الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَسَبْيَكُمْ وَ {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70][الْأَنْفَالِ: 70] .
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ غَزْوَ الْعَرَبِ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ، وَخَتَمَ غَزْوَهُمْ بِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَلِهَذَا يُقْرَنُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ بِالذِّكْرِ، فَيُقَالُ: بَدْرٌ وَحُنَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبْعُ سِنِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ قَاتَلَتْ بِأَنْفُسِهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَمَى فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ فِيهِمَا، وَبِهَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ طُفِئَتْ جَمْرَةُ الْعَرَبِ لِغَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ، فَالْأُولَى: خَوَّفَتْهُمْ وَكَسَرَتْ مِنْ حَدِّهِمْ، وَالثَّانِيَةُ اسْتَفْرَغَتْ قُوَاهُمْ، وَاسْتَنْفَدَتْ سِهَامَهُمْ، وَأَذَلَّتْ جَمْعَهُمْ، حَتَّى لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَبَرَ بِهَا أَهْلَ مَكَّةَ، وَفَرَّحَهُمْ بِمَا نَالُوهُ مِنَ النَّصْرِ وَالْمَغْنَمِ، فَكَانَتْ كَالدَّوَاءِ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ كَسْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَيْنَ جَبْرِهِمْ وَعَرَّفَهُمْ تَمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ شَرِّ هَوَازِنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِمْ طَاقَةٌ، وَإِنَّمَا نُصِرُوا عَلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أُفْرِدُوا عَنْهُمْ لَأَكَلَهُمْ عَدُوُّهُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
[فصل في إِيجَابُ بَعْثِ الْعُيُونِ وَالسَّيْرِ إِلَى الْعَدُوِّ إِذَا سَمِعَ بِقَصْدِهِ لَهُ]
فَصْلٌ
وَفِيهَا: مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْعُيُونَ، وَمَنْ يَدْخُلُ بَيْنَ عَدُوِّهِ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ، وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَمِعَ بِقَصْدِ عَدُوِّهِ لَهُ وَفِي جَيْشِهِ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، لَا يَقْعُدُ يَنْتَظِرُهُمْ، بَلْ يَسِيرُ إِلَيْهِمْ، كَمَا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَوَازِنَ، حَتَّى لَقِيَهُمْ بِحُنَيْنٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ سِلَاحَ الْمُشْرِكِينَ وَعُدَّتَهُمْ، لِقِتَالِ عَدُوِّهِ، كَمَا اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَدْرَاعَ صفوان، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ اسْتِعْمَالَ الْأَسْبَابِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ تَوَكُّلًا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَلْقَوْنَ عَدُوَّهُمْ وَهُمْ مُتَحَصِّنُونَ بِأَنْوَاعِ السِّلَاحِ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَالْبَيْضَةُ
عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] [الْمَائِدَةِ: 67] .
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ، وَلَا رُسُوخَ فِي الْعِلْمِ يَسْتَشْكِلُ هَذَا، وَيَتَكَايَسُ فِي الْجَوَابِ تَارَةً بِأَنَّ هَذَا فَعَلَهُ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ، وَتَارَةً بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. وَوَقَعَتْ فِي مِصْرَ مَسْأَلَةٌ سَأَلَ عَنْهَا بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ، فِي " تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعْدَ أَنْ أَهْدَتْ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ الشَّاةَ الْمَسْمُومَةَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا قُدِّمَ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ مَنْ قَدَّمَهُ.
قَالُوا: وَفِي هَذَا أُسْوَةٌ لِلْمُلُوكِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فَإِذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ الْعِصْمَةَ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِبَشَرٍ إِلَيْهِ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَهَا. وَلَوْ تَأَمَّلَ هَؤُلَاءِ أَنَّ ضَمَانَ اللَّهِ لَهُ الْعِصْمَةَ لَا يُنَافِي تَعَاطِيَهُ لِأَسْبَابِهَا، لَأَغْنَاهُمْ عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ، فَإِنَّ هَذَا الضَّمَانَ لَهُ مِنْ رَبِّهِ تبارك وتعالى لَا يُنَاقِضُ احْتِرَاسَهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يُنَافِيهِ، كَمَا أَنَّ إِخْبَارَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ بِأَنَّهُ يُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَيُعْلِيهِ لَا يُنَاقِضُ أَمْرَهُ بِالْقِتَالِ وَإِعْدَادِ الْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ، وَالْأَخْذِ بِالْجِدِّ وَالْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَمُحَارَبَتِهِ بِأَنْوَاعِ الْحَرْبِ وَالتَّوْرِيَةِ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْغَزْوَةَ وَرَّى بِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ عَاقِبَةِ حَالِهِ وَمَآلِهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ مُفْضِيَةً إِلَى ذَلِكَ مُقْتَضِيَةً لَهُ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِرَبِّهِ، وَأَتْبَعُ لِأَمْرِهِ مِنْ أَنْ يُعَطِّلَ الْأَسْبَابَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مُوجِبَةً لِمَا وَعَدَهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ إِظْهَارِ دِينِهِ وَغَلَبَتِهِ لِعَدُوِّهِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ضَمِنَ لَهُ حَيَاتَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَاتِهِ، وَيُظْهِرَ دِينَهُ، وَهُوَ يَتَعَاطَى أَسْبَابَ الْحَيَاةِ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَسْكَنِ، وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى آلَ ذَلِكَ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنْ تَرَكَ الدُّعَاءِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْئُولَ إِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ نَالَهُ، وَلَا بُدَّ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَمْ يَنَلْهُ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الِاشْتِغَالِ بِالدُّعَاءِ؟