الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَقِيفٍ، وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ قَرَأْتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْقُرْآنَ يَتَفَلَّتُ مِنِّي، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ:" يَا شَيْطَانُ اخْرُجْ مِنْ صَدْرِ عثمان " فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ أُرِيدُ حِفْظَهُ) » .
[فصل ما في قصة قدوم وفد ثقيف من الأحكام]
فَصْلٌ
وَفِي قِصَّةِ هَذَا الْوَفْدِ مِنَ الْفِقْهِ، أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا غَدَرَ بِقَوْمِهِ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ قَدِمَ مُسْلِمًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا لِمَا أَخَذَهُ مِنَ الْمَالِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، كَمَا لَمْ يَتَعَرَّضِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَا أَخَذَهُ المغيرة مِنْ أَمْوَالِ الثَّقَفِيِّينَ، وَلَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ:( «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» ) .
وَمِنْهَا: جَوَازُ إِنْزَالِ الْمُشْرِكِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ يَرْجُو إِسْلَامَهُ، وَتَمْكِينَهُ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَمُشَاهَدَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعِبَادَتِهِمْ.
وَمِنْهَا: حُسْنُ سِيَاسَةِ الْوَفْدِ، وَتَلَطُّفُهُمْ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْ إِبْلَاغِ ثَقِيفٍ مَا قَدِمُوا بِهِ فَتَصَوَّرُوا لَهُمْ بِصُورَةِ الْمُنْكِرِ لِمَا يَكْرَهُونَهُ، الْمُوَافِقِ لَهُمْ فِيمَا يَهْوَوْنَهُ، حَتَّى رَكَنُوا إِلَيْهِمْ وَاطْمَأَنُّوا، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ الدُّخُولِ فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ أَذْعَنُوا، فَأَعْلَمَهُمُ الْوَفْدُ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ قَدْ جَاءُوهُمْ، وَلَوْ فَاجَئُوهُمْ بِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لَمَا أَقَرُّوا بِهِ، وَلَا أَذْعَنُوا، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ
الدَّعْوَةِ وَتَمَامِ التَّبْلِيغِ، وَلَا يَتَأَتَّى مَعَ أَلِبَّاءِ النَّاسِ وَعُقُلَاتِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِإِمْرَةِ الْقَوْمِ وَإِمَامَتِهِمْ أَفْضَلُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَفْقَهُهُمْ فِي دِينِهِ.
وَمِنْهَا: هَدْمُ مَوَاضِعِ الشِّرْكِ الَّتِي تُتَّخَذُ بُيُوتًا لِلطَّوَاغِيتِ، وَهَدْمُهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَنْفَعُ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ هَدْمِ الْحَانَاتِ وَالْمَوَاخِيرِ، وَهَذَا حَالُ الْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْقُبُورِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيُشْرَكُ بِأَرْبَابِهَا مَعَ اللَّهِ، لَا يَحِلُّ إِبْقَاؤُهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَيَجِبُ هَدْمُهَا، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا وَلَا الْوَقْفُ عَلَيْهَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهَا وَأَوْقَافَهَا لِجُنْدِ الْإِسْلَامِ، وَيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا مِنَ الْآلَاتِ وَالْمَتَاعِ وَالنُّذُورِ الَّتِي تُسَاقُ إِلَيْهَا، يُضَاهَى بِهَا الْهَدَايَا الَّتِي تُسَاقُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا كُلِّهَا، وَصَرْفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَ بُيُوتِ هَذِهِ الطَّوَاغِيتِ وَصَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يُفْعَلُ عِنْدَهَا مَا يُفْعَلُ عِنْدَ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ، سَوَاءٌ مِنَ النُّذُورِ لَهَا وَالتَّبَرُّكِ بِهَا وَالتَّمَسُّحِ بِهَا، وَتَقْبِيلِهَا وَاسْتِلَامِهَا، هَذَا كَانَ شِرْكَ الْقَوْمِ بِهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا خَلَقَتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، بَلْ كَانَ شِرْكُهُمْ بِهَا كَشِرْكِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَشَاهِدِ بِعَيْنِهِ.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ مَكَانَ بُيُوتِ الطَّوَاغِيتِ، فَيُعْبَدُ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْئًا فِي الْأَمْكِنَةِ الَّتِي كَانَ يُشْرَكُ بِهِ فِيهَا، وَهَكَذَا الْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ أَنْ تُهْدَمَ، وَتُجْعَلَ مَسَاجِدَ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ هِيَ وَأَوْقَافَهَا لِلْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَتَفَلَ عَنْ يَسَارِهِ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَلَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، بَلْ هَذَا مِنْ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.