الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ حَيَاءً مِنْ عثمان، وَلَمْ يُبَايِعْهُ لِيَقُومَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَيَقْتُلَهُ، فَهَابُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى قَتْلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَاسْتَحْيَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عثمان، وَسَاعَدَ الْقَدَرُ السَّابِقُ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بعبد الله مِمَّا ظَهَرَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفُتُوحِ، فَبَايَعَهُ وَكَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ - خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89][آلِ عِمْرَانَ: 86 - 89] ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ( «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» )، أَيْ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ، وَلَا سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَإِذَا نَفَذَ حُكْمُ اللَّهِ وَأَمْرُهُ لَمْ يُومِ بِهِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ، وَأَعْلَنَهُ، وَأَظْهَرَهُ.
[فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَتُسَمَّى غَزْوَةَ أَوْطَاسٍ]
[تسميتها بأوطاس وهوازن]
فَصْلٌ
فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَتُسَمَّى غَزْوَةَ أَوْطَاسٍ
وَهُمَا مَوْضِعَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَسُمِّيَتِ الْغَزْوَةُ بِاسْمِ مَكَانِهَا، وَتُسَمَّى غَزْوَةَ هَوَازِنَ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَتَوْا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا سَمِعَتْ هَوَازِنُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ، جَمَعَهَا مالك بن عوف النصري، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَعَ هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلُّهَا، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ مُضَرُ وَجُشَمُ كُلُّهَا، وسعد بن بكر، وَنَاسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ إِلَّا هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ، وَلَا
كِلَابٌ، وَفِي جُشَمَ دريد بن الصمة شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا رَأْيُهُ وَمُعْرِفَتُهُ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ شُجَاعًا مُجَرِّبًا، وَفِي ثَقِيفٍ سَيِّدَانِ لَهُمْ، وَفِي الْأَحْلَافِ قارب بن الأسود، وَفِي بَنِي مَالِكٍ سبيع بن الحارث وَأَخُوهُ أحمر بن الحارث، وَجِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إِلَى مالك بن عوف النصري، فَلَمَّا أَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ بِأَوْطَاسٍ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَفِيهِمْ دريد بن الصمة، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: بِأَوْطَاسٍ. قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ لَا حَزْنٌ ضِرْسٌ وَلَا سَهْلٌ دَهْسٌ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصَّبِيِّ، وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ قَالُوا: سَاقَ مالك بن عوف مَعَ النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. قَالَ: أَيْنَ مالك؟ قِيلَ هَذَا مالك، وَدُعِيَ لَهُ. قَالَ يَا مالك إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ، وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ ، قَالَ: سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ. فَقَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ، وَهَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ، إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ قَالُوا: لَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.
قَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ، لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ؟ قَالُوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر؟ قَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ عَامِرٍ، لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرَّانِ. يَا مالك: إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ الْبَيْضَةِ بَيْضَةِ هَوَازِنَ
إِلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا، ارْفَعْهُمْ إِلَى مُتَمَنَّعِ بِلَادِهِمْ، وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ، ثُمَّ الْقَ الصُّبَاةَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لَحِقَ بِكَ مَنْ وَرَاءَكَ، إِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَحْرَزْتَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ، وَكَبِرَ عَقْلُكَ، وَاللَّهِ لَتُطِيعُنَّنِي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، أَوْ لَأَتَّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لدريد فِيهَا ذِكْرٌ وَرَأْيٌ، فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ، فَقَالَ دريد: هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي.
يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ
…
أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ
أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمَعْ
…
كَأَنَّهَا شَاةٌ صَدَعْ
ثُمَّ قَالَ مالك لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ، ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَبَعَثَ عُيُونًا مِنْ رِجَالِهِ فَأَتَوْهُ، وَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَوْصَالُهُمْ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، وَاللَّهِ مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيْهِمْ عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّاسِ، فَيُقِيمَ فِيهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ، فَانْطَلَقَ ابن أبي حدرد فَدَخَلَ فِيهِمْ حَتَّى سَمِعَ وَعَلِمَ مَا قَدْ جَمَعُوا لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَمِعَ مِنْ مالك وَأَمْرِ هَوَازِنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ.
فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّيْرَ إِلَى هَوَازِنَ، «ذُكِرَ لَهُ أَنَّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا وَسِلَاحًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: (يَا أبا أمية أَعِرْنَا سِلَاحَكَ
هَذَا نَلْقَى فِيهِ عَدُوَّنَا غَدًا، فَقَالَ صفوان: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: " بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْكَ "، فَقَالَ: لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا مِنَ السِّلَاحِ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا، فَفَعَلَ» ) .
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، مَعَ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ، فَفَتَحَ اللَّهُ بِهِمْ مَكَّةَ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَاسْتَعْمَلَ عتاب بن أسيد عَلَى مَكَّةَ أَمِيرًا، ثُمَّ مَضَى يُرِيدُ لِقَاءَ هَوَازِنَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عبد الرحمن بن جابر، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِيَ حُنَيْنٍ، انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ حَطُوطٍ، إِنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا. قَالَ: وَفِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ، وَكَانَ الْقَوْمُ سَبَقُونَا إِلَى الْوَادِي، فَكَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ وَأَحْنَائِهِ وَمَضَايِقِهِ قَدْ أَجْمَعُوا وَتَهَيَّئُوا وَأَعَدُّوا، فَوَاللَّهِ مَا رَاعَنَا - وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ - إِلَّا الْكَتَائِبُ، قَدْ شَدُّوا عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْشَمَرَ النَّاسُ رَاجِعِينَ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ قَالَ:( «إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ هَلُمَّ إِلَيَّ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» ) وَبَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَفِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أبو بكر وعمر، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ علي والعباس، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُهُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وأيمن ابن أم أيمن، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ، بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ طَوِيلٍ أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ إِذَا أَدْرَكَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَاتَّبَعُوهُ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ
إِذْ أَهْوَى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، قَالَ: فَأَتَى علي مِنْ خَلْفِهِ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَيِ الْجَمَلِ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ، قَالَ: فَاجْتَلَدَ النَّاسُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَرَأَى مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْهَزِيمَةَ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضَّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ، وَصَرَخَ جبلة بن الحنبل - وَقَالَ ابن هشام: صَوَابُهُ كَلَدَةُ - أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ، فَقَالَ لَهُ صفوان أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَكَانَ بَعْدُ مُشْرِكًا: اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ.
وَذَكَرَ ابن سعد عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً، قُلْتُ: أَسِيرُ مَعَ قُرَيْشٍ إِلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ، فَعَسَى إِنِ اخْتَلَطُوا أَنْ أُصِيبَ مِنْ مُحَمَّدٍ غِرَّةً فَأَثْأَرَ مِنْهُ، فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي قُمْتُ بِثَأْرِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، وَأَقُولُ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَحَدٌ إِلَّا اتَّبَعَ مُحَمَّدًا، مَا تَبِعْتُهُ أَبَدًا، وَكُنْتُ مُرْصِدًا لَمَّا خَرَجْتُ لَهُ لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ فِي نَفْسِي إِلَّا قُوَّةً، فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَغْلَتِهِ فَأَصْلَتَ السَّيْفَ، فَدَنَوْتُ أُرِيدُ مَا أُرِيدُ مِنْهُ، وَرَفَعْتُ سَيْفِي حَتَّى كِدْتُ أُشْعِرَهُ إِيَّاهُ، فَرُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَالْبَرْقِ كَادَ يَمْحَشُنِي، فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى بَصَرِي خَوْفًا عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَادَانِي: ( «يَا شيب ادْنُ مِنِّي " فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَمَسَحَ صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ " قَالَ: فَوَاللَّهِ لَهُوَ كَانَ سَاعَتَئِذٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ
سَمْعِي وَبَصَرِي وَنَفْسِي، وَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ " ادْنُ فَقَاتِلْ» ) فَتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي، اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَقِيَهُ بِنَفْسِي كُلَّ شَيْءٍ، وَلَوْ لَقِيتُ تِلْكَ السَّاعَةَ أَبِي لَوْ كَانَ حَيًّا، لَأَوْقَعْتُ بِهِ السَّيْفَ، فَجَعَلْتُ أَلْزَمُهُ فِيمَنْ لَزِمَهُ، حَتَّى تَرَاجَعَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَرُّوا كَرَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَقُرِّبَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَرَجَعَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي حُبًّا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ، وَسُرُورًا بِهِ، فَقَالَ: ( «يَا شيب الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ لِنَفْسِكَ "، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِكُلِّ مَا أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أَكُنْ أَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ قَطُّ، قَالَ فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَقَالَ " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» ) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: إِنِّي لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخِذٌ بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ قَدْ شَجَرْتُهَا بِهَا، وَكُنْتُ امْرَءًا جَسِيمًا، شَدِيدَ الصَّوْتِ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حَيْنَ رَأَى مَا رَأَى مِنَ النَّاسِ: ( «إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ " قَالَ: فَلَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: " يَا عباس اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السَّمُرَةِ "، فَأَجَابُوا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ» ) قَالَ: فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ وَتُرْسَهُ، وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَيَؤُمُّ الصَّوْتَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَةٌ، اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ، فَاقْتَتَلُوا، فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ: يَا لَلْأَنْصَارِ، ثُمَّ خَلَصَتْ آخِرًا: يَا لَلْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَكَائِبِهِ، فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَجْتَلِدُونَ فَقَالَ:( «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» ) وَزَادَ غَيْرُهُ.
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ
…
أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ - قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ - مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ، أَقْبَلَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا نَمْلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةَ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوُا الطَّائِفَ، وَمَعَهُمْ مالك بن عوف، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ، وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ قِبَلَ أَوْطَاسٍ أبا عامر الأشعري، فَأَدْرَكَ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ، فَقَاتَلَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، وَقَتَلَ قَاتِلَ أبي عامر، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لعبيد أبي عامر وَأَهْلِهِ، وَاجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ» ) ، وَاسْتَغْفَرَ لأبي موسى.
وَمَضَى مالك بن عوف حَتَّى تَحَصَّنَ بِحِصْنِ ثَقِيفٍ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّبْيِ وَالْغَنَائِمِ أَنْ تُجْمَعَ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْجِعِرَّانَةِ، وَكَانَ السَّبْيُ سِتَّةَ آلَافِ رَأْسٍ، وَالْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَالْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ، وَأَرْبَعَةَ آلَافِ أُوقِيَّةً فِضَّةً، فَاسْتَأْنَى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ مُسْلِمِينَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
أَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ]
ثُمَّ بَدَأَ بِالْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا، وَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوَّلَ النَّاسِ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَمِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالَ: ابْنِي يزيد؟ فَقَالَ: " أَعْطُوهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً وَمِائَةً مِنَ الْإِبِلِ "، فَقَالَ: ابْنِي معاوية؟ قَالَ " أَعْطُوهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَمِائَةً مِنَ الْإِبِلِ "، وَأَعْطَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِائَةً أُخْرَى فَأَعْطَاهُ، وَأَعْطَى النضر بن الحارث بن كلدة مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى العلاء بن حارثة الثقفي خَمْسِينَ، وَذَكَرَ أَصْحَابَ الْمِائَةِ - وَأَصْحَابَ الْخَمْسِينَ - وَأَعْطَى العباس بن مرداس أَرْبَعِينَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، فَكَمَّلَ لَهُ الْمِائَةَ. ثُمَّ أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِإِحْصَاءِ الْغَنَائِمِ وَالنَّاسِ، ثُمَّ فَضَّهَا عَلَى النَّاسِ، فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعًا مِنَ الْإِبِلِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً. فَإِنْ كَانَ فَارِسًا أَخَذَ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَعِشْرِينَ وَمِائَةَ شَاةٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ، وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي
أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ:(فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سعد " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا مِنْ قَوْمِي. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ؟ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَى سعد، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. ثُمَّ قَالَ: " أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ: " أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ عَلَيَّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بَهْ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَوَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا وَوَادِيًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَوَادِيَهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ " قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقُوا» ) .
«وَقَدِمَتِ الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