الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن وأخواتها
174 -
لإن أن ليت لكن لعل
…
كأن عكس ما لكان من عمل
175 -
كإن زيدًا عالم بأني
…
كفء ولكن ابنه ذو ضفن
176 -
وراع ذا الترتيب إلا في الذي
…
كليت فيها أو هنا غير البذي
من الحروف ما استحق أن يجري في العمل مجرى (كان) وهي: إن وأن وليت ولكن ولعل وكأن.
فإن: لتوكيد الحكم، ونفي الشك فيه، أو الإنكار له، وأن مثلها، إلا في كونها، وما بعدها في تأويل المصدر.
و (ليت) للتمني، وهو: طلب ما لا طمع في وقوعه، كقولك: ليت زيدًا حي، وليت الشباب يعود.
و (لكن) للاستدراك، وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم عدم ثبوته أو نفيه، كقولك: ما زيد شجاعًا ولكنه كريم، فإنك لما نفيت الشجاعة عنه أوهم ذلك نفي الكرم، لأنهما كالمتضايفين، فلما أردت رفع هذا الإيهام؛ عقبت الكلام بـ (لكن) مع [62] // مصحوبها
و (لعل) للترجي والطمع، وقد ترد إشفاقًا، كقوله تعالى:(فعلك باخع نفسك على آثارهم)[الكهف /6].
و (كأن) للتشبيه، وعند النحويين أن قولك كأن زيدًا أسد، أصله: إن زيدًا كالأسد، ثم قدمت الكاف ففتحت الهمزة من (أن) فصارا حرفًا واحدًا يفيد التشبيه، والتوكيد.
وهذه الحروف شبيهة بـ (كان) لما فيها من سكون الحشو، وفتح الآخر، ولزوم المبتدأ والخبر، فعملت عكس عمل (كان) ليكون المعمولان معها كمفعول وقدم، وفاعل أخر، فتبين فرعيتها، فلذلك نصبت الاسم، ورفعت الخبر، نحو: إن زيدًا علام بأني كفء، ولكن ابنه ذو ضغن، أي: حقد، ونحو: ليت عبد الله مقيم، ولعل أخاك راحل، وكأن أباك أسد.
ولا يجوز في هذا الباب تقديم الخبر، إلا إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، نحو: إن عندك زيد، وإن في الدار عمرًا، وقال الله تعالى:(إن في ذلك لعبرةً)[آل عمران /13] و (إن لدينا أنكالا)[المزمل /12].
ومثل لصورتي تقديم الخبر في هذا الباب بقوله:
…
ليت فيها أو هنا غير البذي
أي: الوقح.
177 -
وهمز إن افتح لسد مصدر
…
مسدها وفي سوى ذاك اكسر
(إن) المكسورة هي الأصل، فإذا عرض لها أن تكون هي، ومعمولها في معنى تأويل المصدر، بحيث يصح تقديره مكانهما فتحت همزتها للفرق، نحو: بلغني أن زيدًا فاضل، تقديره: بلغني الفضل.
وكل موضع هو للمصدر فإن فيه مفتوحة، وكل موضع هو للجملة فإن فيه مكسورة.
ومن المواضع ما يصح فيه الاعتباران، فيجوز فيه الفتح، والكسر على معنيين، كما سنقف عليه، إن شاء الله تعالى.
وقد نبه على مواضع الكسر بقوله:
178 -
فاكسر في الابتدا وفي بدء صله
…
وحيث إن ليمين مكمله
179 -
أو حكيت بالقول أو حلت محل
…
حال كزرته وإني ذو أمل
180 -
وكسروا من بعد فعل علقا
…
باللام كاعلم إنه لذو تقى
المواضع التي يجب فيها كسر (إن) ستة:
الأول: أن يبتدأ بها الكلام مستقلا، نحو قوله تعالى:(إنا أعطيناك الكوثر)[الكوثر /1] ونحو: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[يونس /62]، أو مبنيا على ما قبله، نحو: زيد إنه منطلق.
