الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا بِهَا وَبِأَمْثَالِهَا مِنَ الْحُجَجِ الدَّاحِضَةِ، وَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ عَلَى أَقْوَالِ الرَّسُولِ سِوَاهَا فَحُجَّتُهُ مِنْ جِنْسِ حُجَجِ هَؤُلَاءِ.
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ وَلِيَهْدِيَهُمْ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ رَسُولِهِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْزَالِ كِتَابِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِيُزَكِّيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِذِكْرِهِ وَبِشُكْرِهِ، إِذْ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَسْتَوْجِبُونَ إِتْمَامَ نِعَمِهِ وَالْمَزِيدَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَيَسْتَجْلِبُونَ ذِكْرَهُ لَهُمْ وَمَحَبَّتَهُ لَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِمَا لَا يَتِمُّ لَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَهُوَ الصَّبْرُ وَالصَّلَاةُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.
[فَصْلٌ في الْأَذَانُ وَزِيَادَةُ الصَّلَاةِ إِلَى رُبَاعِيَّةٍ]
فَصْلٌ
وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الْقِبْلَةِ بِأَنْ شَرَعَ لَهُمُ الْأَذَانَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَزَادَهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثُنَائِيَّةً، فَكُلُّ هَذَا كَانَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.
[فَصْلٌ في الْإِذْنُ بِالْقِتَالِ]
فَصْلٌ
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَنْصَارِ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ وَالْإِحَنِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَتْهُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، وَبَذَلُوا نُفُوسَهُمْ دُونَهُ، وَقَدَّمُوا مَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَزْوَاجِ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَشَمَّرُوا لَهُمْ عَنْ سَاقِ الْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَصَاحُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ حَتَّى قَوِيَتِ الشَّوْكَةُ،
وَاشْتَدَّ الْجَنَاحُ، فَأُذِنَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْقِتَالِ، وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39][الْحَجِّ: 39] .
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ هَذَا الْإِذْنَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ بِمَكَّةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ يَتَمَكَّنُونَ بِهَا مِنَ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ.
الثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ فَإِنَّهُ قَالَ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40][الْحَجِّ: 40] وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُهَاجِرُونَ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19][الْحَجِّ: 19] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ خَاطَبَهُمْ فِي آخِرِهَا بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 77] وَالْخِطَابُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَدَنِيٌّ، فَأَمَّا الْخِطَابُ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] فَمُشْتَرَكٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالْجِهَادِ الَّذِي يَعُمُّ الْجِهَادَ بِالْيَدِ وَغَيْرِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَأَمَّا جِهَادُ الْحُجَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فِي مَكَّةَ بِقَوْلِهِ:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: 52] أَيْ: بِالْقُرْآنِ {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52][الْفُرْقَانِ: 52] فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَالْجِهَادُ فِيهَا هُوَ التَّبْلِيغُ، وَجِهَادُ الْحُجَّةِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي (سُورَةِ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ.
السَّادِسُ: أَنَّ الحاكم رَوَى فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ مسلم البطين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