الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل مَنْ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِمْ]
فَصْلٌ
ولَمَّا اسْتَقَرَّ الْفَتْحُ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وعبد العزى بن خطل، والحارث بن نفيل بن وهب، ومقيس بن صبابة، وهبار بن الأسود، وَقَيْنَتَانِ لابن خطل، كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وسارة مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَأَمَّا ابن أبي سرح فَأَسْلَمَ فَجَاءَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَ عَنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَيَقْتُلَهُ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَاجَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ. وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ فَرَّ، فَأَمَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَدِمَ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
وَأَمَّا ابن خطل، والحارث، ومقيس، وَإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ فَقُتِلُوا، وَكَانَ مقيس قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَقَتَلَ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَأَمَا هبار بن الأسود، فَهُوَ الَّذِي عَرَضَ لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ هَاجَرَتْ، فَنَخَسَ بِهَا حَتَّى سَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ وَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا، فَفَرَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَاسْتُؤْمِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسارة وَلِإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ فَأَمَّنَهُمَا فَأَسْلَمَتَا.
«فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا، أَوْ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا
حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ".»
وَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ عَلَى رَسُولِهِ، وَهِيَ بَلَدُهُ وَوَطَنُهُ، وَمَوْلِدُهُ، قَالَ الْأَنْصَارُ فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَتَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْضَهُ وَبَلَدَهُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا؟ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الصَّفَا رَافِعًا يَدَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قَالُوا: لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «مَعَاذَ اللَّهِ، الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» ".
" «وَهَمَّ فضالة بن عمير بن الملوح أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أفضالة؟ قَالَ: نَعَمْ فضالة يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَاذَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللَّهَ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " اسْتَغْفِرِ اللَّهَ "، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ، وَكَانَ فضالة يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ» ، قَالَ فضالة: فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: هَلُمَّ إِلَى الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فضالة يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمَّ إِلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا
…
يَأْبَى عَلَيْكِ اللَّهُ وَالْإِسْلَامُ
لَوْ قَدْ رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَقَبِيلَهُ
…
بِالْفَتْحِ يَوْمَ تُكَسَّرُ الْأَصْنَامُ
لَرَأَيْتِ دِينَ اللَّهِ أَضْحَى بَيِّنًا
وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ
وَفَرَّ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، فَأَمَّا صفوان فَاسْتَأْمَنَ لَهُ عمير بن وهب الجمحي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَكَّةَ، فَلَحِقَهُ عمير وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ فَرَدَّهُ، فَقَالَ: اجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ، فَقَالَ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
وَكَانَتْ أم حكيم بنت الحارث بن هشام تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، فَأَسْلَمَتْ وَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهُ، فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ فَأَمَّنَتْهُ فَرَدَّتْهُ، وَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ وصفوان عَلَى نِكَاحِهِمَا الْأَوَّلِ.
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تميم بن أسيد الخزاعي فَجَدَّدَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ.
وَبَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرَايَاهُ إِلَى الْأَوْثَانِ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَكُسِّرَتْ كُلُّهَا، مِنْهَا: اللَّاتُ، وَالْعُزَّى، وَمَنَاةُ الثَّالِثَةُ الْأُخْرَى، وَنَادَى مُنَادِيهِ بِمَكَّةَ:" «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدَعْ فِي بَيْتِهِ صَنَمًا إِلَّا كَسَرَهُ» ".
فَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِيَهْدِمَهَا، فَخَرَجَ إِلَيْهَا فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهَا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:" «هَلْ رَأَيْتَ شَيْئًا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:" فَإِنَّكَ لَمْ تَهْدِمْهَا فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَاهْدِمْهَا، فَرَجَعَ خالد وَهُوَ مُتَغَيِّظٌ فَجَرَّدَ سَيْفَهُ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ عُرْيَانَةٌ سَوْدَاءُ نَاشِرَةُ الرَّأْسِ، فَجَعَلَ السَّادِنُ يَصِيحُ بِهَا، فَضَرَبَهَا خالد فَجَزَلَهَا بِاثْنَتَيْنِ وَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: " نَعَمْ، تِلْكَ الْعُزَّى وَقَدْ أَيِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ أَبَدًا» "، وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ وَكَانَتْ لِقُرَيْشٍ وَجَمِيعِ بَنِي