الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ سَيِّدُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ، كَلَّمَهُمْ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ جَاءَنِي إِلَّا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا زيد الخيل: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ مَا فِيهِ» )، ثُمَّ سَمَّاهُ: زيد الخير، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «إِنْ يُنْجَ زيد مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ» )، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاسْمٍ غَيْرِ الْحُمَّى وَغَيْرِ أُمِّ مِلْدَمٍ، فَلَمْ يُثْبِتْهُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ يُقَالُ لَهُ فَرْدَةُ، أَصَابَتْهُ الْحُمَّى بِهَا فَمَاتَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ أَنْشَدَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً
…
وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرْدَةَ مُنْجِدِ
أَلَّا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي
…
عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنَّ يَجْهَدِ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقِيلَ: مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عمر رضي الله عنه وَلَهُ ابْنَانِ: مكنف، وحريث، أَسْلَمَا، وَصَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَا قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ كِنْدَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: «قَدِمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَمَانِينَ أَوْ سِتِّينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَهُ قَدْ
رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ وَتَسَلَّحُوا، وَلَبِسُوا جِبَابَ الْحِبَرَاتِ مُكَفَّفَةً بِالْحَرِيرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(أَوَلَمْ تُسْلِمُوا؟ " قَالُوا: بَلَى. قَالَ: " فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؟) ، فَشَقُّوهُ وَنَزَعُوهُ وَأَلْقَوْهُ، ثُمَّ قَالَ الأشعث: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمِرَارِ، وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمِرَارِ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:(نَاسِبُوا بِهَذَا النَّسَبِ رَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ: وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» ) .
قَالَ الزُّهْرِيُّ وابن إسحاق: كَانَا تَاجِرَيْنِ، وَكَانَا إِذَا سَارَا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، فَسُئِلَا مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمِرَارِ، يَتَعَزَّزُونَ بِذَلِكَ فِي الْعَرَبِ، وَيَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ بَنِي آكِلِ الْمِرَارِ مِنْ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» ) .
وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عقيل بن طلحة، عَنْ مسلم بن هيضم، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:«قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ كِنْدَةَ، وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنِّي أَفْضَلُهُمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَسْتُمْ مِنَّا؟ قَالَ: (لَا، نَحْنُ بنو النضر بن كنانة، لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» ) ، وَكَانَ الأشعث يَقُولُ:(لَا أُوتَى بِرَجُلٍ نَفَى رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ النضر بن كنانة إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ) .
وَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النضر بن كنانة، فَهُوَ مِنْ قُرَيْشٍ.
وَفِيهِ: جَوَازُ إِتْلَافِ الْمَالِ الْمُحَرَّمِ اسْتِعْمَالُهُ، كَثِيَابِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِضَاعَةٍ.
وَالْمِرَارُ: هُوَ شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْبَوَادِي، وَآكِلُ الْمِرَارِ: هُوَ الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن كندة، وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَدَّةٌ مِنْ كِنْدَةَ مَذْكُورَةٌ، وَهِيَ أم كلاب بن مرة، وَإِيَّاهَا أَرَادَ الأشعث.