الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَنُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ: أَوْ ذَاكَ؟» ) فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ، خَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطُرُ بِسَيْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرِّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَنَزَلَ إِلَيْهِ عامر وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عامر، فَذَهَبَ عامر يَسْفُلُ لَهُ، وَكَانَ سَيْفُ عامر فِيهِ قِصَرٌ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَتِهِ، فَمَاتَ مِنْهُ، فَقَالَ سلمة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: زَعَمُوا أَنَّ عامرا حَبِطَ عَمَلُهُ. فَقَالَ: ( «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ» ) .
[فَصْلٌ في الْقُدُومُ إِلَى خَيْبَرَ]
فَصْلٌ
وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ صَلَّى بِهَا الصُّبْحَ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ أَهْلُ خَيْبَرَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، وَلَا يَشْعُرُونَ، بَلْ خَرَجُوا لِأَرْضِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا الْجَيْشَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، ثُمَّ رَجَعُوا هَارِبِينَ إِلَى حُصُونِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:( «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» )
وَلَمَّا دَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَشْرَفَ عَلَيْهَا قَالَ: " قِفُوا " فَوَقَفَ الْجَيْشُ، فَقَالَ:( «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ» )
وَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الدُّخُولِ قَالَ: ( «لَأُعْطِيَنَّ هِذه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ. فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ قَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا
يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمُرُ النَّعَمِ» ) .
فَخَرَجَ مرحب وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرِّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهِّبُ
فَبَرَزَ إِلَيْهِ علي وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
…
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
فَضَرَبَ مَرْحَبًا فَفَلَقَ هَامَتَهُ، وَكَانَ الْفَتْحُ.
وَلَمَّا دَنَا علي رضي الله عنه مِنْ حُصُونِهِمُ اطَّلَعَ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: عَلَوْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى.
هَكَذَا فِي " صَحِيحِ مسلم " أَنَّ ( «عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه هُوَ الَّذِي قَتَلَ مرحبا» )
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ وأبي الأسود عَنْ عروة. وَيُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ أَحَدِ بَنِي حَارِثَة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ محمد بن مسلمة هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ، قَالَ جابر فِي حَدِيثِهِ:( «خَرَجَ مرحب الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لِهَذَا؟ فَقَالَ محمد بن مسلمة: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاللَّهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ، قَتَلُوا أَخِي بِالْأَمْسِ. يَعْنِي محمود بن مسلمة، وَكَانَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كُلَّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا فَعَضَّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ محمد بن مسلمة فَقَتَلَهُ» ) . وَكَذَلِكَ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَّامَةَ ومجمع بن حارثة: إِنَّ محمد بن مسلمة قَتَلَ مرحبا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقِيلَ: «إِنَّ محمد بن مسلمة ضَرَبَ سَاقَيْ مرحب فَقَطَعَهُمَا، فَقَالَ مرحب: أَجْهِزْ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: ذُقِ الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ أَخِي محمود. وَجَاوَزَهُ، وَمَرَّ بِهِ علي رضي الله عنه فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَلَبِهِ، فَقَالَ محمد بن مسلمة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَطَعْتُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَرَكْتُهُ إِلَّا لِيَذُوقَ الْمَوْتَ، وَكُنْتُ قَادِرًا أَنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ. فَقَالَ علي رضي الله عنه: صَدَقَ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ. فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ» . وَكَانَ عِنْدَ آلِ محمد بن مسلمة سَيْفُهُ فِيهِ كِتَابٌ لَا يُدْرَى مَا فِيهِ حَتَّى قَرَأَهُ يَهُودِيٌّ فَإِذَا فِيهِ:
هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ
…
مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ
ثُمَّ خَرَجَ [بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ] ياسر فَبَرَزَ إِلَيْهِ الزبير، فَقَالَتْ صفية أُمُّهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَقْتُلُ ابْنِي؟ قَالَ:" بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". فَقَتَلَهُ الزبير.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ دَخَلَ الْيَهُودُ حِصْنًا لَهُمْ مَنِيعًا يُقَالُ لَهُ: الْقَمُوصُ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَتْ أَرْضًا وَخْمَةً شَدِيدَةَ الْحَرِّ، فَجَهِدَ الْمُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا، فَذَبَحُوا الْحُمُرَ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِهَا، وَجَاءَ عَبْدٌ أَسْوَدُ حَبَشِيٌّ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ كَانَ فِي غَنَمٍ لِسَيِّدِهِ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ قَدْ أَخَذُوا السِّلَاحَ سَأَلَهُمْ: مَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُقَاتِلُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( «فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لَا تَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ. قَالَ الْعَبْدُ: فَمَا لِي إِنْ شَهِدْتُ وَآمَنْتُ بِاللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: لَكَ الْجَنَّةُ إِنْ مِتَّ عَلَى ذَلِكَ. فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ عِنْدِي أَمَانَةٌ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجْهَا مِنْ عِنْدِكَ وَارْمِهَا بِالْحَصْبَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ. فَفَعَلَ، فَرَجَعَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا، فَعَلِمَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلَامَهُ قَدْ أَسْلَم، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَوَعَظَهُمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ قُتِلَ فِيمَنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ، فَاحْتَمَلَهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ، فَأُدْخِلَ فِي الْفُسْطَاطِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اطَّلَعَ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ هَذَا الْعَبْدَ وَسَاقَهُ إِلَى خَيْرٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ سَجْدَةً قَطُّ» ) .
