الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مَنْ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَخْبَرَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ بِرٍّ وَلَا قُرْبَةٍ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ وَقْفُ هَذَا الْمَسْجِدِ، وَعَلَى هَذَا: فَيُهْدَمُ الْمَسْجِدُ إِذَا بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ، كَمَا يُنْبَشُ الْمَيِّتُ إِذَا دُفِنَ فِي الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فَلَا يَجْتَمِعُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَسْجِدٌ وَقَبْرٌ، بَلْ أَيُّهُمَا طَرَأَ عَلَى الْآخَرِ مَنَعَ مِنْهُ، وَكَانَ الْحُكْمُ لِلسَّابِقِ، فَلَوْ وُضِعَا مَعًا لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ، وَلَا يَجُوزُ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ; لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ وَلَعْنِهِ مَنِ اتَّخَذَ الْقَبْرَ مَسْجِدًا أَوْ أَوْقَدَ عَلَيْهِ سِرَاجًا، فَهَذَا دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَنَبِيَّهُ، وَغُرْبَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا تَرَى
[فصل في جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ لِلْقَادِمِ فَرَحًا بِهِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ لِلْقَادِمِ فَرَحًا وَسُرُورًا بِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُحَرَّمٌ مِنْ لَهْوٍ كَمِزْمَارٍ وَشَبَّابَةٍ وَعُودٍ، وَلَمْ يَكُنْ غِنَاءً يَتَضَمَّنْ رُقْيَةَ الْفَوَاحِشِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَهَذَا لَا يُحَرِّمُهُ أَحَدٌ، وَتَعَلُّقُ أَرْبَابِ السَّمَاعِ الْفِسْقِيِّ بِهِ، كَتَعَلُّقِ مَنْ يَسْتَحِلُّ شُرْبَ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ قِيَاسًا عَلَى أَكْلِ الْعِنَبِ وَشُرْبِ الْعَصِيرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، وَنَحْوِ هَذَا مِنَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ قِيَاسَ الَّذِينَ قَالُوا:{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]
وَمِنْهَا: اسْتِمَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَدْحَ الْمَادِحِينَ لَهُ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي هَذَا ; لِمَا بَيْنَ الْمَادِحِينَ وَالْمَمْدُوحِينَ مِنَ الْفُرُوقِ، وَقَدْ قَالَ:( «احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ» )
وَمِنْهَا: مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ، فَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا:
فَمِنْهَا: جَوَازُ إِخْبَارِ الرَّجُلِ عَنْ تَفْرِيطِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالنَّصِيحَةِ وَبَيَانِ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، مَا هُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ
وَمِنْهَا: جَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ وَالتَّرَفُّعِ.
وَمِنْهَا: تَسْلِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَمَّا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ بِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ نَظِيرِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ
وَمِنْهَا: أَنَّ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ مَشَاهِدِ الصَّحَابَةِ، حَتَّى إِنَّ كعبا كَانَ لَا يَرَاهَا دُونَ مَشْهَدِ بَدْرٍ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَسْتُرَ عَنْ رَعِيَّتِهِ بَعْضَ مَا يَهُمُّ بِهِ وَيَقْصِدُهُ مِنَ الْعَدُوِّ وَيُوَرِّي بِهِ عَنْهُ اسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَعَيَّنُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ
وَمِنْهَا: أَنَّ السَّتْرَ وَالْكِتْمَانَ إِذَا تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً لَمْ يَجُزْ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْجَيْشَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دِيوَانٌ وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدِّيوَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهَذَا مِنْ سُنَّتِهِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاعِهَا، وَظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهَا وَحَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهَا
وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَتْ لَهُ فُرْصَةُ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَالْحَزْمُ كُلُّ الْحَزْمِ فِي انْتِهَازِهَا وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا، وَالْعَجْزُ فِي تَأْخِيرِهَا وَالتَّسْوِيفِ بِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَثِقْ بِقُدْرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصِيلِهَا، فَإِنَّ الْعَزَائِمَ وَالْهِمَمَ سَرِيعَةُ الِانْتِقَاضِ قَلَّمَا ثَبَتَتْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنَ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ، بِأَنْ يَحُولَ
بَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ بَعْدُ مِنْ إِرَادَتِهِ عُقُوبَةً لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إِذَا دَعَاهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِجَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24][الْأَنْفَالِ: 24] وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110][الْأَنْعَامِ: 110] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5][الصَّفِّ: 5]، وَقَالَ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115][التَّوْبَةِ: 115] وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَحَدُ رِجَالٍ ثَلَاثَةٍ ; إِمَّا مَغْمُوصٌ عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، أَوْ مَنْ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ خَلَّفَهُ لِمَصْلَحَةٍ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُطَاعَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُهْمِلَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، بَلْ يُذَكِّرُهُ لِيُرَاجِعَ الطَّاعَةَ وَيَتُوبَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كعب؟ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ مِنَ الْمُخَلَّفِينَ اسْتِصْلَاحًا لَهُ وَمُرَاعَاةً، وَإِهْمَالًا لِلْقَوْمِ الْمُنَافِقِينَ
