الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَالَفَهُمْ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَقَالَ بَلْ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَهُ.
قَالَ: فَصَحّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهُ لَمَّا اسْتَصْغَرَهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَأَجَازَهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى السِّنِّ الَّتِي رَآهُ فِيهَا مُطِيقًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَنْفِي تَجَاوُزَهَا بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي آخِرِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ.
[سَبَبُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ]
فَصْلٌ
وَكَانَ سَبَبُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا رَأَوُا انْتِصَارَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَعَلِمُوا بِمِيعَادِ أبي سفيان لِغَزْوِ الْمُسْلِمِينَ، فَخَرَجَ لِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجَ أَشْرَافُهُمْ كسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع، وَغَيْرِهِمْ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى غَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيُؤَلِّبُونَهُمْ عَلَيْهِ، وَوَعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِالنَّصْرِ لَهُمْ، فَأَجَابَتْهُمْ قُرَيْشٌ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى غَطَفَانَ، فَدَعَوْهُمْ، فَاسْتَجَابُوا لَهُمْ، ثُمَّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنِ اسْتَجَابَ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَائِدُهُمْ أبو سفيان فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَوَافَتْهُمْ بَنُو سُلَيْمٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، وَخَرَجَتْ بَنُو أَسَدٍ وَفَزَارَةُ وَأَشْجَعُ وَبَنُو مُرَّةَ، وَجَاءَتْ غَطَفَانُ وَقَائِدُهُمْ عيينة بن حصن. وَكَانَ مَنْ وَافَى الْخَنْدَقَ مِنَ الْكُفَّارِ عَشَرَةَ آلَافٍ.
فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَسِيرِهِمْ إلَيْهِ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِحَفْرِ خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَادَرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَعَمِلَ بِنَفْسِهِ فِيهِ، وَبَادَرُوا هُجُومَ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِي حَفْرِهِ مِنْ آيَاتِ نُبُوَّتِهِ، وَأَعْلَامِ رِسَالَتِهِ مَا قَدْ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهِ، وَكَانَ حَفْرُ الْخَنْدَقِ أَمَامَ سَلْعٍ، وَسَلْعٌ: جَبَلٌ خَلْفَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَتَحَصَّنَ بِالْجَبَلِ مِنْ خَلْفِهِ، وَبِالْخَنْدَقِ أَمَامَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: خَرَجَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ خُرُوجِهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِي، فَجُعِلُوا فِي آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ.
وَانْطَلَقَ حيي بن أخطب إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَنَا مِنْ حِصْنِهِمْ، فَأَبَى كعب بن أسد أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى فَتَحَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ عَلَى قَادَتِهَا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ، قَالَ كعب: جِئْتَنِي وَاللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاؤُهُ، فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى نَقَضَ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَدَخَلَ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ فِي مُحَارَبَتِهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَشَرَطَ كعب عَلَى حيي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمَّدٍ أَنْ يَجِيءَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُ فِي حِصْنِهِ، فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَوَفَّى لَهُ بِهِ.
وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنَقْضُهُمْ لِلْعَهْدِ، فَبَعَثَ إلَيْهِمُ السَّعْدَيْنِ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ لِيَعْرِفُوا: هَلْ هُمْ عَلَى عَهْدِهِمْ أَوْ قَدْ نَقَضُوهُ؟ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا يَكُونُ، وَجَاهَرُوهُمْ بِالسَّبِّ وَالْعَدَاوَةِ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ، وَلَحَنُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَحْنًا يُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَغَدَرُوا، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:( «اللَّهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ» ) وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَاسْتَأْذَنَ بَعْضُ بَنِي حَارِثَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذِّهَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا:{إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13][الْأَحْزَابِ: 13] ، وَهَمَّ بَنُو سَلَمَةَ بِالْفَشَلِ، ثُمَّ ثَبَّتَ اللَّهُ الطَّائِفَتَيْنِ.
وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ مُحَاصِرِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لِأَجْلِ مَا حَالَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَنْدَقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ عمرو بن عبد ود، وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا، ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا ضَيِّقًا مِنَ الْخَنْدَقِ، فَاقْتَحَمُوهُ، وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ، فَانْتُدِبَ لعمرو عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَبَارَزَهُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْطَالِهِمْ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ إلَى أَصْحَابِهِمْ (وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ " حم لَا يُنْصَرُونَ) .
