الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا نُفُورًا، وَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا.
[فِصَلٌ في الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ كَانَ الْإِسْرَاءُ بِالرُّوحِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ كَانَ الْإِسْرَاءُ مَنَامًا]
فِصَلٌ
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عائشة ومعاوية أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّمَا كَانَ الْإِسْرَاءُ بِرُوحِهِ، وَلَمْ يَفْقِدْ جَسَدَهُ، وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ مَنَامًا، وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ كَانَ بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِهِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ عَظِيمٌ، وعائشة ومعاوية لَمْ يَقُولَا: كَانَ مَنَامًا، وَإِنَّمَا قَالَا: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ، وَلَمْ يَفْقِدْ جَسَدَهُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ قَدْ يَكُونُ أَمْثَالًا مَضْرُوبَةً لِلْمَعْلُومِ فِي الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ، فَيَرَى كَأَنَّهُ قَدْ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ ذُهِبَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ وَأَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَرُوحُهُ لَمْ تَصْعَدْ وَلَمْ تَذْهَبْ، وَإِنَّمَا مَلَكُ الرُّؤْيَا ضَرَبَ لَهُ الْمِثَالَ، وَالَّذِينَ قَالُوا: عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَائِفَتَانِ: طَائِفَةٌ قَالَتْ: عُرِجَ بِرُوحِهِ وَبَدَنِهِ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: عُرِجَ بِرُوحِهِ وَلَمْ يَفْقِدْ بَدَنَهُ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ مَنَامًا، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ الرُّوحَ ذَاتَهَا أُسْرِيَ بِهَا وَعُرِجَ بِهَا حَقِيقَةً، وَبَاشَرَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تُبَاشِرُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ، وَكَانَ حَالُهَا فِي ذَلِكَ كَحَالِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي صُعُودِهَا إِلَى السَّمَاوَاتِ سَمَاءً سَمَاءً حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَتَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل، فَيَأْمُرُ فِيهَا بِمَا يَشَاءُ، ثُمَّ تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، وَالَّذِي كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَكْمَلُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلرُّوحِ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ فَوْقَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَقَامِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ حَتَّى شُقَّ بَطْنُهُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَتَأَلَّمُ بِذَلِكَ عُرِجَ بِذَاتِ رُوحِهِ الْمُقَدَّسَةِ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ إِمَاتَةٍ، وَمَنْ سِوَاهُ لَا يَنَالُ بِذَاتِ رُوحِهِ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمُفَارَقَةِ، فَالْأَنْبِيَاءُ إِنَّمَا اسْتَقَرَّتْ أَرْوَاحُهُمْ هُنَاكَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ
الْأَبْدَانِ، وَرُوحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَعِدَتْ إِلَى هُنَاكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ثُمَّ عَادَتْ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مَعَ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَعَ هَذَا فَلَهَا إِشْرَافٌ عَلَى الْبَدَنِ وَإِشْرَاقٌ وَتَعَلُّقٌ بِهِ، بِحَيْثُ يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا التَّعَلُّقِ رَأَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَرَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَجْ بِمُوسَى مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَقَامُ رُوحِهِ وَاسْتِقْرَارِهَا، وَقَبْرُهُ مَقَامُ بَدَنِهِ وَاسْتِقْرَارُهُ إِلَى يَوْمِ مَعَادِ الْأَرْوَاحِ إِلَى أَجْسَادِهَا، فَرَآهُ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، وَرَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، كَمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْفَعِ مَكَانٍ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مُسْتَقَرًّا هُنَاكَ، وَبَدَنُهُ فِي ضَرِيحِهِ غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ الْمُسَلِّمُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عليه السلام، وَلَمْ يُفَارِقِ الْمَلَأُ الْأَعْلَى، وَمَنْ كَثُفَ إِدْرَاكُهُ وَغَلُظَتْ طِبَاعُهُ عَنْ إِدْرَاكِ هَذَا فَلْيُنْظَرْ إِلَى الشَّمْسِ فِي عُلُوِّ مَحِلِّهَا، وَتَعَلُّقِهَا وَتَأْثِيرِهَا فِي الْأَرْضِ، وَحَيَاةِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ بِهَا، هَذَا وَشَأْنُ الرُّوحِ فَوْقَ هَذَا فَلَهَا شَأْنٌ، وَلِلْأَبْدَانِ شَأْنٌ، وَهَذِهِ النَّارُ تَكُونُ فِي مَحِلِّهَا وَحَرَارَتُهَا تُؤَثِّرُ فِي الْجِسْمِ الْبَعِيدِ عَنْهَا، مَعَ أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَالتَّعَلُّقَ الَّذِي بَيْنَ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ أَقْوَى وَأَكْمَلُ مِنْ ذَلِكَ وَأَتَمُّ، فَشَأْنُ الرُّوحِ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَأَلْطَفُ.
فَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمْدِ إِيَّاكِ أَنْ تَرَيْ
…
سَنَا الشَّمْسِ فَاسْتَغْشِي ظَلَامَ اللَّيَالِيَا
فَصْلٌ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «عُرِجَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى السَّمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: كَانَ بَيْنَ الْإِسْرَاءِ وَالْهِجْرَةِ سَنَةٌ وَشَهْرَانِ انْتَهَى.
وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً يَقَظَةً، وَمَرَّةً مَنَامًا، وَأَرْبَابُ