الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُنَّتِهِ، فَقَتَلَهُ، وَصَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً شَدِيدَةً أَفْزَعَتْ مَنْ حَوْلَهُ. وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، وَجَاءَ الْوَفْدُ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَجُرِحَ الحارث بن أوس بِبَعْضِ سُيُوفِ أَصْحَابِهِ، فَتَفَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَرِئَ، فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِ مَنْ وُجِدَ مِنَ الْيَهُودِ لِنَقْضِهِمْ عَهْدَهُ وَمُحَارَبَتِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ) .
[فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ]
[أحداث غزوة أحد]
فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ
وَلَمَّا قَتَلَ اللَّهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ، وَأُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهَا، وَرَأَسَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِذَهَابِ أَكَابِرِهِمْ، وَجَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا إِلَى أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ السَّوِيقِ، وَلَمْ يَنَلْ مَا فِي نَفْسِهِ، أَخَذَ يُؤَلِّبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَجْمَعُ الْجُمُوعَ، فَجَمَعَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْحُلَفَاءِ، وَالْأَحَابِيشِ، وَجَاءُوا بِنِسَائِهِمْ لِئَلَّا يَفِرُّوا، وَلِيُحَامُوا عَنْهُنَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ. فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: عَيْنَيْنِ، وَذَلِكَ فِي
شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، أَمْ يَمْكُثُ فِي الْمَدِينَةِ؟ وَكَانَ رَأْيُهُ أَلَّا يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَنْ يَتَحَصَّنُوا بِهَا، فَإِنْ دَخَلُوهَا، قَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَزِقَّةِ، وَالنِّسَاءُ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ عبد الله بن أبي، وَكَانَ هُوَ الرَّأْيَ، فَبَادَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ فَاتَهُ الْخُرُوجُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ عبد الله بن أبي بِالْمُقَامِ فِي الْمَدِينَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَأَلَحَّ أُولَئِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَهَضَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدِ انْثَنَى عَزْمُ أُولَئِكَ، وَقَالُوا: أَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُرُوجِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَمْكُثَ فِي الْمَدِينَةِ فَافْعَلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ» ) .
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَلْفٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَنْ بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَى رُؤْيَا وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، رَأَى أَنَّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً، وَرَأَى أَنَّ بَقَرًا تُذْبَحُ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَتَأَوَّلَ الثُّلْمَةَ فِي سَيْفِهِ بِرَجُلٍ يُصَابُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَتَأَوَّلَ الْبَقَرَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ وَتَأَوَّلَ الدِّرْعَ بِالْمَدِينَةِ.
فَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا صَارَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عبد الله بن أبي بِنَحْوِ ثُلُثِ الْعَسْكَرِ، وَقَالَ: تُخَالِفُنِي وَتَسْمَعُ مِنْ غَيْرِي، فَتَبِعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُوَبِّخُهُمْ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى الرُّجُوعَ، وَيَقُولُ: تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ ادْفَعُوا. قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ
تُقَاتِلُونَ، لَمْ نَرْجِعْ، فَرَجَعَ عَنْهُمْ، وَسَبَّهُمْ، وَسَأَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِحُلَفَائِهِمْ مِنْ يَهُودَ، فَأَبَى، وَسَلَكَ حَرَّةَ بَنِي حَارِثَةَ، وَقَالَ:( «مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ» ) ؟ ، فَخَرَجَ بِهِ بَعْضُ الْأَنْصَارِ حَتَّى سَلَكَ فِي حَائِطٍ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ أَعْمَى، فَقَامَ يَحْثُو التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُولُ: لَا أُحِلِّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ فِي حَائِطِي إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ، فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ:( «لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ» ) .
وَنَفَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ فِي عُدْوَةِ الْوَادِي، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَنَهَى النَّاسَ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَأْمُرَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ يَوْمَ السَّبْتِ، تَعَبَّى لِلْقِتَالِ، وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، فِيهِمْ خَمْسُونَ فَارِسًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الرُّمَاةِ - وَكَانُوا خَمْسِينَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَمَرَهُ وَأَصْحَابَهُ أَنْ يَلْزَمُوا مَرْكَزَهُمْ، وَأَلَّا يُفَارِقُوهُ، وَلَوْ رَأَى الطَّيْرَ تَتَخَطَّفُ الْعَسْكَرَ، وَكَانُوا خَلْفَ الْجَيْشِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْضَحُوا الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ، لِئَلَّا يَأْتُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ.
فَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دِرْعَيْنِ يَوْمَئِذٍ، وَأَعْطَى اللِّوَاءَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَجَعَلَ عَلَى إِحْدَى الْمَجْنَبَتَيْنِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَعَلَى الْأُخْرَى المنذر بن عمرو، وَاسْتَعْرَضَ الشَّبَابَ يَوْمَئِذٍ فَرَدَّ مَنِ اسْتَصْغَرَهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَكَانَ مِنْهُمْ عبد الله بن عمر، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وأسيد بن ظهير، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ،
وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم، وَأَجَازَ مَنْ رَآهُ مُطِيقًا، وَكَانَ مِنْهُمْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَلَهُمَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. فَقِيلَ: أَجَازَ مَنْ أَجَازَ لِبُلُوغِهِ بِالسِّنِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَدَّ مَنْ رَدَّ لِصِغَرِهِ عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا أَجَازَ مَنْ أَجَازَ لِإِطَاقَتِهِ، وَرَدَّ مَنْ رَدَّ لِعَدَمِ إِطَاقَتِهِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ فِي ذَلِكَ قَالُوا: وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: ( «فَلَمَّا رَآنِي مُطِيقًا أَجَازَنِي» ) .
وَتَعَبَّتْ قُرَيْشٌ لِلْقِتَالِ، وَهُمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَهُ إِلَى أَبِي دُجَانَةَ سِمَاكِ بْنِ خَرَشَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا بَطَلًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَدَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أبو عامر الفاسق، واسمه عبد عمرو بن صيفي، وَكَانَ يُسَمَّى: الرَّاهِبَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَاسِقَ، وَكَانَ رَأْسَ الْأَوْسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ شَرِقَ بِهِ، وَجَاهَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَدَاوَةِ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَذَهَبَ إِلَى قُرَيْشٍ يُؤَلِّبُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَحُضُّهُمْ عَلَى قِتَالِهِ، وَوَعَدَهُمْ بِأَنَّ قَوْمَهُ إِذَا رَأَوْهُ أَطَاعُوهُ، وَمَالُوا مَعَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَادَى قَوْمَهُ، وَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: لَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا يَا فَاسِقُ. فَقَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ، ثُمَّ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَمِتْ.
وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وأنس بن النضر، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ.
وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ، فَانْهَزَمَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى نِسَائِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى الرُّمَاةُ هَزِيمَتَهُمْ تَرَكُوا مَرْكَزَهُمُ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِهِ، وَقَالُوا: يَا قَوْمُ الْغَنِيمَةَ. فَذَكَّرَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَظَنُّوا أَنْ لَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ رَجْعَةٌ، فَذَهَبُوا فِي طَلَبِ الْغَنِيمَةِ، وَأَخْلَوُ الثَّغْرَ، وَكَرَّ فُرْسَانُ الْمُشْرِكِينَ، فَوَجَدُوا الثَّغْرَ خَالِيًا، قَدْ خَلَا مِنَ الرُّمَاةِ، فَجَازُوا مِنْهُ، وَتَمَكَّنُوا حَتَّى أَقْبَلَ آخِرُهُمْ، فَأَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ، فَأَكْرَمَ اللَّهُ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ بِالشَّهَادَةِ، وَهُمْ سَبْعُونَ، وَتَوَلَّى الصَّحَابَةُ، وَخَلَصَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَرَحُوا وَجْهَهُ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى، وَكَادَتِ السُّفْلَى، وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ، وَسَقَطَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْحُفَرِ الَّتِي كَانَ أبو عامر الْفَاسِقُ يَكِيدُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ علي بِيَدِهِ، وَاحْتَضَنَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى أَذَاهُ صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة، وعتبة بن أبي وقاص، وَقِيلَ: إِنَّ عبد الله بن شهاب الزهري، عَمَّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، هُوَ الَّذِي شَجَّهُ.
وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَشِبَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْهِهِ، فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ
وَعَضَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ مِنْ شِدَّةِ غَوْصِهِمَا فِي وَجْهِهِ، وَامْتَصَّ مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدَّمَ مِنْ وَجْنَتِهِ، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ مَا اللَّهُ حَائِلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَحَالَ دُونَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَحْوُ عَشَرَةٍ حَتَّى قُتِلُوا، ثُمَّ جَالَدَهُمْ طلحة حَتَّى أَجْهَضَهُمْ عَنْهُ، وَتَرَّسَ أبو دجانة عَلَيْهِ بِظَهْرِهِ، وَالنَّبْلُ يَقَعُ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ، ( «وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِيَدِهِ، وَكَانَتْ أَصَحَّ عَيْنَيْهِ وَأَحْسَنَهُمَا» )، وَصَرَخَ الشَّيْطَانُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَرَّ أَكْثَرُهُمْ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.
( «وَمَرَّ أنس بن النضر بِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ مَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، وَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ
فَقَالَ: يَا سعد إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ مِنْ دُونِ أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَوُجِدَ بِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً، وَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ جِرَاحَةً» ) .
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ عَرَفَهُ تَحْتَ الْمِغْفَرِ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَهَضُوا مَعَهُ إِلَى الشِّعْبِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ، وَفِيهِمْ أبو بكر، وعمر، وعلي، والحارث بن الصمة الأنصاري، وَغَيْرُهُمْ، فَلَمَّا اسْتَنَدُوا إِلَى الْجَبَلِ، أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف عَلَى جَوَادٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الْعَوْذُ، زَعَمَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَّهُ يَقْتُلُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهُ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَرْبَةَ مِنَ الحارث بن الصمة، فَطَعَنَهُ بِهَا، فَجَاءَتْ فِي تَرْقُوَتِهِ، فَكَرَّ عَدُوُّ اللَّهِ مُنْهَزِمًا، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: وَاللَّهِ مَا بِكَ مِنْ بَأْسٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَا بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ، لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، وَكَانَ يَعْلِفُ فَرَسَهُ بِمَكَّةَ وَيَقُولُ: أَقْتُلُ عَلَيْهِ مُحَمَّدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:( «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» )، فَلَمَّا طَعَنَهُ تَذَكَّرَ عَدُوُّ اللَّهِ قَوْلَهُ: أَنَا قَاتِلُهُ، فَأَيْقَنَ بِأَنَّهُ مَقْتُولٌ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ، فَمَاتَ مِنْهُ فِي طَرِيقِهِ بِسَرِفَ مَرْجِعَهُ إِلَى مَكَّةَ.
وَجَاءَ علي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَوَجَدَهُ آجِنًا، فَرَدَّهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، وَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْلُوَ صَخْرَةً هُنَالِكَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ لِمَا بِهِ، فَجَلَسَ طلحة تَحْتَهُ حَتَّى صَعِدَهَا، وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَصَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَحْتَ لِوَاءِ الْأَنْصَارِ.
وَشَدَّ حنظلة الْغَسِيلُ، وَهُوَ حنظلة بن أبي عامر عَلَى أبي سفيان، فَلَمَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ حَمَلَ عَلَى حنظلة شداد بن الأسود فَقَتَلَهُ، ( «وَكَانَ جُنُبًا فَإِنَّهُ سَمِعَ الصَّيْحَةَ وَهُوَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الْجِهَادِ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ " أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ " ثُمَّ قَالَ: " سَلُوا أَهْلَهُ؟ مَا شَأْنُهُ؟ " فَسَأَلُوا امْرَأَتَهُ، فَأَخْبَرَتْهُمُ الْخَبَرَ» ) . وَجَعَلَ الْفُقَهَاءُ هَذَا حُجَّةً، أَنَّ الشَّهِيدَ إِذَا قُتِلَ جُنُبًا، يُغَسَّلُ اقْتِدَاءً بِالْمَلَائِكَةِ.