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثابت، عَنْ أنس:( «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ، قَبِيحُ الْوَجْهِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، لَا مَالَ لِي، فَإِنْ قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُقْتَلَ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَتَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَقْتُولٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ، وَكَثَّرَ مَالَكَ. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يَنْزِعَانِ جُبَّتَهُ عَنْهُ يَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبَّتِهِ» ) .
وَقَالَ شداد بن الهاد: ( «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَقَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَقَسَمَهُ، وَقَسَمَ لِلْأَعْرَابِيِّ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَهُ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ. قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ. ثُمَّ نَهَضَ إِلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ: أَهْوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ. فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُبَّتِهِ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ لَهُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ قُتِلَ شَهِيدًا وَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ» ) .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ ( «وَتَحَوَّلَتِ الْيَهُودُ إِلَى قَلْعَةِ الزبير - حِصْنٍ مَنِيعٍ فِي رَأْسِ قُلَّةٍ - فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: عَزَالٌ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ شَهْرًا مَا بَالَوْا، إِنَّ لَهُمْ شَرَابًا وَعُيُونًا تَحْتَ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْكَ، فَإِنْ قَطَعْتَ مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ أَصْحَرُوا لَكَ. فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَائِهِمْ فَقَطَعَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا قُطِعَ عَلَيْهِمْ خَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَرٌ، وَأُصِيبَ نَحْوُ الْعَشَرَةِ مِنَ الْيَهُودِ، وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الْكُتَيْبَةِ وَالْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ حِصْنِ ابن أبي الحقيق، فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ أَشَدَّ التَّحَصُّنِ، وَجَاءَهُمْ كُلُّ فَلٍّ كَانَ انْهَزَمَ مِنَ النَّطَاةِ وَالشِّقِّ، فَإِنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ جَانِبَيْنِ الْأَوَّلُ: الشِّقُّ وَالنَّطَاةُ، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَهُ أَوَّلًا، وَالْجَانِبُ الثَّانِي: الْكُتَيْبَةُ وَالْوَطِيحُ وَالسُّلَالِمُ، فَجَعَلُوا لَا يَخْرُجُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ حَتَّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْصِبَ
عَلَيْهِمُ الْمَنْجَنِيقَ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّلْحَ، وَأَرْسَلَ ابن أبي الحقيق إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْزِلُ فَأُكَلِّمُكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ "، فَنَزَلَ ابن أبي الحقيق فَصَالَحَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي حُصُونِهِمْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَتَرْكِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمْ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيِّهِمْ، وَيُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ وَعَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ، إِلَّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رسوله إِنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا ". فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَلِكَ» ) .
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ، فَغَلَبَ عَلَى الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالْأَرْضِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لحيي بن أخطب، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّ حيي بن أخطب: مَا فَعَلَ مَسْكُ حيي الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ . قَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ. فَقَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الزبير فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَا هُنَا. فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صفية بنت حيي بن أخطب، وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ. وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ
الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَكُلِّ ثَمَرٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يَقْتُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الصُّلْحِ إِلَّا ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ لِلنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا؛ فَإِنَّهُمْ شَرَطُوا إِنْ غَيَّبُوا أَوْ كَتَمُوا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَغَيَّبُوا، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ الْمَالُ الَّذِي خَرَجْتُمْ بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ حِينَ أَجْلَيْنَاكُمْ؟ قَالُوا: ذَهَبَ. فَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَرَفَ ابْنُ عَمِّ كِنَانَةَ عَلَيْهِمَا بِالْمَالِ حِينَ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الزبير يُعَذِّبُهُ. فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِنَانَةَ إِلَى محمد بن مسلمة فَقَتَلَهُ» ، وَيُقَالُ: إِنَّ كِنَانَةَ هُوَ كَانَ قَتَلَ أَخَاهُ محمود بن مسلمة.
( «وَسَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب وَابْنَةَ عَمَّتِهَا، وَكَانَتْ صفية تَحْتَ كنانة بن أبي الحقيق، وَكَانَتْ عَرُوسًا حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِالدُّخُولِ، فَأَمَرَ بلالا أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إِلَى رَحْلِهِ، فَمَرَّ بِهَا بلال وَسْطَ الْقَتْلَى، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: أَذَهَبَتِ الرَّحْمَةُ مِنْكَ يَا بلال؟!)
وَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَأَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَبَنَى بِهَا فِي الطَّرِيقِ، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا، وَرَأَى بِوَجْهِهَا خُضْرَةً فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُرِيتُ قَبْلَ قُدُومِكَ عَلَيْنَا كَأَنَّ الْقَمَرَ زَالَ مِنْ مَكَانِهِ فَسَقَطَ فِي حِجْرِي، وَلَا وَاللَّهِ مَا أَذْكُرُ مِنْ شَأْنِكَ شَيْئًا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى زَوْجِي فَلَطَمَ وَجْهِي وَقَالَ: تَمَنِّينَ هَذَا الْمَلِكَ الَّذِي بِالْمَدِينَةِ)