الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وتسعين وسبعمائة
في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق، فاحترقت المئذنة الشرقية وسقطت، واحترقت الصّاغة والدهشة، وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك تقي الدّين ابن حجّة الحموي «مقامة» في نحو عشرة أوراق من رائق النثر وفائق النظم، وهي أعجوبة في فنّها. قاله ابن حجر.
وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق.
وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم، فملك أصبهان، وكرمان، وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز، فتهيأ منصور شاه لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من ذلك، بل استمرّ على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك، فأمن، فبغته تمرلنك، فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه، وعزم على لقاء تمرلنك، فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار، لكن الكثرة غلبت الشّجاعة، فقتل منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين، فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين.
وفيها توفي ناصر الدّين إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن بختيار [1] الصالحي، المعروف بابن السلّار [2] .
ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمّام، وابن الزرّاد، وست الفقهاء بنت الواسطي، وهو آخر من روى عن الدّمياطي بالإجازة، وكان له نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة.
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مختار» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 124) و «الدّرر الكامنة» (1/ 21) .
توفي في شعبان عن تسعين سنة، وكان موت والده سنة ست عشرة وسبعمائة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الدّنيسريّ بن العطّار القاهري الشافعي [1] .
ولد سنة ست وأربعين، وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه، ثم تولع بالأدب، ونظم فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح [2] الأكابر بالقصائد، ونظم «بديعية» ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللّحن، وقد تهاجى هو وعيسى بن حجّاج، وله «نزهة الناظر في المثل السائر» .
وكان حادّ البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكّة، سمّاها «فتوح مكة» وديوان مدائح في ابن جماعة سمّاه «قطع المناظر بالبرهان الحاضر» و «الدرر الثمين في التضمين» .
وهو القائل:
أتى بعد الصّبا شيبي وظهري
…
رمي بعد اعتدال باعوجاج
كفى أن كان لي بصر حديد
…
وقد صارت عيوني من زجاج
توفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدّين البسطامي [3] نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع.
كان للناس فيه اعتقاد كثير، وله زاوية في القدس معروفة، وكان نشأ ببغداد، وتفقه بمذهب الشافعي، إلى أن أعاد [4] بالنظامية، فاتفق قدوم الشيخ علاء الدّين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به، وصار من مريديه، فسلّكه
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 125) و «النجوم الزاهرة» (12/ 128) .
[2]
في «ط» : «ومدائح» .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 130) و «الدّرر الكامنة» (2/ 259) و «الدليل الشافي» (1/ 385) .
[4]
في «ط» : «عاد» .
وهذّبه، وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه، واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه، فقام [1] أتم قيام، ورزقه الله تعالى القبول، وكثرت أتباعه، وكان كثير التواضع، مهيبا.
توفي بالقدس في المحرم.
وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي الشافعي [2] ، والد قاضي مكّة وأخو قاضيها.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، وعيسى بن الملوك، وغيرهما، وكان ديّنا، خيّرا، له نظم وعبادة.
توفي في ربيع الآخر وحدّث عنه ولده.
وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي [3] ، موقّع الحكم. برع في الفقه، وشرح «مختصر الشيخ خليل» وحمل عن الشيخ جمال الدّين بن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرّس، ووقّع على القضاة راتبة مرارا، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي، وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي [4] ، الكاتب النّاظم النّاثر المشهور.
ولي نظر الدولة مرارا، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيرا، ثم استدعي أخيرا إلى القاهرة ليستقرّ وزيرا بها فاغتيل بالسمّ في الطريق فدخل القاهرة
[1] لفظة «فقام» سقطت من «آ» .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 131) و «الدّرر الكامنة» (2/ 264) و «العقد الثمين» (5/ 183) و «الدليل الشافي» (1/ 385) .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) .
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 230) و «النجوم الزاهرة» (12/ 131) و «الدليل الشافي» (1/ 400) .
ميتا، وكان ماهرا في الكتابة، عارفا بصناعة الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنّظم الرائق.
قال ابن حجر: ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة، وهي الرسالة الطويلة، منها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد، وأطاعه حرف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد.
وهو القائل:
علقتها معشوقة خالها
…
قد عمّها بالحسن بل خصّصا
ما وصلها [1] الغالي وما جسمها
…
لله ما أغلى وما أرخصا
سمعت من لفظه شيئا من الشعر، وكانت بيننا مودة.
قال المقريزي- بعد أن أثنى على أدبه وفضله-: إلّا أنه كان لعراقة آبائه في النّصرانية يستخف بالإسلام وأهله، ويخرج ذلك في أساليب من سخفه وهزله، من ذلك أنه سمع المؤذّن يقول: وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال: هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدى فيه الشهادة وما ثبت.
ومات وله عدة بنات نصارى، عامله الله بما يستحقه. انتهى كلام المقريزي.
ومات في خامس عشر ذي الحجّة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن بهاء الدّين عبد الرحمن بن قاضي القضاة عزّ الدّين محمد بن قاضي القضاة تقي الدّين سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] .
حضر على جدّ والده التّقي سليمان وغيره.
[1] في «إنباء الغمر» : «يا وصلها» .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 60) و «المقصد الأرشد» (2/ 236) .
قال الشيخ شهاب الدّين [1] بن حجي: سمعت منه قديما، وكان رجلا حسنا، وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر، وكان عنده كرم وسماحة، كثير الضافية للناس.
توفي ليلة السبت حادي عشري شعبان.
