الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَشَرَقُوا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَأَظْهَرُوا الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ فَسَارَتْ إِلَيْهِمْ جُنُودُ اللَّهِ، يَقْدُمُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرِهِ، وَكَانَ حُلَفَاءُ عبد الله بن أبي بن سلول رَئِيسِ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانُوا أَشْجَعَ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، وَحَامِلُ لِوَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أبا لبابة بن عبد المنذر، وَحَاصَرَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً إِلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ حَارَبَ مِنَ الْيَهُودِ، وَتَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، فَحَاصَرَهُمْ أَشَدَّ الْحِصَارِ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ الَّذِي إِذَا أَرَادَ خِذْلَانَ قَوْمٍ وَهَزِيمَتَهُمْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ، وَقَذَفَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رِقَابِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَنِسَائِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَكُتِّفُوا، وَكَلَّمَ عبد الله بن أبي فِيهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُجَاوِرُوهُ بِهَا، فَخَرَجُوا إِلَى أَذْرُعَاتٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَقَلَّ أَنْ لَبِثُوا فِيهَا حَتَّى هَلَكَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانُوا صَاغَةً وَتُجَّارًا، وَكَانُوا نَحْوَ السِّتِّمِائَةِ مُقَاتِلٍ، وَكَانَتْ دَارُهُمْ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ، وَقَبَضَ مِنْهُمْ أَمْوَالَهُمْ، فَأَخَذَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ قِسِيٍّ وَدِرْعَيْنِ، وَثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ، وَثَلَاثَةَ رِمَاحٍ، وَخَمَّسَ غَنَائِمَهُمْ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى جَمْعَ الْغَنَائِمِ محمد بن مسلمة.
[فصل في نَقْضُ بَنِي النَّضِيرِ الْعَهْدَ]
فَصْلٌ
ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَنُو النَّضِيرِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، قَالَهُ عروة وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَلَّمَهُمْ أَنْ يُعِينُوهُ فِي دِيَةِ الْكِلَابِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فَقَالُوا: نَفْعَلُ يَا أَبَا
الْقَاسِمِ، اجْلِسْ هَاهُنَا حَتَّى نَقْضِيَ حَاجَتَكَ، وَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَسَوَّلَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ الشَّقَاءَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ، فَتَآمَرُوا بِقَتْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا: أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذِهِ الرَّحَا وَيَصْعَدُ، فَيُلْقِيهَا عَلَى رَأْسِهِ يَشْدَخُهُ بِهَا؟ فَقَالَ: أَشْقَاهُمْ عمرو بن جحاش: أَنَا، فَقَالَ: لَهُمْ سلام بن مشكم: لَا تَفْعَلُوا فَوَاللَّهِ لَيُخْبَرَنَّ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ لَنَقْضُ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَجَاءَ الْوَحْيُ عَلَى الْفَوْرِ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى بِمَا هَمُّوا بِهِ، فَنَهَضَ مُسْرِعًا، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَحِقَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: نَهَضْتَ وَلَمْ نَشْعُرْ بِكَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا هَمَّتْ يَهُودُ بِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ اخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَا تُسَاكِنُونِي بِهَا، وَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْرًا، فَمَنْ وَجَدْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِهَا، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَأَقَامُوا أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الْمُنَافِقُ عبد الله بن أبي: أَنْ لَا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، فَإِنَّ مَعِيَ أَلْفَيْنِ يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ حِصْنَكُمْ، فَيَمُوتُونَ دُونَكُمْ، وَتَنْصُرُكُمْ قُرَيْظَةُ وَحُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَانَ، وَطَمِعَ رَئِيسُهُمْ حيي بن أخطب فِيمَا قَالَ لَهُ، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّا لَا نَخْرُجُ مِنْ دِيَارِنَا، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَنَهَضُوا إِلَيْهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَحْمِلُ اللِّوَاءَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ، قَامُوا عَلَى حُصُونِهِمْ يَرْمُونَ بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ، وَخَانَهُمُ ابن أبي وَحُلَفَاؤُهُمْ مِنْ غَطَفَانَ، وَلِهَذَا شَبَّهَ سبحانه وتعالى قِصَّتَهُمْ، وَجَعَلَ مَثَلَهُمْ {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} [الحشر: 16] [الْحَشْرِ: 16] ، فَإِنَّ سُورَةَ الْحَشْرِ هِيَ سُورَةُ بَنِي النَّضِيرِ، وَفِيهَا مَبْدَأُ قِصَّتِهِمْ وَنِهَايَتُهَا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَطَعَ نَخْلَهُمْ وَحُرِّقَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ: نَحْنُ نَخْرُجُ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا عَنْهَا بِنُفُوسِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَأَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتِ الْإِبِلُ إِلَّا السِّلَاحَ، وَقَبَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَمْوَالَ