الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ": ( «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عَنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» ) وَهُوَ لأحمد وَالنَّسَائِيِّ مُرْسَلًا.
وَصَحَّ عَنْهُ: ( «أَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ) وَفِي لَفْظٍ: ( «حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» ) .
[فصل في مُبَايَعَتُهُ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ]
فَصْلٌ
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ أَصْحَابَهُ فِي الْحَرْبِ عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا، وَرُبَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ، وَبَايَعَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ كَمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَبَايَعَهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَبَايَعَهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْتِزَامِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبَايَعَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَلَّا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا.
(وَكَانَ السَّوْطُ يَسْقُطُ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمْ، فَيَنْزِلُ عَنْ دَابَّتِهِ، فَيَأْخُذُهُ، وَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِي إِيَّاهُ) .
وَكَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ، وَأَمْرِ الْعَدُوِّ، وَتَخَيُّرِ الْمَنَازِلِ، وَفِي " الْمُسْتَدْرَكِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:( «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ) .
( «وَكَانَ يَتَخَلَّفُ فِي سَاقَتِهِمْ فِي الْمَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ، وَيُرْدِفُ الْمُنْقَطِعَ، وَكَانَ أَرْفَقَ النَّاسِ بِهِمْ فِي الْمَسِيرِ» ) .
( «وَكَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا» )، فَيَقُولُ مَثَلًا إِذَا أَرَادَ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ: كَيْفَ طَرِيقُ نَجْدٍ وَمِيَاهُهَا وَمَنْ بِهَا مِنَ الْعَدُوِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَكَانَ يَقُولُ: ( «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ) .
( «وَكَانَ يَبْعَثُ الْعُيُونَ يَأْتُونَهُ بِخَبَرِ عَدُوِّهِ، وَيُطْلِعُ الطَّلَائِعَ، وَيُبَيِّتُ
الْحَرَسَ» ) .
( «وَكَانَ إِذَا لَقِيَ عَدُوَّهُ، وَقَفَ وَدَعَا، وَاسْتَنْصَرَ اللَّهَ، وَأَكْثَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَخَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ» ) .
وَكَانَ يُرَتِّبُ الْجَيْشَ وَالْمُقَاتِلَةَ، وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنَبَةٍ كُفْئًا لَهَا، وَكَانَ يُبَارَزُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرِهِ، وَكَانَ يَلْبَسُ لِلْحَرْبِ عُدَّتَهُ، ( «وَرُبَّمَا ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَكَانَ لَهُ الْأَلْوِيَةُ وَالرَّايَاتُ» ) .
( «وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ، أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَفَلَ» ) .
( «وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُغِيرَ، انْتَظَرَ، فَإِنْ سَمِعَ فِي الْحَيِّ مُؤَذِّنًا، لَمْ يُغِرْ وَإِلَّا أَغَارَ» ) . ( «وَكَانَ رُبَّمَا بَيَّتَ عَدُوَّهُ، وَرُبَّمَا فَاجَأَهُمْ نَهَارًا» ) .
( «وَكَانَ يُحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ بُكْرَةَ النَّهَارِ» ) وَكَانَ الْعَسْكَرُ إِذَا نَزَلَ
انْضَمَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ كِسَاءٌ لَعَمَّهُمْ.
( «وَكَانَ يُرَتِّبُ الصُّفُوفَ وَيُعَبِّئُهُمْ عِنْدَ الْقِتَالِ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ، تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ» ) .
وَكَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ أَنْ يُقَاتِلَ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ.
وَكَانَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ، قَالَ:( «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» ) وَرُبَّمَا قَالَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ - بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45 - 46] .
وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ» ) وَكَانَ يَقُولُ: ( «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي، وَبِكَ أُقَاتِلُ» ) .
وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ لَهُ بَأْسٌ، وَحَمِيَ الْحَرْبُ، وَقَصَدَهُ الْعَدُوُّ، يُعْلِمُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ
…
أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
وَكَانَ النَّاسُ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ اتَّقَوْا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ.
وَكَانَ يَجْعَلُ لِأَصْحَابِهِ شِعَارًا فِي الْحَرْبِ يُعْرَفُونَ بِهِ إِذَا تَكَلَّمُوا، وَكَانَ شِعَارُهُمْ مَرَّةً:( «أَمِتْ أَمِتْ» ) وَمَرَّةً: ( «يَا مَنْصُورُ» ) وَمَرَّةً: ( «حم لَا يُنْصَرُونَ» ) .