قال الشاعر: [من البسيط]
131 -
منا الأناة وبعض القوم يحسبنا
…
إنا بطاء وفي إبطائنا سرع
الثاني: أن تكون أول صلة، كقولك: جاء الذي إنه شجاع، ونحو قوله تعالى:(وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة)[القصص /76].
[63]
واحترز بكونها أول الصلة من نحو: جاء الذي // عندك أنه فاضل، ومن نحو قولهم: لا أفعله ما أن في السماء نجمًا لأن تقديره ما ثبت أن في السماء نجمًا.
الثالث: أن يتلقى بها القسم، نحو قوله تعالى:(حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ)[الدخان 1 - 2 - 3].
الرابع: أن يحكى بها القول المجرد من معنى الظن، نحو قوله تعالى:(قال إني عبد الله)[مريم /30].
وقوله:
أو حكيت بالقول
…
.
…
.
معناه: حكيت ومعها القول، لأن الجملة إذا حكي بها القول فقد حكيت هي بنفسها مع مصاحبة القول.
واحترزت (بالمجرد من معنى الظن) من نحو: أتقول أنك فاضل.
الخامس: أن تحل محل الحال، نحو: زرت زيدًا، وإني ذو أمل، كأنك قلت: زرته آملا، ومثله قوله تعالى:(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون)[الأنفال /5].
فكسر (إن) في هذه المواضع كلها واجب، لأنها مواضع الجمل، ولا يصح فيها وقوع المصدر.
السادس: أن تقع بعد فعل معلق باللام، نحو: علمت إنه لذو تقى. فلولا اللام لكانت (إن) مفتوحة، لتكون هي، وما عملت فيه مصدرًا منصوبًا بعلمت. فلما دخلت اللام وهي معلقة للفعل عن العمل بقي ما بعد الفعل معها منقطعًا في اللفظ عما قبله فأعطى حكم ابتداء الكلام، فوجب كسر (إن) كما في قوله تعالى:(والله يعلم إنك لرسوله)[المنافقون /1]. ومثله بيت الكتاب: [من الطويل]
132 -
ألم تر إني وابن أسود ليلةً
…
لنسري إلى نارين يعلو سناهما
181 -
بعد إذا فجاءةٍ أو قسم
…
لا لام بعده بوجهين نمي
182 -
مع تلو فا الجزا وذا يطرد
…
في نحو خير القول إني أحمد
يجوز فتح (إن) وكسرها في مواضع:
منها: أن تقع بعد (إذا) الفجائية، نحو: خرجت فإذا أن زيدًا واقف: والكسر هو الأصل، لأن إذا الفجائية مختصة بالجمل الابتدائية، (فإن) بعدها واقعة في موقع الجملة، فحقها الكسر. ومنهم من يفتحها بجعلها وما بعدها مبتدأ محذوف الخبر.
قال الشاعر: [من الطويل]
133 -
وكنت أرى زيدًا كما قيل سيدًا
…
إذا أنه عبد القفا واللهازم
يروى: (إذا إنه): على معنى: فإذا هو عبد القفا، و (إذا أنه)، على معنى: فإذا العبودية موجودة.
ومنها: أن تقع بعد قسم، وليس مع أحد معموليها اللام، كقولك: حلفت إنك ذاهب؛ بالكسر؛ على جعلها جوابًا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولا بإسقاط الخافض، والكسر هو الوجه، ولا يجيز البصريون غيره.
وأما الفتح فذكر ابن كيسان أن الكوفيين يجيزونه بعد القسم على جعله مفعولا [64] بإسقاط الجار، وأنشدوا: // [من الرجز]
134 -
لتقعدن مقعد القصى
…
مني ذي القاذورة المقلي
أو تحلفي بربك العلي
…
أني أبو ذيالك الصبي
بكسر (إن) على الجواب، وبفتحها على معنى: أو تحلفي على أني أبو الصبي.
