الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمية شَهِدَا بَدْرًا، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَالْغَلَطُ لَا يُعْصَمُ مِنْهُ إِنْسَانٌ.
[فصل في نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِتَأْدِيبِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمْ]
فَصْلٌ
وَفِي نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِمْ وَكَذِبِ الْبَاقِينَ، فَأَرَادَ هَجْرَ الصَّادِقِينَ وَتَأْدِيبَهُمْ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَجُرْمُهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَابَلَ بِالْهَجْرِ، فَدَوَاءُ هَذَا الْمَرَضِ لَا يَعْمَلُ فِي مَرَضِ النِّفَاقِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ فِي عُقُوبَاتِ جَرَائِمِهِمْ، فَيُؤَدِّبُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحِبُّهُ وَهُوَ كَرِيمٌ عِنْدَهُ بِأَدْنَى زَلَّةٍ وَهَفْوَةٍ، فَلَا يَزَالُ مُسْتَيْقِظًا حَذِرًا، وَأَمَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ وَهَانَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعَاصِيهِ، وَكُلَّمَا أَحْدَثَ ذَنْبًا أَحْدَثَ لَهُ نِعْمَةً، وَالْمَغْرُورُ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْإِهَانَةِ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ وَالْعُقُوبَةَ الَّتِي لَا عَاقِبَةَ مَعَهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ:( «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَرِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِذُنُوبِهِ» ) .
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى هِجْرَانِ الْإِمَامِ وَالْعَالِمِ وَالْمُطَاعِ لِمَنْ فَعَلَ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعَتْبَ، وَيَكُونُ هِجْرَانُهُ دَوَاءً لَهُ بِحَيْثُ لَا يَضْعُفُ عَنْ حُصُولِ الشِّفَاءِ بِهِ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ عَلَيْهِ فَيُهْلِكَهُ، إِذِ الْمُرَادُ تَأْدِيبُهُ لَا إِتْلَافُهُ.
وَقَوْلُهُ: ( «حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِيَ الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالَّتِي أَعْرِفُ» ) ، هَذَا التَّنَكُّرُ يَجِدُهُ الْخَائِفُ وَالْحَزِينُ وَالْمَهْمُومُ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ، حَتَّى يَجِدَهُ فِيمَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَهُ مِنَ النَّاسِ، وَيَجِدُهُ أَيْضًا الْمُذْنِبُ الْعَاصِي بِحَسَبِ جُرْمِهِ حَتَّى فِي خُلُقِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ، وَخَادِمِهِ وَدَابَّتِهِ، وَيَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا، فَتَتَنَكَّرُ لَهُ نَفْسُهُ حَتَّى مَا