وفيها علاء الدّين علي [بن مجاهد][2] الجدلي [3] .
اشتغل ببلده، ثم قدم القدس، فلازم التّقي القلقشندي، ثم قدم دمشق، فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين، فأخذ عن الضّياء القرمي، وعاد إلى دمشق، وتصدّر بالجامع، وأشغل الناس، واختصّ بالقاضي سري الدّين، وأضاف إليه قضاء المجدل، ثم وقع بينهما، فأخذت وظائفه، ثم غرم مالا حتّى استعادها، وولي مشيخة النّجيبية بأخرة، وسكنها، وكان جيدا متوسطا في الفقه.
توفي في شهر رمضان. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي [4] .
ولد سنة ثمان وعشرين، وكان فاضلا، ورأس في الحنفية حتّى كان يقصد للفتوى، ثم ولي كتابة السرّ بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين، فدخل القاهرة، وتحوّل، فصار شافعيا، وولي قضاء حماة، ثم حلب، ثم عزل بابن أبي الرّضي، وكان ذا فضيلة في النّظم والنّثر، خيّرا، مهيبا، حسن الخطّ، أثنى عليه فتح الدّين بن الشهيد، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزّركشي الشافعي، الإمام العلّامة المصنّف المحرّر [5] .
[1] في «ط» : «الشهاب» .
[2]
ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 137) .
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) .
[5]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 397) و «النجوم الزاهرة» (12/ 134)
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن الشيخين جمال الدّين الإسنوي، وسراج الدّين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيها، أصوليا، أديبا، فاضلا في جميع ذلك، ودرّس وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدّين بالقرافة الصّغرى.
قال البرماوي: كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه، ومن تصانيفه «تكملة شرح المنهاج» للإسنوي، ثم أكمله لنفسه، و «خادم الشرح» و «الروضة» وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، و «النكت على البخاري» و «البحر» في الأصول في ثلاثة أجزاء، جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه، وشرح «جمع الجوامع» للسبكي في مجلدين، و «لقطة العجلان وبلّة الظمآن» ، وله غير ذلك. وكان خطّه ضعيفا جدا قلّ من يحسن استخراجه.
توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصّغرى بالقرب من تربة بكتمر السّاقي.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللّخمي، الملقّب بالقاضي ابن الشّيرازي [1] .
ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة، وسمع من جدّته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر «مشيخة كريمة» بسماعها منها، وتفرّد بذلك، وكان يذكر أنه سمع «البخاري» من ابن الشّحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء المعتبرين، وله مال جزيل وثروة، ووقف متسع، وأنفق ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته، وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة.
و «الدليل الشافي» (2/ 609) .
[1]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 141) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرّشيد [1] .
سمع القاضي، والمطعم، وابن سعد، وغيرهم. وحدّث وتوفي في شوال عن أربع وثمانين سنة.
وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصّقلي [2] ، نزيل الحرمين.
كان خيّرا. سمع من الزّيادي، وابن أميلة وغيرهما [3] ، ولازم قراءة الحديث بمكّة. توفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي الحنفي المرغياني [4] .
ذكره ابن حبيب، وقال: سكن القاهرة، وكان من فضلاء الحنفية، وناب في الحكم، وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة، وتوفي في شوال.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن النّجيب نصر الله بن إسماعيل الأنصاري بن النّحاس [5] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشّيرازي، وابن عساكر، والحجّار، وغيرهم، وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النّحاس، واعتنى به أخوه، فأسمعه الكثير، وخرّج له ابن الشّرائحي «مشيخة» فمات قبل أن يحدّث بها، وتوفي في شوال.
وفيها بدر الدّين محمد بن نصر الله بن بصاقة الدّمشقي [6] .
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 142) و «الدّرر الكامنة» (4/ 6) و «السحب الوابلة» ص (383) .
[2]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) و «العقد الثمين» (2/ 257) .
[3]
في «ط» : «وغيرهم» .
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) .
[5]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .
[6]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 145) .
سمع على أسماء بنت صصرى، ولازم العنّابي، وابن هشام، ومهر في العربية، وأحسن الخطّ، وتوفي في رمضان.
وفيها شرف الدّين موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني [1] ، أخو القاضي شهاب الدّين.
قدم دمشق، ونزل بالبادرائية، وقرأ بالسبع على ابن اللّبّان، وسمع من ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه، وكان أسنّ من أخيه، فأسمع أخاه معه [2] قليلا، ولما ولي أخوه استنابه، وقرّر له بعض جهات. مات غريبا في رمضان.
وفيها محيي الدّين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب [3] الرّحبي [4] .
ولد سنة خمس عشرة، وسمع «الصحيح» من الحجّار، والمزّي، وحدّث به، وكان معتنيا بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وكان البرهان بن جماعة قد صاهره، فكان له بذلك جاه كبير، وقد أكثر عن الجزري وغيره، ولازم ابن كثير، وأخذ عنه فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيميّة، وكان تاجرا، فلما كبر دفع ماله لولده محمد، وأقبل على الإسماع، وكان يقصد لسماع «الصحيح» وله به نسخة قد أتقنها، وحجّ مرارا، وأصيب في رجليه بالمفاصل، وتوفي في شهر ربيع الأول، والله أعلم.
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 147) .
[2]
في «ط» : «منه» وهو تحريف.
[3]
في «إنباء الغمر» : «ابن زعيب» .
[4]
انظر «إنباء الغمر» (3/ 148) و «الدّرر الكامنة» (4/ 430) .