وَمِنْهَا: جَوَازُ الطَّعْنِ فِي الرَّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطَّاعِنِ حَمِيَّةً أَوْ ذَبًّا عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمِنْ هَذَا طَعْنُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِيمَنْ طَعَنُوا فِيهِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَمِنْ هَذَا طَعْنُ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لِلَّهِ لَا لِحُظُوظِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ
وَمِنْهَا: جَوَازُ الرَّدِّ عَلَى الطَّاعِنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الرَّادِّ أَنَّهُ وَهْمٌ وَغَلَطٌ، كَمَا قَالَ معاذ لِلَّذِي طَعَنَ فِي كعب: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَمِنْهَا: أَنَّ السُّنَّةَ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ يَبْدَأَ
بِبَيْتِ اللَّهِ قَبْلَ بَيْتِهِ، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ لِلْمُسَلِّمِينَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى أَهْلِهِ
وَمِنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَةَ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَيَكِلُ سَرِيرَتَهُ إِلَى اللَّهِ، وَيُجْرِي عَلَيْهِ حُكْمَ الظَّاهِرِ، وَلَا يُعَاقِبُهُ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ سِرِّهِ
وَمِنْهَا: تَرْكُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ; تَأْدِيبًا لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى كعب، بَلْ قَابَلَ سَلَامَهُ بِتَبَسُّمِ الْمُغْضَبِ
وَمِنْهَا: أَنَّ التَّبَسُّمَ قَدْ يَكُونُ عَنِ الْغَضَبِ كَمَا يَكُونُ عَنِ التَّعَجُّبِ وَالسُّرُورِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ انْبِسَاطَ دَمِ الْقَلْبِ وَثَوَرَانَهُ، وَلِهَذَا تَظْهَرُ حُمْرَةُ الْوَجْهِ لِسُرْعَةِ ثَوَرَانِ الدَّمِ فِيهِ، فَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السُّرُورُ، وَالْغَضَبُ تَعَجُّبٌ يَتْبَعُهُ ضَحِكٌ وَتَبَسُّمٌ، فَلَا يَغْتَرُّ الْمُغْتَرُّ بِضَحِكِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ كَمَا قِيلَ
إِذَا رَأَيْتَ نُيُوبَ اللَّيْثِ بَارِزَةً
…
فَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَّيْثَ مُبْتَسِمُ
وَمِنْهَا: مُعَاتَبَةُ الْإِمَامِ وَالْمُطَاعِ أَصْحَابَهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ وَيَكْرُمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ عَاتَبَ الثَّلَاثَةَ دُونَ سَائِرِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ مَدْحِ عِتَابِ الْأَحِبَّةِ وَاسْتِلْذَاذِهِ وَالسُّرُورِ بِهِ، فَكَيْفَ بِعِتَابِ أَحَبِّ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِلَى الْمَعْتُوبِ عَلَيْهِ، وَلِلَّهِ مَا كَانَ أَحْلَى ذَلِكَ الْعِتَابَ وَمَا أَعْظَمَ ثَمَرَتَهُ وَأَجَلَّ فَائِدَتَهُ، وَلِلَّهِ مَا نَالَ بِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَسَرَّاتِ وَحَلَاوَةِ الرِّضَا وَخِلَعِ الْقَبُولِ
وَمِنْهَا: تَوْفِيقُ اللَّهِ لكعب وَصَاحِبَيْهِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الصِّدْقِ، وَلَمْ يَخْذُلْهُمْ حَتَّى كَذَبُوا وَاعْتَذَرُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَصَلُحَتْ عَاجِلَتُهُمْ وَفَسَدَتْ عَاقِبَتُهُمْ كُلَّ الْفَسَادِ، وَالصَّادِقُونَ تَعِبُوا فِي الْعَاجِلَةِ بَعْضَ التَّعَبِ فَأَعْقَبَهُمْ صَلَاحَ الْعَاقِبَةِ وَالْفَلَاحَ كُلَّ الْفَلَاحِ، وَعَلَى هَذَا قَامَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَمَرَارَاتُ الْمُبَادِي حَلَاوَاتٌ
فِي الْعَوَاقِبِ، وَحَلَاوَاتُ الْمُبَادِي مَرَارَاتٌ فِي الْعَوَاقِبِ. «وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لكعب:(أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ) » ، دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التَّمَسُّكِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ عِنْدَ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 78 - 79][الْأَنْبِيَاءِ: 78 و 79]، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:( «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» )، وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:(أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ) ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ السَّامِعُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ.
وَقَوْلُ كعب: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرُدَّ حَرَّ الْمُصِيبَةِ بِرُوحِ التَّأَسِّي بِمَنْ لَقِيَ مِثْلَ مَا لَقِيَ، وَقَدْ أَرْشَدَ سُبْحَانَهُ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104][النِّسَاءِ: 104]، وَهَذَا هُوَ الرَّوْحُ الَّذِي مَنَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ النَّارِ فِيهَا بِقَوْلِهِ:{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39][الزُّخْرُفِ: 39] . وَقَوْلُهُ: " فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ ". هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا عُدَّ مِنْ أَوْهَامِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ الْبَتَّةَ ذِكْرُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، لَا ابْنُ إِسْحَاقَ، وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا الأموي، وَلَا الْوَاقِدِيُّ، وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَدَّ أَهْلَ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَهْجُرْ حاطبا، وَلَا عَاقَبَهُ وَقَدْ جَسَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لعمر لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ:( «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ) ، وَأَيْنَ ذَنْبُ التَّخَلُّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسِّ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ وَتَحْقِيقِهِ حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الْأَثْرَمَ قَدْ ذَكَرَ الزُّهْرِيَّ، وَذَكَرَ فَضْلَهُ وَحِفْظَهُ وَإِتْقَانَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُحْفَظُ عَلَيْهِ غَلَطٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ مرارة بن الربيع، وهلال بن