وَلَمَّا طَالَتْ هَذِهِ الْحَالُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَالِحَ عيينة بن حصن والحارث بن عوف رَئِيسَيْ غَطَفَانَ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، وَيَنْصَرِفَا بِقَوْمِهِمَا، وَجَرَتِ الْمُرَاوَضَةُ عَلَى ذَلِكَ، فَاسْتَشَارَ السَّعْدَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، لَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَهَدَانَا لَهُ، وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ، فَصَوَّبَ رَأْيَهُمَا، وَقَالَ:( «إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ لَمَّا رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ» ) .
ثُمّ إنَّ اللَّهَ عز وجل وَلَهُ الْحَمْدُ - صَنَعَ أَمْرًا مِنْ عِنْدِهِ خَذَلَ بِهِ الْعَدُوَّ، وَهَزَمَ جُمُوعَهُمْ، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فَكَانَ مِمَّا هَيَّأَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ نعيم بن مسعود بن عامر رضي الله عنه جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «إنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَذِّلْ عَنَّا مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» ) ، فَذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ عَشِيرًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ إنَّكُمْ قَدْ حَارَبْتُمْ مُحَمَّدًا، وَإِنَّ قُرَيْشًا إنْ أَصَابُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِلَّا انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ وَتَرَكُوكُمْ وَمُحَمَّدًا، فَانْتَقَمَ مِنْكُمْ، قَالُوا: فَمَا الْعَمَلُ يَا نعيم؟ قَالَ: لَا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتَّى يُعْطُوكُمْ رَهَائِنَ قَالُوا: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ، ثُمَّ مَضَى عَلَى وَجْهِهِ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: تَعْلَمُونَ وُدِّي لَكُمْ وَنُصْحِي لَكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: إنَّ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ نَقْضِ عَهْدِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ رَاسَلُوهُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ رَهَائِنَ يَدْفَعُونَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ يُمَالِئُونَهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ سَأَلُوكُمْ رَهَائِنَ فَلَا تُعْطُوهُمْ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ مِنْ شَوَّالٍ بَعَثُوا إِلَى الْيَهُودِ: إنَّا لَسْنَا بِأَرْضِ مُقَامٍ، وَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، فَانْهَضُوا بِنَا حَتَّى نُنَاجِزَ
مُحَمَّدًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمُ الْيَهُودُ: إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَنَا حِينَ أَحْدَثُوا فِيهِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّا لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تَبْعَثُوا إلَيْنَا رَهَائِنَ، فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِذَلِكَ قَالَتْ قُرَيْشُ: صَدَقَكُمْ وَاللَّهِ نعيم، فَبَعَثُوا إِلَى يَهُودَ، إنَّا وَاللَّهِ لَا نُرْسِلُ إلَيْكُمْ أَحَدًا، فَاخْرُجُوا مَعَنَا حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ: صَدَقَكُمْ وَاللَّهِ نعيم، فَتَخَاذَلَ الْفَرِيقَانِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ جُنْدًا مِنَ الرِّيحِ، فَجَعَلَتْ تُقَوِّضُ خِيَامَهُمْ، وَلَا تَدَعُ لَهُمْ قِدْرًا إلَّا كَفَأَتْهَا، وَلَا طُنُبًا إلَّا قَلَعَتْهُ، وَلَا يَقِرُّ لَهُمْ قَرَارٌ، وَجُنْدُ اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُزَلْزِلُونَهُمْ، وَيُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِمْ، فَوَجَدَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ تَهَيَّئُوا لِلرَّحِيلِ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِرَحِيلِ الْقَوْمِ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَدُوَّهُ بِغَيْظِهِ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَكَفَاهُ اللَّهُ قِتَالَهُمْ، فَصَدَقَ وَعْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَوَضَعَ السِّلَاحَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهُوَ يَغْتَسِلُ فِي بَيْتِ أم سلمة، فَقَالَ: أَوَضَعْتُمُ السِّلَاحَ! إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَضَعْ بَعْدُ أَسْلِحَتَهَا انْهَضْ إِلَى غَزْوَةِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا، فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ) ، فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ سِرَاعًا، وَكَانَ