الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحْصِيلِ أَكْمَلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، بَلْ بِنَاءُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل في بَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَمُتَفَاضِلًا]
فَصْلٌ
وَفِيهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:( «مَنْ لَمْ يُطَيِّبْ نَفْسَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ فَرِيضَةٍ سِتُّ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا» ) .
فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرَّقِيقِ بَلِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَمُتَفَاضِلًا.
وَفِي " السُّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا، فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ» ) .
وَفِي " السُّنَنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ( «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» ) وَرَوَاهُ الترمذي مِنْ حَدِيثِ الحسن عَنْ سمرة، وَصَحَّحَهُ.
وَفِي الترمذي مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أبي الزبير، عَنْ جابر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يَصْلُحُ نَسِيئًا، وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» ) قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ أحمد.
أَحَدُهَا: جَوَازُ ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا، وَمُتَسَاوِيًا نَسِيئَةً وَيَدًا بِيَدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ نَسِيئَةً وَلَا مُتَفَاضِلًا.
وَالثَّالِثُ: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّسَاءِ وَالتَّفَاضُلِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ مالك رحمه الله
وَالرَّابِعُ: إِنِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ جَازَ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ.
وَلِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالتَّأْلِيفِ بَيْنَهَا ثَلَاثَةُ مَسَالِكَ:
أَحَدُهَا: تَضْعِيفُ حَدِيثِ الحسن عَنْ سمرة، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ سِوَى حَدِيثَيْنِ، لَيْسَ هَذَا مِنْهُمَا، وَتَضْعِيفُ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.
وَالْمَسْلَكُ الثَّانِي: دَعْوَى النَّسْخِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهَا مِنَ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ.
وَالْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: حَمْلُهَا عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى النَّسِيئَةِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، فَإِنَّ الْبَائِعَ إِذَا رَأَى مَا فِي هَذَا الْبَيْعِ مِنَ الرِّبْحِ لَمْ تَقْتَصِرْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ، بَلْ تَجُرُّهُ إِلَى بَيْعِ الرِّبَوِيِّ كَذَلِكَ، فَسَدَّ عَلَيْهِمُ الذَّرِيعَةَ وَأَبَاحَهُ يَدًا بِيَدٍ، وَمَنَعَ مِنَ النَّسَاءِ فِيهِ، وَمَا حُرِّمَ لِلذَّرِيعَةِ يُبَاحُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا أَبَاحَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ الْعَرَايَا لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَأَبَاحَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً مُتَفَاضِلًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْجِهَادِ، وَحَاجَةُ