ولو كان مع أحد معمولي (إن) بعد القسم اللام، كما في نحو:(حلفت بالله إنك لذاهب) وجب الكسر باتفاق، لأنها مع اللام يجب أن تكون جوابًا، ولا يجوز أن تكون مفعولا، لأن (أن) المفتوحة لا تجامعها اللام إلا مزيدة على ندور.
ومنها: أن تقع بعد فاء الجزاء، نحو: من يأتني فإني أكرمه، بالكسر على أنها في موضع الجملة، وبالفتح: على أنها في تأويل مصدر مرفوع، لأنه مبتدأ محذوف الخبر، أو حبر محذوف المبتدأ، والكسر هو الأصل؛ لأن الفتح محوج إلى تقدير محذوف، لأن الجزاء لا يكون إلا جملة، والتقدير على خلاف الأصل. ومما جاء بالكسر قوله تعالى:(وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)[البقرة / 215].
ومما جاء بالفتح قوله تعالى: (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم)[التوبة /63].
ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم)[الأنعام /54].
فالكسر على معنى: فهو غفور رحيم، والفتح على معنى، فمغفرة الله ورحمته حاصلة لذلك التائب المصلح.
ومنها: أن تقع خبرًا عن قول، وخبرها قول، وفاعل القولين واحد، كقولهم: أول قولي أني أحمد الله؛ بالفتح؛ على معنى: أول قولي: حمد الله، وإني أحمد الله؛ بالكسر، على الإخبار بالجملة، لقصد الحكاية، كأنك قلت: أول قولي هذا اللفظ.
وقيل الكسر على أن الجملة حكاية القول، والخبر محذوف، تقديره: أول قولي: هذا اللفظ ثابت، وليس بمرضٍ، لاستلزامه ما لا سبيل إلى جوازه، وهو: إما الإخبار بما لا فائدة فيه، وإما كون أول صلة دخوله في الكلام كخروجه، لأن الذي هو أول قولي: إني أحمد الله حقيقة هو الهمزة من إني، فإن لم يكن أول صلة لزم الإخبار عن الهمزة من أني بأنها ثابتة، ولا فائدة فيه، وإن كان صلة لزم زيادة الاسم، وكلا الأمرين غير جائز.
وتكسر (إن) بعد (حتى) الابتدائية، نحو: مرض فلان حتى إنه لا يرجى برؤه، أو بعد (ما) الاستفتاحية، نحو: أما إنك ذاهب، فإن كانت (حتى) عاطفة أو جارة تعين بعدها الفتح، نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، وكذلك إن كانت (إما) بمعنى: حقًا، تقول: أما إنك ذاهب، كما تقول: حقًا إنك ذاهب، على معنى في حق ذهابك.
قال الشاعر: [من الوافر]
135 -
أحقًا أن جيرتنا استقلوا
…
فنيتنا ونيتهم فريق
تقديره: أفي حق ذلك؟
وجوز فيه الشيخ أن يكون (حقًا) مصدرًا، بدلا من اللفظ بالفعل.
[65]
// وتفتح أن بعد (لا جرم) نحو قوله سبحانه وتعالى: (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون)[النحل / 23]. وقد تكسر.
قال الفراء: (لا جرم) كلمة كثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقًا، وبذلك فسرها المفسرون، وأصلها من جرمت، أي: كسبت.
وتقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت، فنزلها بمنزلة اليمين. قلت: فهذا وجه من كسر (إن) بعدها، قال: لا جرم إنك ذاهب، وما عدا المواضع المذكورة فإن فيه الفتح، لا غير، نحو قوله عز وجل:(ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعةً)[فصلت /39]. (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب)[العنكبوت /51]. (قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن)[الجن /1]. (ولا تخافون أنكم أشركتم بالله)[الأنعام /81]. (علم أنكم كنتم تختانون أنفسكم)[البقرة /187]. (ذلك بأن الله هو الحق)[الحج /62]. (وإنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)[الذاريات /23].
