الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وسبعمائة
فيها كما قال السيوطي [1] خرج السلطان الملك النّاصر بن قلاوون قاصدا للحجّ، فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردّهم، فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر، فلما توسطه انكسر به فسلم من قدّامة وقفز به الفرس فسلم، وسقط من وراءه، وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته، وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الدّيار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام.
وبويع الأمير ركن الدّين بيبرس الجاشنكير [2] بالسّلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقّب الملك المظفّر، وقلّده الخليفة، وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدوّرة، ونفذ التقليد إلى الشام في كيس أطلس أسود [3] ، فقرئ هناك، وأوله إِنَّهُ من سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27: 30 [النّمل: 30] ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء، فدخل دمشق في شعبان، ثم دخل مصر يوم عيد الفطر، وصعد القلعة.
وقال العلاء الوداعي [4] في عوده إلى الملك:
الملك النّاصر قد أقبلت
…
دولته مشرقة الشّمس
[1] انظر «حسن المحاضرة» (2/ 112- 114) .
[2]
الجاشنكير: هو الذي يتصدى لتذوق المأكول والمشروب قبل السلطان. انظر «معجم الألفاظ التاريخية» لدهمان ص (50) .
[3]
كذا في «آ» و «حسن المحاضرة» : «أطلس أسود» وفي «ط» : «أسود أطلس» .
[4]
هو علي بن مظفّر الكندي، سترد ترجمته في وفيات سنة (716) ص (71) .
عاد إلى كرسيّه مثل ما
…
عاد سليمان إلى الكرسي
وخذل المظفّر، فجاء إلى خدمة السلطان، فوبخه وخنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشرّ وتمكّن.
وهرب نائبه سلّار [1] نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف، وكان تملّك إحدى عشرة سنة.
وكان مغليا، أسمر، سهل الخدّين، ليس بالطويل، ذا هيئة، قليل الظّلم، وقد بلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه.
وفيها مات المقرئ المعمّر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي [2] .
قال الذهبي: حدّثنا عن ابن اللّتي، وجعفر، ومكرم، ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن أبي طالب الحمّامي البغدادي الزّانكي [3] المجاور من زمان بمكّة، بحيث صار مسندها. سمع من الأنجب الحمّامي أجزاء تفرّد بها، وأخذ عنه ابن مسلّم القاضي، وشمس الدّين بن الصّلاح مدرّس القيمرية، وأجاز لأبي عبد الله الذّهبي.
وتوفي بمكّة في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة.
وفيها أبو الفضل تاج الدّين [4] ، أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري المالكي الشّاذلي [5] .
[1] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (298) و «ذيول العبر» ص (53) .
[2]
انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (1/ 23- 24) و «معجم الشيوخ» (1/ 132- 133) .
[3]
انظر «ذيول العبر» ص (48- 49) و «معجم الشيوخ» (1/ 117- 118) و «الدرر الكامنة» (1/ 142) و «العقد الثمين» (3/ 49- 51) .
[4]
في «ط» : «تاج الدّين أبو الفضل» .
[5]
انظر «ذيول العبر» ص (48) و «طبقات الشافعية الكبرى» (9/ 23- 24) و «الدّرر الكامنة» (1/ 273) و «غربال الزمان» ص (580- 581) و «حسن المحاضرة» (1/ 524) .
قال ابن حجر في «الدّرر الكامنة» صحب الشيخ أبا العبّاس المرسي صاحب الشّاذلي، وصنّف مناقبه ومناقب شيخه. وكان المتكلّم على لسان الصّوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدّين بن تيميّة فبالغ في ذلك. وكان يتكلم على النّاس، وله في ذلك تصانيف عديدة.
قال الذهبي: كانت له جلالة عجيبة [1] ووقع في النّفوس، ومشاركة في الفضائل. وكان يتكلّم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النّفوس، ومزج كلام القوم [2] بآثار السّلف وفنون العلم، فكثر أتباعه، وكانت عليه سيما الخير، ويقال: إن ثلاثة قصدوا مجلسه، فقال أحدهم: لو سلمت من العائلة لتجرّدت.
وقال الآخر: أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصّلاح ذرّة. وقال الثالث: أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضي ربّي. فلما حضروا مجلسه، قال في أثناء كلامه: ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه.