وَقَتَلَ الْمُسْلِمُونَ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَرَفَعَتْهُ لَهُمْ عمرة بنت علقمة الحارثية حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَقَاتَلَتْ أم عمارة، وهي نسيبة بنت كعب المازنية قِتَالًا شَدِيدًا، وَضَرَبَتْ عمرو بن قمئة بِالسَّيْفِ ضَرَبَاتٍ فَوَقَتْهُ دِرْعَانِ كَانَتَا عَلَيْهِ، وَضَرَبَهَا عمرو بِالسَّيْفِ فَجَرَحَهَا جُرْحًا شَدِيدًا عَلَى عَاتِقِهَا.
«وَكَانَ عمرو بن ثابت المعروف بالأصيرم مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَذَفَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِهِ لِلْحُسْنَى الَّتِي سَبَقَتْ
لَهُ مِنْهُ، فَأَسْلَمَ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، وَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَاتَلَ فَأُثْبِتَ بِالْجِرَاحِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ، فَلَمَّا انْجَلَتِ الْحَرْبُ، طَافَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي الْقَتْلَى، يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ، فَوَجَدُوا الأصيرم وَبِهِ رَمَقٌ يَسِيرُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الأصيرم، مَا جَاءَ بِهِ، لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْأَمْرِ، ثُمَّ سَأَلُوهُ مَا الَّذِي جَاءَ بِكَ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِكَ، أَمْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: بَلْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ قَاتَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصَابَنِي مَا تَرَوْنَ، وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:(هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ صَلَاةً قَطُّ.
فَأَمَرَهُمْ بِجَوَابِهِ عِنْدَ افْتِخَارِهِ بِآلِهَتِهِ، وَبِشِرْكِهِ تَعْظِيمًا لِلتَّوْحِيدِ، وَإِعْلَامًا بِعِزَّةِ مَنْ عَبَدَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقُوَّةِ جَانِبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُغْلَبُ، وَنَحْنُ حِزْبُهُ وَجُنْدُهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِجَابَتِهِ حِينَ قَالَ: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ أَفِيكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِيكُمْ عمر؟ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: لَا تُجِيبُوهُ، لِأَنَّ كَلْمَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَرَدَ بَعْدُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، وَنَارُ غَيْظِهِمْ بَعْدُ مُتَوَقِّدَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ، حَمِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَكَانَ فِي هَذَا الْإِعْلَامِ مِنَ الْإِذْلَالِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَعَدَمِ الْجُبْنِ وَالتَّعَرُّفِ إِلَى الْعَدُوِّ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَا يُؤْذِنُهُمْ بِقُوَّةِ الْقَوْمِ وَبَسَالَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا، وَأَنَّهُ وَقَوْمَهُ جَدِيرُونَ بِعَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَبْقَى اللَّهُ لَهُمْ مَا يَسُوءُهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِي الْإِعْلَامِ بِبَقَاءِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهْلَةٌ بَعْدَ ظَنِّهِ وَظَنِّ قَوْمِهِ أَنَّهُمْ قَدْ أُصِيبُوا، مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَغَيْظِ الْعَدُوِّ وَحِزْبِهِ، وَالْفَتِّ فِي عَضُدِهِ مَا لَيْسَ فِي جَوَابِهِ حِينَ سَأَلَ عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْهُمْ، وَنَعْيُهُمْ لِقَوْمِهِ آخِرَ سِهَامِ الْعَدُوِّ وَكَيْدِهِ، فَصَبَرَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَوْفَى كَيْدَهُ، ثُمَّ انْتُدِبَ لَهُ عمر، فَرَدَّ سِهَامَ كَيْدِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ تَرْكُ الْجَوَابِ أَوَّلًا عَلَيْهِ أَحْسَنَ، وَذِكْرُهُ ثَانِيًا أَحْسَنَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ حِينَ سَأَلَ عَنْهُمْ إِهَانَةً لَهُ، وَتَصْغِيرًا لِشَأْنِهِ، فَلَمَّا مَنَّتْهُ نَفْسُهُ مَوْتَهُمْ، وَظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْأَشَرِ مَا حَصَلَ، كَانَ فِي جَوَابِهِ إِهَانَةٌ لَهُ، وَتَحْقِيرٌ، وَإِذْلَالٌ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُخَالِفًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(لَا تُجِيبُوهُ) فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِجَابَتِهِ حِينَ سَأَلَ: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ أَفِيكُمْ فُلَانٌ؟ أَفِيكُمْ فُلَانٌ؟ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إِجَابَتِهِ حِينَ قَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ، فَقَدْ قُتِلُوا. وَبِكُلِّ حَالٍ، فَلَا أَحْسَنَ مِنْ تَرْكِ إِجَابَتِهِ أَوَّلًا، وَلَا أَحْسَنَ مِنْ إِجَابَتِهِ ثَانِيًا.