وَكَانَ يَلْبَسُ الدِّرْعَ وَالْخُوذَةَ، وَيَتَقَلَّدُ السَّيْفَ، وَيَحْمِلُ الرُّمْحَ وَالْقَوْسَ الْعَرَبِيَّةَ، وَكَانَ يَتَتَرَّسُ بِالتُّرْسِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْخُيَلَاءَ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ:( «إِنَّ مِنْهَا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ عز وجل، فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ» ) .
وَقَاتَلَ مَرَّةً بِالْمَنْجَنِيقِ نَصَبَهُ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ.
وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمُقَاتِلَةِ، فَمَنْ رَآهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتِ اسْتَحْيَاهُ.
( «وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يُوصِيهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَيَقُولُ: سِيرُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَغْدُرُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» ) .
وَكَانَ يَنْهَى عَنِ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
وَكَانَ يَأْمُرُ أَمِيرَ سَرِيَّتِهِ أَنْ يَدْعُوَ عَدُوَّهُ قَبْلَ الْقِتَالِ إِمَّا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، أَوْ إِلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْهِجْرَةِ، وَيَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ، أَوْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا إِلَيْهِ، قَبِلَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا اسْتَعَانَ بِاللَّهِ وَقَاتَلَهُمْ.
وَكَانَ إِذَا ظَفِرَ بِعَدُوِّهِ، أَمَرَ مُنَادِيًا، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ كُلَّهَا، فَبَدَأَ بِالْأَسْلَابِ فَأَعْطَاهَا لِأَهْلِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ خُمُسَ الْبَاقِي، فَوَضَعَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ، وَأَمَرَهُ بِهِ مِنْ مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَرْضَخُ مِنَ الْبَاقِي لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ، ثُمَّ قَسَمَ الْبَاقِي بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الْجَيْشِ، لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْهُ.
وَكَانَ يُنَفِّلُ مِنْ صُلْبِ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ النَّفَلُ مِنَ الْخُمُسِ، وَقِيلَ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، بَلْ كَانَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَجَمَعَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ بَيْنَ سَهْمِ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ فَأَعْطَاهُ
أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِعِظَمِ غَنَائِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ.
وَكَانَ يُسَوِّي الضَّعِيفَ وَالْقَوِيَّ فِي الْقِسْمَةِ مَا عَدَا النَّفَلَ.
وَكَانَ إِذَا أَغَارَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ بَعَثَ سَرِيَّةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا غَنِمَتْ أَخْرَجَ خُمُسَهُ، وَنَفَّلَهَا رُبُعَ الْبَاقِي، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْجَيْشِ، وَإِذَا رَجَعَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَنَفَّلَهَا الثُّلُثَ وَمَعَ ذَلِكَ، فَكَانَ يَكْرَهُ النَّفَلَ وَيَقُولُ:( «لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ» ) .
قَالَتْ: عائشة: ( «وَكَانَتْ صفية مِنَ الصَّفِيِّ» ) رَوَاهُ أبو داود. وَلِهَذَا جَاءَ فِي كِتَابِهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ ( «إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمُ الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَهْمَ الصَّفِيِّ أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ) .
وَكَانَ سَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ مِنَ الصَّفِيِّ.
وَكَانَ يُسْهِمُ لِمَنْ غَابَ عَنِ الْوَقْعَةِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا ( «أَسْهَمَ لعثمان سَهْمَهُ مِنْ بَدْرٍ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا لِمَكَانِ تَمْرِيضِهِ لِامْرَأَتِهِ رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ عثمان انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ» ) فَضَرَبَ لَهُ سَهْمَهُ وَأَجْرَهُ.
وَكَانُوا يَشْتَرُونَ مَعَهُ فِي الْغَزْوِ وَيَبِيعُونَ، وَهُوَ يَرَاهُمْ وَلَا يَنْهَاهُمْ، ( «وَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ رَبِحَ رِبْحًا لَمْ يَرْبَحْ أَحَدٌ مِثْلَهُ، فَقَالَ: " مَا هُوَ "؟ قَالَ: مَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَبْتَاعُ حَتَّى رَبِحْتُ ثَلَاثَمِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا أُنَبِّئُكَ بِخَيْرِ رَجُلٍ رَبِحَ قَالَ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» ) .
وَكَانُوا يَسْتَأْجِرُونَ الْأُجَرَاءَ لِلْغَزْوِ عَلَى نَوْعَيْنِ
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ وَيَسْتَأْجِرَ مَنْ يَخْدِمُهُ فِي سَفَرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَخْرُجُ فِي