الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني إخراجها عن مقصودها الشرعي]
المبحث الثاني
إخراجها عن مقصودها الشرعي المقصود الشرعي من خطبة الجمعة هو الثناء على الله - تعالى - وتمجيده، وتعليم الناس قواعد الإسلام، ووعظهم وتذكيرهم، وحثهم على طاعة الله، وتحذيرهم من موارد غضبه وعقابه، وبيان جزاء المطيع وعقوبة العاصي، وبيان الأخطاء المنتشرة في المجتمع وسبل معالجتها، والبدع والتحذير منها، ونحو ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله ملخصا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه: " وكان مدار خطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والمسألة بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه "(1) .
وقال في موضع آخر: " وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي "(2) .
(1) زاد المعاد 1 / 188.
(2)
المرجع السابق 1 / 427.
هذا ملخص هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الذي أرسله ربه إلى الناس ليقتدوا ويتأسوا به في أقواله وأفعاله، فهديه هو المقصود الشرعي من الخطبة، وقد تقدم في أركان الخطبة أن الوعظ ركن من أركانها حسب ما ظهر رجحانه (1) .
وإذا كان الأمر كذلك فلا يشرع للخطيب أن يخرج بخطبته عن هذا المنهج النبوي، والمقصود الشرعي، بل عليه أن يلتزم به، فلا يخرج عنه إلى مقاصد أخرى كالموضوعات التي يخالف منهج السلف الصالح، أو التي تثير الفتنة والخلاف والعداوة بين المسلمين، أو الدخول في قضايا لا علاقة لعامة الناس بها، أو ليس فيها فائدة تذكر، أو نحو ذلك.
كما يدخل في إخراج الخطبة عن مقصودها الشرعي الاهتمام بالمحسنات الشكلية والبلاغية مع إهمال المضمون.
وفي هذا كله يقول ابن القيم رحمه الله أيضا موضحا منهج النبي ومنهج أصحابه ومن بعدهم من السلف أكثر مما سبق: " ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل
(1) ص (139) .
جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والمسألة بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها، وزينوها بما زينوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها " (1) .
ما أعظمه من منهج!! وما أحوجنا إلى الالتزام به!! لكي تؤدي الخطب المقصود منها، وتصل إلى قلوب الناس، فتستنير وتحيا حياة طيبة، وفق شرع الله - تعالى- ومنهج نبيه صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح.
(1) زاد المعاد 1 / 423 - 424.