطبة جمعا بين ذلك وبين ما ورد في تحريم الكلام حال الخطبة والأمر بالإنصات.
3 -
ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع» (2) .
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في الكتاب والباب السابقين.
(2)
تقدم تخريجه ص (304) .
قال في فتح الباري: " واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة، لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر، ولا سيما رد السلام فإنه واجب "(1) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هناك فرقا بين الصلاة والرد والتشميت، فالصلاة يفوت بها الاستماع على المصلى وحده، أما الرد والتشميت فيفوت بهما الاستماع على الراد والمشمت ومن حولهما من الحاضرين، فضررهما أبلغ.
ثانيا: من المعقول: 1 - أن رد السلام فرض والاستماع سنة، فلا يترك الفرض لفعل سنة (2) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أن رد السلام إنما يكون فريضة إذا كان تحية، وفي حال الخطبة المسلم ممنوع من السلام، فلا يكون جوابه فرضا (3) .
(1) ينظر: فتح الباري 2 / 412.
(2)
ينظر المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264.
(3)
ينظر المبسوط 2 / 29.
الوجه الثاني: عدم التسليم بأن الاستماع للخطبة سنة، بل هو واجب كما تقدم.
2 -
أن رد السلام وتشميت العاطس واجب، فوجب الإتيان به في الخطبة، كتحذير الضرير (1) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه وإن كان الرد والتشميت واجبا فإنه لا يصل إلى مماثلة تحذير الضرير من الهلكة؛ لأن الضرر المترتب على ترك التحذير أعظم من الضرر المترتب على ترك واجب الرد والتشميت، فلا يصح القياس.
أدلة أصحاب القول الثالث: أولا: استدلوا على التحريم على من يسمع بما استدل به أصحاب القول الأول.
ثانيا: واستدلوا على جواز الرد والتشميت لمن لا يسمع بما يلي:
أن الإنصات واجب، فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة للأمر بالإنصات، بخلاف من لم يسمع فإنه لم يؤمر بالإنصات، فله الرد والتشميت (2) .
(1) ينظر: المغني 3 / 199، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48.
(2)
ينظر: المغني 3 / 199.