الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث السادس الكلام في الخطبة]
[المطلب الأول حكم السلام في الخطبة]
[المسألة الأولى حكم كلام الخطيب]
المبحث السادس
الكلام في الخطبة وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم السلام في الخطبة.
المطلب الثاني: وقت المنع من الكلام في الخطبة.
المطلب الأول
حكم الكلام في الخطبة وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم كلام الخطيب.
المسألة الثانية: حكم كلام الحاضر للخطبة.
المسألة الثالثة: ما يستثنى من التحريم أو الكراهة عند من يقول بهما.
المسألة الأولى: حكم كلام الخطيب: اختلف الفقهاء في حكم كلام الخطيب في خطبة الجمعة بغير الخطبة، وذلك على قولين:
القول الأول: أن ذلك لا يجوز إلا لمصلحة، فيباح.
وبهذا قال المالكية (1) وبعض الشافعية (2) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (3) .
القول الثاني: أن ذلك يباح مطلقا.
وبهذا قال الشافعية في القول الصحيح عندهم، وعليه جمهورهم (4) وبعض الحنابلة (5) .
القول الثالث: أنه يكره إلا لمصلحة.
وبهذا قال الحنفية (6) وبعض الحنابلة (7) .
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على عدم الجواز إذا لم يكن هناك مصلحة
(1) ينظر: الشرح الكبير للدردير 1 / 386، والشرح الصغير له 1 / 182.
(2)
ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 3 / 28.
(3)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 53، والمحرر 1 / 152، والمستوعب 3 / 42، والفروع 2 / 127، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 47.
(4)
ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 28.
(5)
ينظر: المغني 3 / 196، والفروع 2 / 172، والمبدع 2 / 176.
(6)
ينظر: بدائع الصنائع 1 / 265، والفتاوى الهندية 1 / 147.
(7)
ينظر: الفروع 2 / 127، والمبدع 2 / 176.
بعموم الأدلة الدالة على تحريم الكلام حال الخطبة والتي ستأتي، ومن أبرزها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (1) .
وجه الدلالة: أنه إذا كان المستمع مأمورا بالإنصات للاستماع ويحرم عليه السلام فذلك الخطيب مأمور بمواصلة الخطبة إذا لم تكن هناك حاجة؛ لكيلا يفوت على المستمع فائدة الاستماع.
ثانيا: استدلوا على الإباحة عند الحاجة بما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة لذلك، ومنه:
1 -
ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع» (2) وفي
(1) تقدم تخريجه ص (93) .
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين 1 / 223، ومسلم في كتاب الجمعة - باب التحية والإمام يخطب 2 / 596، الحديث رقم (875) ، وتقدم تخريجه بهذا اللفظ، وفي بعض الروايات: أن الرجل هو سليك الغطفافي.
رواية: «فصل ركعتين» (1) .
قال النووي عن هذا الحديث برواياته: " وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة "(2) .
2 -
ما رواه بريدة (3) رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] (4) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» (5) .
(1) أخرجها البخاري في الكتاب السابق - باب من جاء، والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين 1 / 223، ومسلم في الكتاب والباب السابقين.
(2)
شرح صحيح مسلم 6 / 164.
(3)
هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، قدم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد فشهد معه المشاهد، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، تم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو حتى توفي زمن يزيد بن معاوية.
(ينظر: طبقات ابن سعد 4 / 241، وأسد الغابة 1 / 175) .
(4)
سورة التغابن، جزء من الآية رقم (15) .
(5)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث 1 / 290، الحديث رقم (1109) ، والنسائي في كتاب الجمعة - باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة. 3 / 108، الحديث رقم (1413) ، وابن ماجه في كتاب اللباس - باب لبس الأحمر للرجال 2 / 1190، الحديث رقم (36) ، والإمام أحمد في مسنده 5 / 354، وغيرهم.
وقال عنه ابن عبد الهادي في التنقيح 2 / 1217: " إسناد هذا الحديث على شرط مسلم ".
3 -
ما رواه عبد الله (1) بن بسر قال: «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت» (2) .
قال ابن القيم مبينا ذلك: " وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد أصحابه فيجيبه تم يعود إلى خطبته فيتمها، وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة. . . وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان "(3) .
(1) هو عبد الله بن بسر المازني، الحمصي، صحابي صغير، ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه وأخيه، وصلى إلى القبلتين، ومات سنة 88 وقيل 96هـ وله مائة سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.
(ينظر: الإصابة 4 / 103، وأسد الغابة 3 / 125) .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة 1 / 292، الحديث رقم (1118) ، والنسائي في كتاب الجمعة - باب النهي عن تخطي رقاب الناس. 3 / 103، الحديث رقم (1399)، وقال الأرناؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 427:" إسناده حسن ".
(3)
زاد المعاد 1 / 427 - 428.
ثانيا: من آثار الصحابة رضي الله عنهم: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت، فقال: والوضوء أيضا!! ، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل "(1) .
وفي رواية: إذ دخل عثمان بن عفان (2) .
والدلالة واضحة، والمُنْكَر عليه عثمان رضي الله عنه وبمحضر من الصحابة، ولم يُنْكِروا على عمر كلامه في الخطبة.
أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول على الجواز عند الحاجة، وهي حديث جابر، وبريدة، وعبد الله بن بسر، وأثر
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب فضل الغسل يوم الجمعة. واللفظ له، ومسلم في أول كتاب الجمعة 2 / 850، الحديث رقم (845) .
(2)
أخرجها مسلم في الكتاب السابق.
عمر مع عثمان رضي الله عنهم وحملوها على الجواز للخطيب مطلقا.
مناقشة هذا الاستدلال: يناقش بأنها محمولة على الحاجة كما ذكر أصحاب القول الأول، وأيضا النووي في المجموع (1) ويؤيد ذلك أن المواقف التي تكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه مواقف حاجة، فهي إما أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو شفقة على ضعيف، أو نحو ذلك.
أدلة أصحاب القول الثالث: أن خطبة الجمعة شرعت منظومة كالأذان، والكلام يقطع النظم إلا إذا كان الكلام أمرا بالمعروف فلا يكره (2) .
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنها إذا كانت كالأذان في أنها منظومة فإن الإسلام يفسدها، ولا يكون مكروها فقط.
كما استدلوا بالإباحة عند الحاجة بما استدل به أصحاب القول الأول عليها.
(1) ينظر: المجموع 4 / 522.
(2)
ينظر: المبسوط 2 / 27، وبدائع الصنائع 1 / 265.