الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
فيها عاث تمرلنك بالعراق، وخرّب بغداد، وتبريز، وشيراز، وغيرها، واتصل شرر فتنته إلى الشام، ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع كلّ قلب لما يحكى عنه، فإنه أوسع القتل والنّهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها، وعاد إلى البصرة والحلّة وغيرها، وأكثر النّهب والتعذيب، ثم توجه نحو الشمال، فوصل إلى ديار بكر، وعضت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجّة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين.
وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم، فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي، فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه، وكان طوله أكثر من سبعة أذرع.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية، فيقال: مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها كان الطّاعون الشّديد بحلب بلغت عدة الموتى كلّ يوم خمسمائة نفس وأكثر.
وفيها اجتمع بالقدس أربعة من الرّهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذمّ الإسلام، فثار الناس عليهم فأحرقوهم.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصّالحي الحنفي [1] .
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 97) .
كان من فضلاء الحنفية، مشاركا في الفنون، أفتى وناظر، ولازم أبا البقاء السّبكي مدة، وقرأ عليه «الكشّاف» ، وهو المشار إليه في كتابة «السجلات» .
توفي في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطّاب بن رقم البقاعي الدمشقي المعروف بالزّهري [1] ، الفقيه الشافعي.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النّور الأردبيلي، والفخر المصري، وابن قاضي شهبة، وأبي البقاء السّبكي، والبهاء الإخميمي، ومهر في الفقه وغيره، وسمع الحديث من البرزالي وغيره، ودرّس كثيرا، وأفتى، وتخرّج به البهاء، وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرّس بالشامية والعادلية وغيرهما، وولي إفتاء دار العدل، واستقلّ بالقضاء في ولاية منطاش وأوذي بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا، وعدّ ذلك من زلّات العقلاء.
قال ابن حجي: كان مشهورا بحلّ «المختصر» في الأصول، و «التمييز» في الفقه، وله نظم. وكان مشهورا [2] ، له حظ من عبادة، مع حفظ لسانه من الوقيعة في الناس، مهيبا مقتصدا في معاشه، كثير التّلاوة، وقد انتهت إليه رئاسة الشافعية بدمشق.
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «العمدة» أخذ «التنبيه» وزاده التصحيح، وشرح «التنبيه» في مجلدات، ومصنفاته ليست على قدر علمه، وكان شكلا حسنا مهيبا، كأنما خلق للقضاء.
توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي [3] ، الفقيه المالكي.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) و «طبقات ابن قاضي شهبة» (3/ 194) .
[2]
لفظة «مشهورا» سقطت من «آ» .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 171) و «الدّرر الكامنة» (1/ 232) .
أخذ عن الأصفهاني وغيره، وشرح «ابن الحاجب» [1] في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وكان حسن الخط والعبارة، ماهرا في الأصول، فاضلا، إلّا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء ويأذن لمن ليس بأهل، وشاع عنه أنه قال في النزع: قولوا لابن الشّريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات ابن الشريشي عقب ذلك.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الضّياء محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي [2] الشافعي ابن عمّ القاضي صدر الدّين.
ناب في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول.
وفيها ولي الدّين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن عشاير [3] ، خطيب حلب وابن خطيبها.
أسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها [4] ، ورحل به إلى القاهرة، واشتغل ومهر، ونظم الشعر، وخطب بعد أبيه مدة، ومات بحلب [5] في ذي الحجّة بالطّاعون شابا.
وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزّي- بالزاي- المعروف بالعاشق [6] .
حضر على ابن الشّيرازي وغيره، وحدّث، وكان كثير الحجّ.
توفي مستهل صفر.
وفيها الحافظ زين الدّين وجمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرئ المحدّث شهاب الدّين أحمد بن الشيخ الإمام المحدّث أبي أحمد
[1] يعني «مختصر ابن الحاجب» .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 240) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) .
[4]
في «ط» : «وغيره» .
[5]
لفظة «بحلب» سقطت من «ط» .
[6]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 174) .
رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب [1] لقب جدّه عبد الرحمن، الشيخ الإمام العالم العلّامة، الزاهد القدوة، البركة، الحافظ، العمدة، الثقة، الحجّة، الحنبلي المذهب.
قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع أربعين وسبعمائة، وأجازه ابن النّقيب، والنّووي [2] ، وسمع بمكّة على الفخر عثمان بن يوسف، واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده، وحدّث عن محمد بن الخبّاز، وإبراهيم بن داود العطّار، وأبي الحرم محمد بن القلانسي، وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي، ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري، ومن خلق من رواة الآثار، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وله مصنّفات مفيدة، ومؤلّفات عديدة، منها «شرح جامع أبي عيسى الترمذي» و «شرح أربعين النّواوي» [3] ، وشرع في شرح «البخاري» فوصل إلى الجنائز، سمّاه «فتح الباري في شرح البخاري» ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين [4] ، وكتاب «اللطائف» [5] في الوعظ وأهوال القيامة، و «القواعد الفقهية» تدل على معرفة
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 175) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «الردّ الوافر» ص (106- 107) و «المقصد الأرشد» (2/ 81- 82) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 488- 489) و «الجوهر المنضد» ص (46) .
[2]
هو أحمد بن عبد المؤمن السبكي النووي. تقدمت ترجمته في ص (272) من هذا المجلد.
[3]
وقد طبع عدة مرات أفضلها التي صدرت في العام الماضي (1411 هـ) عن مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ إبراهيم باجس عبد المجيد.
[4]
وهو جدير بالنشر على ما به من النقص لاحتوائه على فوائد كثيرة متنوعة. انظر «كشف الظنون» (1/ 550) و «هدية العارفين» (1/ 527) .
[5]
واسمه الكامل «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» وقد طبع قديما في مصر سنة (1343) هـ دون تحقيق، وكنت قد شرعت بتحقيقه قبل أربع سنوات بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السواس، وأفردنا من القسم الذي أنجزنا تحقيقه منه- وهو في حدود ربعه- كتابا صغيرا سميناه «مجالس في سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم» تولى مراجعته والحكم على أحاديثه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ونشرته دار ابن كثير بدمشق سنة (1408) هـ، ثم تخليت عن مشاركة
تامة بالمذهب [1] ، وتراجم أصحاب مذهبه رتّبه على الوفيات ذيّل بها على «طبقات ابن أبي يعلى» [2] . وله غير ذلك من المصنّفات.
وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات، وكان يسكن بالمدرسة السّكرية بالقصّاعين.
قال ابن حجي: أتقن الفنّ- أي فنّ الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق، وتخرّج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.
توفي- رحمه الله ليلة الاثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان كان استأجره وصلّي عليه من الغد، ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازي ثم المقدسي الدمشقي المتوفى في ذي الحجّة سنة ست وثمانين وأربعمائة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : ولقد حدّثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدّين ابن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام، قال [4] : فقال لي: احفر لي هاهنا لحدا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه، وقال: هذا جيد، ثم خرج.
قال: فو الله ما شعرت بعد أيام إلّا وقد أتي به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللّحد.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي [5] الإمام المفتي الزّاهد.
الأستاذ السواس في تحقيق «اللطائف» لأمر لا مجال لذكره هنا، غفر الله لي وله ولسائر المسلمين وألهمنا العمل بما يرضيه على النحو الذي يرضيه.
[1]
وهو مطبوع طبعة جيدة في مصر منذ سنوات طويلة.
[2]
واسمه «الذيل على طبقات الحنابلة» وهو مطبوع طبعة قديمة في مصر بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى.
[3]
انظر «الردّ الوافر» ص (107) .
[4]
لفظة «قال» سقطت من «ط» .
[5]
انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «السّحب الوابلة» ص (209) .
سمع من إسماعيل بن الفرّاء وغيره، وحدّث، وكان فاضلا، متعبدا.
توفي في ثامن المحرم.
وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي [1] .
قدم أبوه وعمّه دمشق، فأقام بها، وأسمع أحمد [2] أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة، فحدّث عن أبي عمرو بن المرابط ب «السنن الكبرى» للنسائي بسماعه منه في «ثبت» كان معه، وحدّث عن محمد بن إسماعيل بن الخبّاز ب «مسند الإمام أحمد» كلّه، واعتماده على «ثبته» أيضا.
قال ابن حجر: وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة، وهو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الفصيح. انتهى.
