الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَقُطِعَتْ وَصُفَّتْ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلَ طُولَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ إِلَى مُؤَخَّرِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَالْجَانِبَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ، وَجَعَلَ أَسَاسَهُ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ بَنَوْهُ بِاللَّبِنِ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْنِي مَعَهُمْ، وَيَنْقُلُ اللَّبِنَ وَالْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ
…
فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
وَكَانَ يَقُولُ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالُ خَيْبَرَ
…
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرَ
وَجَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ وَهُمْ يَنْقُلُونَ اللَّبِنَ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ فِي رَجَزِهِ:
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالرَّسُولُ يَعْمَلُ
…
لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلَّلُ
»
وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ، بَابًا فِي مُؤَخَّرِهِ، وَبَابًا يُقَالُ لَهُ: بَابُ الرَّحْمَةِ، وَالْبَابُ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَ عُمُدَهُ الْجُذُوعَ، وَسَقْفَهُ بِالْجَرِيدِ، وَقِيلَ لَهُ: أَلَا تُسَقِّفُهُ فَقَالَ: ( «لَا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى» ) وَبَنَى إِلَى جَنْبِهِ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ بِاللَّبِنِ، وَسَقَّفَهَا بِالْجَرِيدِ وَالْجُذُوعِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْبِنَاءِ بَنَى بعائشة فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ لَهَا شَرْقِيَّ الْمَسْجِدِ قِبْلِيَّهُ، وَهُوَ مَكَانُ حُجْرَتِهِ الْيَوْمَ، وَجَعَلَ لسودة بنت زمعة بَيْتًا آخَرَ.
[فَصْلٌ في الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ]
فَصْلٌ
ثُمَّ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانُوا تِسْعِينَ رَجُلًا نِصْفُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنِصْفُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، آخَى بَيْنَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، يَتَوَارَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَى حِينِ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَلَمَّا
أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6][الْأَحْزَابِ: 6] رَدَّ التَّوَارُثَ إِلَى الرَّحِمِ دُونَ عَقْدِ الْأُخُوَّةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ مُؤَاخَاةً ثَانِيَةً، وَاِتَّخَذَ فِيهَا عليا أَخًا لِنَفْسِهِ وَالثَّبْتُ الْأَوَّلُ، وَالْمُهَاجِرُونَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ،