الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَشَكَّ الصَّحَابَةُ هَلِ اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً أَوْ زَوْجَةً؟ فَقَالُوا: انْظُرُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ إِحْدَى نِسَائِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا رَكِبَ (جَعَلَ ثَوْبَهُ الَّذِي ارْتَدَى بِهِ عَلَى ظَهْرِهَا وَوَجْهِهَا، ثُمَّ شَدَّ طَرَفَهُ تَحْتَهُ، فَتَأَخَّرُوا عَنْهُ فِي الْمَسِيرِ، وَعَلِمُوا أَنَّهَا إِحْدَى نِسَائِهِ، وَلَمَّا قَدِمَ لِيَحْمِلَهَا عَلَى الرَّحْلِ أَجَلَّتْهُ أَنْ تَضَعَ قَدَمَهَا عَلَى فَخِذِهِ فَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ رَكِبَتْ.
وَلَمَّا بَنَى بِهَا بَاتَ أبو أيوب لَيْلَتَهُ قَائِمًا قَرِيبًا مِنْ قُبَّتِهِ، آخِذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ أبو أيوب حِينَ رَآهُ قَدْ خَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ يَا أبا أيوب؟ فَقَالَ لَهُ: أَرِقْتُ لَيْلَتِي هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا دَخَلْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، ذَكَرْتُ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا وَعَامَّةَ عَشِيرَتِهَا، فَخِفْتُ أَنْ تَغْتَالَكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا» ) .
[فَصْلٌ في قَسْمُ خَيْبَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ]
فَصْلٌ
وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا، جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ، فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةِ سَهْمٍ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ، لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَزَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ البيهقي: وَهَذَا لِأَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَ شَطْرُهَا عَنْوَةً وَشَطْرُهَا صُلْحًا، فَقَسَمَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً بَيْنَ أَهْلِ الْخُمُسِ وَالْغَانِمِينَ، وَعَزَلَ مَا فُتِحَ صُلْحًا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، أَنَّهُ يَجِبُ قَسْمُ الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً كَمَا تُقْسَمُ سَائِرُ الْمَغَانِمِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْهُ قَسَمَ النِّصْفَ مِنْ خَيْبَرَ، قَالَ: إِنَّهُ فُتِحَ صُلْحًا. وَمَنْ تَأَمَّلَ السِّيَرَ وَالْمَغَازِيَ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ خَيْبَرَ إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِهَا كُلِّهَا بِالسَّيْفِ عَنْوَةً، وَلَوْ فُتِحَ شَيْءٌ مِنْهَا صُلْحًا لَمْ يُجْلِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا قَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْأَرْضِ مِنْكُمْ، دَعُونَا نَكُونُ فِيهَا وَنَعْمُرُهَا لَكُمْ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ جِدًّا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ بِهَا مِنَ الْحِرَابِ وَالْمُبَارَزَةِ وَالْقَتْلِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمَّا أُلْجِئُوا إِلَى حِصْنِهِمْ نَزَلُوا عَلَى الصُّلْحِ الَّذِي بَذَلُوهُ، أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالسِّلَاحَ، وَلَهُمْ رِقَابُهُمْ وَذُرِّيَّتُهُمْ، وَيُجْلُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كَانَ الصُّلْحَ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ، وَلَا جَرَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا، فَكَيْفَ يُقِرُّهُمْ فِي أَرْضِهِمْ مَا شَاءَ؟ وَلَمَّا كَانَ عمر أَجْلَاهُمْ كُلَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، هَذَا لَمْ يَقَعْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ عَلَى خَيْبَرَ خَرَاجًا الْبَتَّةَ.
فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا، أَوْ قَسْمِ بَعْضِهَا وَوَقْفِ الْبَعْضِ، وَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، فَقَسَمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَلَمْ يَقْسِمْ مَكَّةَ، وَقَسَمَ شَطْرَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ شَطْرَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ كَوْنِ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِمَا لَا مَدْفَعَ لَهُ.
وَإِنَّمَا قُسِمَتْ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ، لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، فَقُسِمَتْ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا.
وَقَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ( «أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» )
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: كَأَنَّهُ سَمِعَ نافعا يَقُولُ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، فَقَالَ: لِلْفَارِسِ، وَلَيْسَ يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَقَدُّمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى أَخِيهِ فِي الْحِفْظِ، وَقَدْ أَنْبَأَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ إسحاق الأزرق الواسطي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ» ) .
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أبي معاوية عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ» ) ، وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وأبو أسامة عَنْ عبيد الله.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَرَوَى مجمع بن جارية أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( «قَسَمَ سِهَامَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» )