الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَكَ فَيُحْرِجَكَ " قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ الضَّالَّةَ مِنَ الْغَنَمِ أَجِدُهَا فِي الْفَلَاةِ مِنَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ " قَالَ: فَالْبَعِيرَ؟ قَالَ: " مَا لَكَ وَلَهُ؟ دَعْهُ حَتَّى يَجِدَهُ صَاحِبُهُ "، قَالَ رويفع: ثُمَّ قَامُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَنْزِلِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي مَنْزِلِي يَحْمِلُ تَمْرًا فَقَالَ: " اسْتَعِنْ بِهَذَا التَّمْرِ "، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، فَأَقَامُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ وَدَّعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَجَازَهُمْ وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ» ) .
[ما يتعلق بقصة وفد بلي من فوائد]
فَصْلٌ
فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْفِقْهِ: إِنَّ لِلضَّيْفِ حَقًّا عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِ، وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: حَقٌّ وَاجِبٌ، وَتَمَامٌ مُسْتَحَبٌّ، وَصَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.
فَالْحَقُّ الْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي شريح الخزاعي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ "، قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَى يُحْرِجَهُ» )
وَفِيهِ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْغَنَمِ، وَأَنَّ الشَّاةَ إِذَا لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَهِيَ مِلْكُ الْمُلْتَقِطِ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ يُخَيَّرُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ أَكْلِهِ فِي الْحَالِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهَا لَهُ، إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ صَاحِبُهَا، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ، خُيِّرَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا ظَهَرَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ أَوْ قِيمَتَهَا، وَأَمَّا مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِ أحمد فَعَلَى خِلَافِ هَذَا. قَالَ أبو الحسين: لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَ: وَإِنْ قُلْنَا: يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ
كَالْغَنَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بِأَكْلٍ وَلَا غَيْرِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ ابن عقيل. وَنَصَّ أحمد فِي رِوَايَةِ أبي طالب فِي الشَّاةِ: يُعَرِّفُهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا رَدَّهَا إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّرِيفَانِ: لَا يَمْلِكُ الشَّاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أبو بكر: وَضَالَّةُ الْغَنَمِ إِذَا أَخَذَهَا يُعَرِّفُهَا سَنَةً، وَهُوَ الْوَاجِبُ، فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا كَانَتْ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَفْقَهُ وَأَقْرَبُ إِلَى مَصْلَحَةِ الْمُلْتَقِطِ وَالْمَالِكِ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ تَعْرِيفُهَا سَنَةً مُسْتَلْزِمًا لِتَغْرِيمِ مَالِكِهَا أَضْعَافَ قِيمَتِهَا إِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ اسْتَلْزَمَ تَغْرِيمَ الْمُلْتَقِطِ ذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ يَدَعُهَا وَلَا يَلْتَقِطُهَا كَانَتْ لِلذِّئْبِ وَتَلِفَتْ، وَالشَّارِعُ لَا يَأْمُرُ بِضَيَاعِ الْمَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الَّذِي رَجَّحْتُمُوهُ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أحمد وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ وَلِلدَّلِيلِ أَيْضًا.
أَمَّا مُخَالَفَةُ نُصُوصِ أحمد فَمِمَّا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ فِي رِوَايَةِ أبي طالب، وَنَصَّ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ فِي مُضْطَرٍّ وَجَدَ شَاةً مَذْبُوحَةً وَشَاةً مَيِّتَةً، قَالَ: يَأْكُلُ مِنَ الْمَيِّتَةِ وَلَا يَأْكُلُ مِنَ الْمَذْبُوحَةِ، الْمَيِّتَةُ أُحِلَّتْ وَالْمَذْبُوحَةُ لَهَا صَاحِبٌ قَدْ ذَبَحَهَا. يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا وَيَطْلُبَ صَاحِبَهَا، فَإِذَا أَوْجَبَ إِبْقَاءَ الْمَذْبُوحَةِ عَلَى حَالِهَا، فَإِبْقَاءُ الشَّاةِ الْحَيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ، فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:«يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: (هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، احْبِسْ عَلَى أَخِيكَ ضَالَّتَهُ " وَفِي لَفْظٍ: " رُدَّ عَلَى أَخِيكَ ضَالَّتَهُ» ") وَهَذَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالذَّبْحَ.
قِيلَ: لَيْسَ فِي نَصِّ أحمد أَكْثَرُ مِنَ التَّعْرِيفِ، وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهَا وَبَيْعِهَا وَحِفْظِهَا، لَا يَقُولُ بِسُقُوطِ التَّعْرِيفِ بَلْ يُعَرِّفُهَا مَعَ ذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفَ شِيَتَهَا وَعَلَامَتَهَا، فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ. فَقَوْلُ أحمد: يُعَرِّفُهَا أَعَمُّ مِنْ تَعْرِيفِهَا