الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح: بعد التأمل في أدلة القولين في المسألة تبين أنه ليس هناك أدلة واضحة على اشتراط الطهارة الكبرى لخطبة الجمعة، فيكون الظاهر عدم اشتراطها، بل تستحب؛ لأن الأصل عدم الاشتراط، وهذا إذا كان الخطيب خارج المسجد - وإن كان فيه بعد -، فإن كان داخله فإنه يحرم عليه اللبث فيه للخطبة، فإن فعل صحت الخطبة مع الإثم، لأن الخلل حصل بأمر خارج عن الخطبة (1) والله أعلم بالصواب.
[المسألة الثانية الطهارة من الحدث الأصغر]
المسألة الثانية: الطهارة من الحدث الأصغر اختلف الفقهاء في اشتراط طهارة الخطيب حال الخطبة من الحدث الأصغر، وذلك على قولين:
القول الأول: لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة، بل تستحب.
(1) ينظر: كشاف القناع 2 / 34.
وبهذا قال الإمام أبو حنيفة وأكثر أصحابه (1) والمالكية (2) وهو القول القديم للإمام الشافعي (3) ورواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب عند أصحابه، وعليها أكثرهم (4) .
القول الثاني: تشترط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة.
وبهذا قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (5) والإمام الشافعي في الجديد، وهو الصحيح عند أصحابه (6) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (7) .
(1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 1 / 220، وفتاوى قاضيخان 1 / 180، والفتاوى الهندية 1 / 146.
(2)
ينظر: الإشراف 1 / 133 - 134، والتفريع 1 / 231، والكافي لابن عبد البر 1 / 251.
(3)
ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 515، 522 - 523، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 288.
(4)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 177، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 114، والمحرر 1 / 150، والإنصاف 2 / 391.
(5)
ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263.
(6)
ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27.
(7)
ينظر: المغني 3 / 177، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 114، والإنصاف 2 / 392.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على عدم الاشتراط بما يلي:
1 -
أن الخطبة من باب الذكر، والمحدث لا يمنع من ذكر الله - تعالى - (1) .
2 -
أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يكن من شرطه الطهارة، كالأذان (2) .
3 -
أن الخطبة ذكر ليس من شرطه استقبال القبلة، فلم يكن من شرطه الطهارة، كالتلبية، والشهادتين (3) .
4 -
أن الخطبة لو افتقرت إلى الطهارة لافتقرت إلى استقبال القبلة، كالصلاة (4) .
ثانيا: واستدلوا على الاستحباب بأدلة من السنة، والمعقول.
أولا: من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقيب الخطبة،
(1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263.
(2)
ينظر: الإشراف 1 / 134، والمغني 3 / 177، والمبدع 2 / 159 - 160، وكشاف القناع 2 / 34.
(3)
ينظر: الإشراف 1 / 134.
(4)
ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 515.
لا يفصل بينهما بطهارة (1) فدل على أنه كان متطهرا (2) .
ثانيا: من المعقول: 1 - أن الطهارة مستحبة للأذان، فالخطبة أولى (3) .
2 -
أن الخطيب لو لم يكن متطهرا لاحتاج إلى الطهارة بين الصلاة والخطبة، فيفصل بينهما، وربما شق على الحاضرين (4) .
دليل أصحاب القول الثاني: استدلوا من السنة، والمعقول:
أولا: من السنة: استدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفصل بين الخطبة والصلاة بطهارة (5) فدل على أنه كان متطهرا (6) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب كما تقدم.
(1) لم أطلع على حديث في ذلك، ولعله أخذ ذلك عن استقراء حاله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
(2)
ينظر: المغني 3 / 177.
(3)
المرجع السابق.
(4)
المرجع السابق.
(5)
لعله مأخوذ من استقراء حاله صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
(6)
ذكر الاستدلال بذلك برهان الدين ابن مفلح في المبدع 2 / 159.
ثانيا: من المعقول: 1 - ما استدلوا به على الاشتراط في المطالب السابقة من أن الخطبة بمنزلة شطر الصلاة، كما جاء في بعض الآثار، ولهذا لا تجوز غير وقت الصلاة، فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة (1) .
ويناقش بما تقدم مناقشته به في المطالب السابقة.
2 -
أن الخطبة ذكر شرط في الجمعة، فشرط فيه الطهارة، كتكبيرة الإحرام (2) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الإحرام جزء من الصلاة، فيشترط لها ما يشترط لسائر الصلاة، بخلاف الخطبة فليست كذلك.
الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بعدم اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة، بل إنها مستحبة، لقوة ما استدلوا به وخاصة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مجرد فعل.
(1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263.
(2)
ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 515، والمبدع 2 / 159.