وقال الكمال جعفر: سمع من الأبرقوهي، وقرأ النحو على الماروني، وشارك في الفقه والأدب، وصحب المرسي، وتكلّم على الناس، وكثر أتباعه.
وقال ابن الأهدل: الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين، وإمام الفريقين.
كان فقيها، عالما، ينكر على الصّوفية. ثم جذبته العناية، فصحب شيخ الشيوخ المرسي، وفتح عليه على يديه، والذي جرى له معه مذكور في كتابه «لطائف المنن» وله عدّة تصانيف، منها «الحكم» [3] وكلّها مشتملة على أسرار ومعارف، وحكم ولطائف. نثرا ونظما.
[1] كذا في «آ» و «المنتخب من شذرات الذهب» لابن شقدة (208/ آ) : «عجيبة» وفي «ط» :
«عظيمة» .
[2]
يعني الصّوفية.
[3]
واسمه الكامل «الحكم العطائية» وهو كتيب صغير من كتب الصّوفية الشهيرة، نشرته المكتبة العربية بدمشق منذ سنوات طويلة بعناية الأستاذ أحمد عبيد رحمه الله. وقام بشرحه الشيخ عبد المجيد الشّرنوبي المصري المتوفى سنة (1348) هـ، وقامت بنشر شرحه المذكور دار ابن كثير سنة (1408) بعناية الأستاذ عبد الفتاح البزم، وقد أفردت أحاديث الكتاب لوالدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله من قبل الأستاذ البزم، فقام بتخريجها والحكم عليها.
وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده:
كم من قلوب قد أميتت بالهوى
…
أحيا بها من بعد ما أحياها
وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت. ومن طالع كتبه عرف فضله.
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في نصف جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة، وقبره مشهور يزار.
وفيها نبيه الدّين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري [1] المعدّل. سمع من ابن المقيّر، وابن رواج، وغيرهما. وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة، وأجاز له السّهرورديّ سنة ولادته، وهي سنة ثلاثين وستمائة.
وفيها شهدة بنت الصّاحب كمال الدّين عمر بن العديم العقيلي [2] .
ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة، وحضرت الكاشغري، وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرّف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد.
قال الذهبي: سمعت منها، وماتت بحلب.
وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدّين سنقر المنصوري الأعسر [3] وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا، شهما، عارفا، فيه ظلم. قاله في «العبر» .
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي [4] الفقيه الحنبلي المحدّث النّحوي اللّغوي.
ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك، وسمع بها من الفقيه محمد
[1] انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 15) .
[2]
انظر «ذيول العبر» ص (49) و «الدّرر الكامنة» (2/ 195) .
[3]
انظر «ذيول العبر» ص (48) و «الدّرر الكامنة» (2/ 177) .
[4]
انظر «ذيول العبر» ص (47) و «الوافي بالوفيات» (4/ 316) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 356- 357) .
اليونيني، وبدمشق من ابن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، وغيرهما، وعني بالحديث، وقرأ العربية واللّغة على ابن مالك، ولازمه حتّى برع في ذلك. وصنّف تصانيف، منها «شرح ألفية ابن مالك» وكتاب «المطلع على أبواب المقنع» [1] في غريب ألفاظه ولغاته.
قال الذهبي: كان إماما في المذهب والعربية والحديث، غزير الفوائد، متفننا، ثقة، صالحا، متواضعا، على طريقة السّلف. حدّثنا ببعلبك، ودمشق، وطرابلس.
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرّم، وذلك بعد دخوله إيّاها بدون شهر، وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه، ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني [2] .
[1] قلت: وقد وقفت على نسخة من مخطوطاته وهي من محفوظات مكتبة شستربتي بدبلن في إيرلندا الشمالية كتب على غلافها «المطلع على ألفاظ المقنع» وهو أصح لأنه يتناول ألفاظ «المقنع» بالشرح لا أبوابه. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في المكتب الإسلامي بدمشق عام 1385 هـ، وقام عليه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل فيه الأستاذ محمد محمد شرّاب.
ويقوم بتحقيقه الآن صديقي الفاضل الدكتور خالد عبد الكريم جمعة.
[2]
يعني المقدسي رحمه الله تعالى.