الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ يَتَضَمَّنُ خِصَالًا أُخْرَى مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ]
فَصْلٌ
فَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ هُوَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْخِصَالِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، كَمَا عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعُونَ، وَتَابِعُوهُمْ كُلُّهُمْ، ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي " الْمَبْسُوطِ "، وَعَلَى ذَلِكَ مَا يُقَارِبُ مِائَةَ دَلِيلٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَفِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الْحَجَّ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، وَكَانَ قُدُومُهُمْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَهَذَا أَحَدُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ بَعْدُ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا فُرِضَ فِي الْعَاشِرَةِ، وَلَوْ كَانَ فُرِضَ لَعَدَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا عَدَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ.
وَفِيهَا: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: رَمَضَانُ لِلشَّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يُقَالُ: إِلَّا شَهْرُ رَمَضَانَ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": ( «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) .
وَفِيهَا: وُجُوبُ أَدَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَفِيهَا: النَّهْيُ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ، وَهَلْ تَحْرِيمُهُ بَاقٍ أَوْ مَنْسُوخٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ بريدة الَّذِي رَوَاهُ مسلم وَقَالَ فِيهِ:( «وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» ) . وَمَنْ قَالَ: بِإِحْكَامِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، قَالَ: هِيَ أَحَادِيثُ تَكَادُ تَبْلُغُ التَّوَاتُرَ فِي تَعَدُّدِهَا وَكَثْرَةِ طُرُقِهَا، وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ فَرْدٌ، فَلَا يَبْلُغُ مُقَاوَمَتَهَا، وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ،
إِذِ الشَّرَابُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْإِسْكَارُ فِيهَا.
وَقِيلَ: بَلِ النَّهْيُ عَنْهَا لِصَلَابَتِهَا، وَأَنَّ الشَّرَابَ يُسْكِرُ فِيهَا، وَلَا يُعْلَمُ بِهِ بِخِلَافِ الظُّرُوفِ غَيْرِ الْمُزَفَّتَةِ، فَإِنَّ الشَّرَابَ مَتَى غَلَا فِيهَا وَأَسْكَرَ انْشَقَّتْ، فَيُعْلَمُ بِأَنَّهُ مُسْكِرٌ، فَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ يَكُونُ الِانْتِبَاذُ فِي الْحِجَارَةِ وَالصُّفْرِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْرُمُ، إِذْ لَا يُسْرِعُ الْإِسْكَارُ إِلَيْهِ فِيهَا كَإِسْرَاعِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى كِلَا الْعِلَّتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ، كَالنَّهْيِ أَوَّلًا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الشِّرْكِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ التَّوْحِيدُ فِي نُفُوسِهِمْ، وَقَوِيَ عِنْدَهُمْ أَذِنَ فِي زِيَارَتِهَا، غَيْرَ أَنْ لَا يَقُولُوا هُجْرًا.
وَهَكَذَا قَدْ يُقَالُ فِي الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ إِنَّهُ فَطَمَهُمْ عَنِ الْمُسْكِرِ وَأَوْعِيَتِهِ، وَسَدَّ الذَّرِيعَةَ إِلَيْهِ إِذْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِشُرْبِهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نُفُوسُهُمْ، أَبَاحَ لَهُمُ الْأَوْعِيَةَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا، فَهَذَا فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَسِرُّهَا.
وَفِيهَا: مَدْحُ صِفَتَيِ الْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ، وَأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمَا، وَضِدُّهُمَا الطَّيْشُ وَالْعَجَلَةُ، وَهُمَا خُلُقَانِ مَذْمُومَانِ مُفْسِدَانِ لِلْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ مَا جَبَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ، كَالذَّكَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلُقَ قَدْ يَحْصُلُ بِالتَّخَلُّقِ وَالتَّكَلُّفِ؛ لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ( «خُلُقَيْنِ تَخَلَّقْتُ بِهِمَا، أَوْ جَبَلَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمَا؟ "، فَقَالَ: " بَلْ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا» ) .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَخْلَاقِهِمْ، كَمَا هُوَ خَالِقُ ذَوَاتِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، وَمَنْ أَخْرَجَ أَفْعَالَهُ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَقَدْ جَعَلَ فِيهِ خَالِقًا مَعَ اللَّهِ، وَلِهَذَا شَبَّهَ السَّلَفُ الْقَدَرِيَّةَ النُّفَاةَ بِالْمَجُوسِ، وَقَالُوا: هُمْ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.