وفيها علي بن أيدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي [3] .
كان يلقب حنبل. سمع الكثير، وطلب بنفسه، وجمع «معجم شيوخه» وترجم لهم.
قال ابن حجي: علّقت من «معجمه» تراجم وفوائد. قال: ولا يعتمد على نقله.
مات في رجب.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم، المعروف بابن السّبع [4]- بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة-.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) وفيه: «عبد الرحيم بن أحمد بن علي» .
[2]
في «آ» : «أحد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «السحب الوابلة» ص (292) .
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 111) .
قال ابن حجر: حضر بعض «البخاري» على وزيره، والحجّار، وسمع من يحيى بن فضل الله، والقاضي، ومحمد بن غالي، وغيرهم، وكان ممن يخشى لسانه، وكان أبوه قاضي المدينة.
مات هو في رمضان وقد اختلط عقله. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود- ثلاثة على نسق- ابن العطّار الحرّاني [1] ، سبط الشيخ زين الدّين الباريني.
ولد بعد الستين وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض، وتصدى لنفع الناس، وتصدر بأماكن، وكانت دروسه فائقة، وكان يتوقّد ذكاء.
ذكر القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» أنه حفظ ربع «ألفية العراقي» في يوم واحد ولو عمّر لفاق الأقران، لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري [2] .
قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين، وهو كبير، فاشتغل، وأخذ عن ابن عدلان، والكمال النسائي، وغيرهما. ومهر في الفقه، وشارك في غيره، وكان ديّنا، مع فكاهة فيه، ودرّس بأماكن بالقاهرة، وأفاد، وولي مشيخة خانقاه بشتك، وناب في الحكم، وتوفي في شوال، وانتفع به جمع كثير.
وفيها محبّ الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرّضي إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطّبري المكّي [3] .
قال ابن حجر: ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي، وطائفة من الوادي آشي، والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجّار وآخرون، ومات في ذي القعدة.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 182) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) .
اجتمعت به وصلّيت خلفه مرارا، وكان أعرج لأنه سقط فانكسرت رجله، وباشر العقود، وعمّر بعده أخوه أبو اليمن دهرا. انتهى.
وفيها صلاح الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن ابن الأعمى الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري.
اشتغل وحصّل وأشغل، وأعاد ودرّس، وأفتى، ودرّس بالظّاهرية الجديدة، وبمدرسة السلطان حسن.
وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش الصّوفية.
وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي الآدمي [2] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفصيح، وسمع من ابن الخبّاز، وابن تبّع [3] وغيرهما، وعني بالعربية، وأخذ عن الصّلاح الصّفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق، وباشر بها أماكن، وهو والد القاضي صدر الدّين.
قال ابن حجي: لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، ومع ذلك فكان أحد أوصياء تاج الدّين السّبكي، ثم صار من أخصاء البرهان بن جماعة، ودرّس بالإينالية، وحصل دنيا واسعة وأموالا جمّة، وعرض عليه بعض الحكّام نيابته [4] فلم يقبل.
وتوفي في جمادى الأولى فجأة.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 185) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (125) .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 183) .
[3]
تحرفت في «ط» إلى «سبع» .
[4]
في «ط» : «نيابة» .
وفيها جمال الدّين محمد بن يحيى بن سليمان السّكوني المغربي المالكي [1] .
قال في «إنباء الغمر» : كان عارفا بالمعقولات إلّا أنه طائش العقل، ولي قضاء حماة وطرابلس. فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظّاهر، فبدا منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدّى لأذى الكبار وتغريم بعضهم، فكوتب فيه السلطان، وعرّفوه ثبوت فسقه، فقدم مصر، ثم نفي إلى الرّملة فمات بها في أوائل هذه السنة.
وقال ابن حجي: كان كثير الدّعوي، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وشكا من غرمائه، فقال له: أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك، فأخذ يعرّض ببعض الأكابر، فعملوا عليه حتّى أخرجوه.
وفيها شرف الدّين أبو البقاء محمود بن العلّامة جمال الدّين محمد بن الإمام كمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي [2] الشافعي، العلّامة الورع، بقية السّلف، مفتي المسلمين وأقدم المدرسين وأقضى القضاة، البكري الوائلي.
