الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْقَوْلَ نَاقِلٌ عَنْهَا، فَيَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَاعِدَةِ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ قُدِّمَ الْفِعْلُ، لَكَانَ رَافِعًا لِمُوجِبِ الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَيَلْزَمُ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الْأَحْكَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل في اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَجَعْفَرٍ فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ]
فَصْلٌ
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ منَ الْفِقْهِ: أَنَّ الْخَالَةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ.
وَأَنَّ تَزَوُّجَ الْحَاضِنَةِ بِقَرِيبٍ منَ الطِّفْلِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا. نَصَّ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَهَا لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا فِي الْجَارِيَةِ خَاصَّةً، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ بنت حمزة هَذِهِ، وَلَمَّا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ مَحْرَمًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: تَزَوُّجُ الْحَاضِنَةِ لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا لِلْجَارِيَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَكُونُ تَزَوُّجُهَا مُسْقِطًا لِحَضَانَتِهَا بِحَالٍ ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى.
وَقدِ اخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: تَسْقُطُ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ قَوْلُ مالك، وَالشَّافِعِيِّ، وأبي حنيفة، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ الحسن وَابْنِ حَزْمٍ.
وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الطِّفْلُ بِنْتًا، لَمْ تَسْقُطِ الْحَضَانَةُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا سَقَطَتْ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إِذَا تَزَوَّجَتِ الْأُمُّ وَابْنُهَا صَغِيرٌ، أُخِذَ مِنْهَا، قِيلَ لَهُ: وَالْجَارِيَةُ مِثْلُ الصَّبِيِّ؟ قَالَ: لَا، الْجَارِيَةُ تَكُونُ مَعَهَا إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، وَحَكَى ابن أبي موسى رِوَايَةً أُخْرَى عَنْهُ: أَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِنْتِ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِنَسِيبٍ منَ الطِّفْلِ، لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ سَقَطَتْ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَكْفِي كَوْنُهُ نَسِيبًا فَقَطْ، مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِ أحمد وَإِطْلَاقِهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعَ ذَلِكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ وِلَادَةٌ، بِأَنْ يَكُونَ جَدًّا لِلطِّفْلِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أحمد ومالك وَالشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْقِصَّةِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَدَّمَ الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ، وَقَرَابَةَ الْأُمِّ عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ قَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا، وَقَدْ كَانَتْ صفية عَمَّتُهَا مَوْجُودَةً إِذْ ذَاكَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ومالك وأبي حنيفة، وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّ الْعَمَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْخَالَةِ - وَهِيَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا - وَكَذَلِكَ نِسَاءُ الْأَبِ يُقَدَّمْنَ عَلَى نِسَاءِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الطِّفْلِ فِي الْأَصْلِ لِلْأَبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ لِمَصْلَحَةِ الطِّفْلِ، وَكَمَالِ تَرْبِيَتِهِ وَشَفَقَتِهَا وَحُنُوِّهَا، وَالْإِنَاثُ أَقْوَمُ بِذَلِكَ منَ الرِّجَالِ، فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَى النِّسَاءِ فَقَطْ أَوِ الرِّجَالِ فَقَطْ، كَانَتْ قَرَابَةُ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ، كَمَا يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى مِنْ كُلِّ ذَكَرٍ سِوَاهُ، وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا.