الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَبَنَى بِهَا بِسَرِفَ ثُمَّ أَدْلَجَ وَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ قَبْرُ ميمونة بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا.
[فصل في زواجه صلى الله عليه وسلم بميمونة وهو محرم]
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "تَزَوَّجَ ميمونة، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ» " فَمِمَّا اسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ، وَعُدَّ مِنْ وَهْمِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَوَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ، مَا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بَعْدَ مَا حَلَّ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ عَنْ ميمونة: " «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» " رَوَاهُ مسلم.
وَقَالَ أبو رافع: " «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ميمونة وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا» " صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ
ميمونة، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَكَانَ الْحِلُّ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا، فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا قَبْلَ إِحْرَامِهِ، وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ قَوْلًا، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهِ منَ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ميمونة نَفْسِهَا، وَقَوْلُ السَّفِيرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أبو رافع، وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ النَّقْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَجَمَاعَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ.
وَقَدْ حُمِلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ "تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ " عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، لَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، قَالُوا: وَيُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ: إِذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ، وَأَحْرَمَ: إِذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَتَلُوا ابن عفان الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا
…
وَرِعًا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَقْتُولَا
وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ فِي الْمَدِينَةِ حَلَالًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ رَوَى مسلم فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» ".
وَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُضُ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ هَاهُنَا، لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُوَافِقٌ