الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُجَابُ عَنْ تَقْدِيمِ خَالَةِ ابنة حمزة عَلَى عَمَّتِهَا بِأَنَّ الْعَمَّةَ لَمْ تَطْلُبِ الْحَضَانَةَ، وَالْحَضَانَةُ حَقٌّ لَهَا يُقْضَى لَهَا بِهِ بِطَلَبِهِ، بِخِلَافِ الْخَالَةِ، فَإِنَّ جعفرا كَانَ نَائِبًا عَنْهَا فِي طَلَبِ الْحَضَانَةِ، وَلِهَذَا قَضَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهَا فِي غَيْبَتِهَا.
وَأَيْضًا فَكَمَا أَنَّ لِقَرَابَةِ الطِّفْلِ أَنْ يَمْنَعَ الْحَاضِنَةَ مِنْ حَضَانَةِ الطِّفْلِ إِذَا تَزَوَّجَتْ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَخْذِهِ وَتَفَرُّغِهَا لَهُ، فَإِذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِأَخْذِهِ حَيْثُ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا لِقَرَابَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِ الطِّفْلِ أُنْثَى عَلَى رِوَايَةٍ، مُكِّنَتْ مِنْ أَخْذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَالْحَقُّ لَهُ وَالزَّوْجُ هَاهُنَا قَدْ رَضِيَ وَخَاصَمَ فِي الْقِصَّةِ، وصفية لَمْ يَكُنْ مِنْهَا طَلَبٌ.
وَأَيْضًا فَابْنُ الْعَمِّ لَهُ حَضَانَةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ وَإِنْ كَانَتْ تُشْتَهَى، فَلَهُ حَضَانَتُهَا أَيْضًا، وَتُسَلَّمُ إِلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا هُوَ، أَوْ إِلَى مَحْرَمِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ عَصَبَاتِهَا، وَهُوَ أَوْلَى منَ الْأَجَانِبِ وَالْحَاكِمِ، وَهَذِهِ إِنْ كَانَتْ طِفْلَةً فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُشْتَهَى، فَقَدْ سُلِّمَتْ إِلَى خَالَتِهَا، فَهِيَ وَزَوْجُهَا مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ زيد: ابْنَةُ أَخِي، يُرِيدُ الْإِخَاءَ الَّذِي عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ حمزة لَمَّا وَاخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّهُ وَاخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَرَّتَيْنِ، فَوَاخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْمُوَاسَاةِ، وَآخَى بَيْنَ أبي بكر وعمر، وَبَيْنَ حمزة وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَبَيْنَ عثمان وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَيْنَ الزبير وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبَيْنَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وبلال، وَبَيْنَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَبَيْنَ أبي عبيدة وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ: آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.
[فصل في الِاخْتِلَافُ فِي تَسْمِيَتِهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ]
فَصْلٌ
وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، هَلْ هُوَ لِكَوْنِهَا قَضَاءً لِلْعُمْرَةِ الَّتِي صُدُّوا عَنْهَا أَوْ مِنَ الْمُقَاضَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ تَقَدَّمَا، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي
عبد الله بن نافع، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً، وَلَكِنْ كَانَ شَرْطًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا فِي الشَّهْرِ الَّذِي حَاصَرَهُمْ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ عَنِ الْعُمْرَةِ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد، بَلْ أَشْهَرُهَا عَنْهُ.
وَالثَّانِي: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، ومالك فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَرِوَايَةِ أبي طالب عَنْ أحمد.
وَالثَّالِثُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة.
وَالرَّابِعُ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا هَدْيَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد.
فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْهَدْيَ، احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ نَحَرُوا الْهَدْيَ حِينَ صُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَضَوْا مِنْ قَابِلٍ، قَالُوا: وَالْعُمْرَةُ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ إِلَّا بِفِعْلِهَا وَنَحْرِ الْهَدْيِ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَقَالُوا: وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ الْهَدْيَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196][الْبَقَرَةِ: 196] .
وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُمَا قَالُوا: لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ أُحْصِرُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ، وَلَا أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا وَقَفَ الْحِلُّ عَلَى نَحْرِهمُ الْهَدْيَ بَلْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا رُءُوسَهُمْ وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ.
وَمَنْ أَوْجَبَ الْهَدْيَ دُونَ الْقَضَاءِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .
وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ دُونَ الْهَدْيِ، احْتَجَّ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَإِذَا أُحْصِرَ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرِ الْإِحْصَارِ، فَإِذَا زَالَ الْحَصْرُ، أَتَى بِهَا بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ، وَلَا يُوجِبُ تَخَلُّلُ التَّحَلُّلِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِهَا أَوَّلًا وَبَيْنَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِ الْإِمْكَانِ، شَيْئًا، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَيُوجِبُ الْهَدْيَ دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْهَدْيَ هُوَ جَمِيعُ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.