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص، وأخذ العلم عن والده، والشيخ شمس الدّين بن قاضي شهبة، وأضرابهما، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان، وشارك في ذلك كلّه [3] ، مشاركة قوية، ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس، ودرس بالبادرائية، نزل بها والده عنها، واستمرّ يدرّس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين، وناب للقاضي تاج الدّين في آخر عمره فمن بعده، ولازم الاشتغال والإفتاء، واشتهر بذلك، وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) و «الدّرر الكامنة» (4/ 334) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 248) .
[3]
لفظة «كلّه» سقطت من «آ» .
وقال الشيخ زين الدّين القرشي: يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشّريشي، وتخرّج به خلق كثير، وكتب بخطّه أشياء كثيرة، وكان محببا إلى الناس، كلّه خير، ليس فيه شيء من الشرّ، وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدّين الزّهري رئاسة الشافعية، وكان مباركا له في رزقه، ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع، ولا يزال [1] يضيف الطلبة ويحسن إليهم ويكثر الحجّ.
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : لم أر في مشايخي أحسن من طريقته، ولا أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، وكان رأسا فيه.
توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأفرم بالسفح.
وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي [2] .
كان عالما، صالحا، عابدا، على طريقة السّلف.
نزل دمشق، وعيّن للقضاء فامتنع، ودرّس وأفاد، ثم تحوّل إلى القدس، وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة.
توفي ببلد الخليل- صلوات الله عليه- بزاوية الشيخ عمر المجرّد [3] في أحد الجمادين.
وفيها ناصر الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري [4] الشيخ الإمام علّامة الزّمان، قاضي قضاة الحنابلة بنابلس.
ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع من الميدومي وجماعة، واشتغل
[1] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «ولا يزال» وفي «ط» : «ولا زال» وهو أصوب وأوجه.
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) .
[3]
في «ط» : «المجود» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) و «الدّرر الكامنة» (4/ 390) و «النجوم الزاهرة» (12/ 137) و «المقصد الأرشد» (3/ 60) و «الجوهر المنضد» ص (169) .
في العلوم، وتفنّن، وأفتى، ودرّس، وناب في القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدّين مدة طويلة، ثم استقلّ بالقضاء بعد وفاته سنة تسع وستين، وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما يزيد على ست وأربعين سنة، وكان من القضاة العدول، مثابرا على التهجد بالليل، ودرّس بالشيخونية، وحدّث.
قال ابن حجر: كان دينا [1] ، عفيفا، مصونا، صارما، مهيبا، محبا في الطّاعة والعبادة. وحدّث ودرّس وأفاد، وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا.
انتهى.
توفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي القضاة موفق الدّين خارج باب النصر، وحضر جنازته نائب السلطنة سودون والحجّاب والقضاة والأعيان، وغيرهم.
وفيها أبو تاشفين بن أبي حمو موسى يوسف [2] التّلمساني [3] آخر بني عبد الواد.
خرج على أبيه وحاربه، وجرت له معه خطوب وحروب، إلى أن قتل أبوه في محرم سنة اثنتين وتسعين، وأسر أخوه أبو عمر فقتله [4] هو، وملك تلمسان، وصار [5] يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال، إلى أن قام أبو زبّان بن أبي حمو، فجمع جموعا، ونزل على تلمسان فحصرها، فكاده أخوه، وفرّق جمعه، ووفد على صاحب فاس فجهّز معه عسكرا، فمات أبو تاشفين صاحب الترجمة في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد بن العزّ ولده، فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصّبي والوزير، فخرج صاحب فاس إلى تلمسان
[1] لفظة «ديّنا» سقطت من «آ» .
[2]
في «آ» و «ط» : «أبو تاشفين موسى بن أبي حمد يوسف» وأثبت ما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 192- 193) .
[4]
في «ط» : «فقتل» .
[5]
في «ط» : «فصار» .
فملكها، وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان، وصارت لصاحب فاس، والله تعالى أعلم.
وفيها أمّة الرحيم، ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدّين العلائي [1] .
أسمعها [أبوها] من الحجّار وغيره، وحدّثت، وتوفيت في رابع شوال.
وكذلك أسماء أختها [2] ، وماتت في العشرين منه.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) .