ثُمَّ قَالَ أبو سفيان: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، فَأَجَابَهُ عمر، فَقَالَ:(لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ( «مَا نُصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْطِنٍ نَصْرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ يُنْكِرُ كِتَابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] [آلِ عِمْرَانَ: 152] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْحَسُّ: الْقَتْلُ، وَلَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ» ) . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَالنُّعَاسُ فِي الْحَرْبِ وَعِنْدَ الْخَوْفِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْنِ، وَهُوَ مِنَ اللَّهِ، وَفِي الصَّلَاةِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَقَاتَلَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:( «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ» ) .
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": ( «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ، قَالَ: " مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ، فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا» ) وَهَذَا يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ: بِسُكُونِ
الْفَاءِ وَنَصْبِ " أَصْحَابَنَا " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ وَرَفْعِ " أَصْحَابُنَا " عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ.
وَوَجْهُ النَّصْبِ: أَنَّ الْأَنْصَارَ لَمَّا خَرَجُوا لِلْقِتَالِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قُتِلُوا، وَلَمْ يَخْرُجِ الْقُرَشِيَّانِ، قَالَ ذَلِكَ، أَيْ: مَا أَنْصَفَتْ قُرَيْشٌ الْأَنْصَارَ.
وَوَجْهُ الرَّفْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَصْحَابِ الَّذِينَ فَرُّوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُفْرِدَ فِي النَّفَرِ الْقَلِيلِ، فَقُتِلُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَلَمْ يُنْصِفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ.
وَفِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " عَنْ عائشة، قَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: ( «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْصَرَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يُقَاتِلُ عَنْهُ وَيَحْمِيهِ، قُلْتُ: كُنْ طلحة فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، كُنْ طلحة فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. فَلَمْ أَنْشَبْ، أَنْ أَدْرَكَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَإِذَا هُوَ يَشْتَدُّ كَأَنَّهُ طَيْرٌ حَتَّى لَحِقَنِي، فَدَفَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا طلحة بَيْنَ يَدَيْهِ صَرِيعًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " دُونَكُمْ أَخَاكُمْ فَقَدْ أَوْجَبَ "، وَقَدْ رُمِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جَبِينِهِ، وَرُوِيَ فِي وَجْنَتِهِ، حَتَى غَابَتْ حَلْقَةٌ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ، فَذَهَبْتُ لِأَنْزِعَهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أبو عبيدة: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا أبا بكر إِلَّا تَرَكْتَنِي؟ قَالَ: فَأَخَذَ أبو عبيدة السَّهْمَ بِفِيهِ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ كَرَاهَةَ أَنْ يُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَلَّ السَّهْمَ بِفِيهِ، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبي عبيدة، قَالَ أبو بكر: ثُمَّ ذَهَبْتُ لِآخُذَ الْآخَرَ، فَقَالَ أبو عبيدة: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا أبا بكر إِلَّا تَرَكْتَنِي؟ قَالَ فَأَخَذَهُ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضُهُ حَتَى اسْتَلَّهُ، فَنَدَرَتْ ثَنِيَّةُ أبي عبيدة الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " دُونَكُمْ أَخَاكُمْ فَقَدْ أَوْجَبَ "، قَالَ: فَأَقْبَلْنَا عَلَى طلحة نُعَالِجُهُ، وَقَدْ أَصَابَتْهُ بِضْعَةَ عَشَرَ ضَرْبَةً» ) .
وَفِي " مَغَازِي الْأُمَوِيِّ ": أَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا عَلَى الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسعد " اجْنُبْهُمْ " يَقُولُ: ارْدُدْهُمْ. فَقَالَ: كَيْفَ أَجْنُبُهُمْ وَحْدِي؟ فَقَالَ: ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَأَخَذَ سعد سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَرَمَى بِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذْتُ سَهْمِي أَعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ أَعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، فَهَبَطُوا مِنْ مَكَانِهِمْ، فَقُلْتُ: هَذَا سَهْمٌ مُبَارَكٌ، فَجَعَلْتُهُ فِي كِنَانَتِي، فَكَانَ عِنْدَ سعد حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ كَانَ عِنْدَ بَنِيهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أبي حازم، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:( «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ، كَانَتْ فاطمة ابْنَتُهُ تَغْسِلُهُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فاطمة أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا، فَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ» ) .
وَفِي " الصَّحِيحِ ": ( «أَنَّهُ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] » )[آلِ عِمْرَانَ: 128] .
وَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ لَمْ يَنْهَزِمْ أنس بن النضر، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا أبا عمر؟ فَقَالَ أنس:
وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ يَا سعد، إِنِّي أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، ثُمَّ مَضَى، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ) .
وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَصَرَخَ فِيهِمْ إِبْلِيسُ! أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، أَخْزَاكُمُ اللَّهُ، فَارْجِعُوا مِنَ الْهَزِيمَةِ، فَاجْتَلِدُوا.
( «وَنَظَرَ حذيفة إِلَى أَبِيهِ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، وَهُمْ يَظُنُّونَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ! أَبِي، فَلَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَهُ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدِيَهُ، فَقَالَ قَدْ تَصَدَّقْتُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَزَادَ ذَلِكَ حذيفة خَيْرًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ) .
( «وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ أَطْلُبُ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لِي: إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ، وَفِيهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً، مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ: يَا سعد، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ: وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامُ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِيَ الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ خُلِصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَفَاضَتْ نَفْسُهُ مِنْ وَقْتِهِ» ) .
( «وَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَشَعَرْتَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ، فَقَدْ بَلَّغَ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ، فَنَزَلَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] » ) الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 142] .
وَقَالَ ( «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ حَرَامٍ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَبْلَ أُحُدٍ، مبشر بن عبد المنذر، يَقُولُ لِي: أَنْتَ قَادِمٌ عَلَيْنَا فِي أَيَّامٍ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: فِي الْجَنَّةِ نَسْرَحُ فِيهَا كَيْفَ نَشَاءُ. قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تُقْتَلْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: بَلَى ثُمَّ أُحْيِيتُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ يَا أبا جابر» ) .
وَقَالَ عبد الله بن جحش فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ أَلْقَى
الْعَدُوَّ غَدًا فَيَقْتُلُونِي، ثُمَّ يَبْقُرُوا بَطْنِي، وَيَجْدَعُوا أَنْفِي، وَأُذُنِي، ثُمَّ تَسْأَلُنِي: فِيمَ ذَلِكَ فَأَقُولُ فِيكَ) .
(وَانْتَهَى أنس بن النضر إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ ، فَقَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ فَقُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى
قُتِلَ) .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (إِنِّي لَأَسِيرُ بِبَطْنِ رَابِغٍ بَعْدَ هَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ، إِذَا نَارٌ تَأَجَّجُ لِي فَيَمَّمْتُهَا، وَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَصِيحُ الْعَطَشَ، وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: لَا تَسْقِهِ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا أبي بن خلف) .
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أُحُدًا، فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْلِ يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عبد الله بن شهاب الزهري، يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِهِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ جَاوَزَهُ، فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صفوان، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ، إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ، فَخَرَجْنَا أَرْبَعَةً، فَتَعَاهَدْنَا، وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَى ذَلِكَ.
( «وَلَمَّا مَصَّ مالك أبو أبي سعيد الخدري جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَنْقَاهُ قَالَ لَهُ: " مُجَّهُ "، قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَمُجُّهُ أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» ) .