ومن أبيات الكتاب: كتاب سيبويه: [من الوافر]
136 -
تظل الشمس كاسفةً عليه
…
كآبة أنها فقدت عقيلا
183 -
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر
…
لام ابتداء نحو إني لوزر
184 -
ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا
…
ولا من الأفعال ما كرضيا
185 -
وقد يليها مع قد كإن ذا
…
لقد سما على العدا مستحوذا
186 -
وتصحب الواسط معمول الخبر
…
والفصل واسمًا حل قبله الخبر
إذا أريد المبالغة في التأكيد جيء مع (إن) المكسورة بلام الابتداء، وفرقوا بينهما كراهية الجمع بين أداتين بمعنى واحد، فأدخلوا اللام على الخبر، أو ما في محله.
أما الخبر فتدخل عليه اللام، بشرط ألا يتقدم معموله، ولا يكون منفيًا، ولا ماضيًا متصرفًا، خاليًا من (قد) نحو: إن زيدًا لرضي، بل يكون مفردًا، نحو قوله تعالى:(وإن ربك لذو مغفرةٍ)[الرعد /6]. ومثله: (إني لوزر). أي: ملجأ، أو ظرفًا، أو شبهه، نحو قوله تعالى:(وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ)[القلم /4]، أو جملة اسمية كقول الشاعر:[من البسيط]
137 -
إن الكريم لمن ترجوه ذو جدةٍ
…
ولو تعذر إيسار وتنويل
أو فعلا مضارعًا، نحو قوله تعالى:(وإن ربك ليحكم بينهم)[النحل /124].
ونحو: إن زيدًا لسوف يفعل. أو ماضيًا غير متصرف، نحو: إن زيدًا لعسى أن يفعل، أو مقرونًا بـ (قد) نحو: إن زيدًا لقد سما.
وقد ندر دخولها على الخبر المنفي في قوله: [من الوافر]
138 -
وأعلم أن تسليمًا وتركًا
…
للا متشابهان ولا سواء
وقد تدخل اللام على ما في محل الخبر من معمول الخبر، متوسطًا بينه وبين الاسم، نحو: إن زيدًا لطعامك آكل، وإن عبد الله لفيك راغب.
[66]
أو فصل، نحو:(إن هذا لهو القصص // الحق)[آل عمران /62]. أو اسم لـ (إن) متأخر عن الخبر، وذلك إذا كان ظرفًا. أو جارًا ومجرورًا، نحو: إن عندك لزيدًا، أو إن في الدار لعمرًا، قال الله تعالى:(إن في ذلك لعبرةً)[النازعات /29].
ولا تدخل هذه اللام على غير ما ذكر، غير مبتدأ أو خبر مقدم، إلا مزيدة في أشياء ألحقت بالنوادر، كقول الشاعر:[من الطويل]
139 -
فإنك من حاربته لمحارب
…
شقي ومن سالمته لسعيد
وكما سمعه الفراء من قول أبي الجراح: إني لبحمد الله لصالح، وكما سمعه الكسائي من قول بعضهم: إن كل ثوبٍ له ثمنه، وكقراءة بعضهم قوله تعالى:(إلا أنهم ليأكلون الطعام)[الفرقان /20]. وكقول الشاعر: [من الطويل]
140 -
يلومونني في حب ليلى عواذلي
…
ولكنني من حبها لعميد
وكقول الآخر: [من الطويل]
141 -
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها
…
لكالهائم المقصى بكل مراد
وكقول الراجز: [من الرجز]
142 -
أم الحليس لعجوز شهربه
…
ترضى من اللحم بعظم الرقبه
وأحسن ما زيدت فيه قوله: [من الكامل]
143 -
إن الخلافة بعدهم لدميمة
…
وخلائف ظرف لمما أحقر
187 -
ووصل ما بذي الحروف مبطل
…
إعمالها وقد يبقى العمل
تدخل (ما) الزائدة على (إن) وأخواتها، فتكفها عن العمل، إلا (ليت) ففيها وجهان، تقول: إنما زيد قائم، وكأنما خالد أسد، ولكنما عمرو جبان، ولعلما أخوك ظافر. ولا سبيل إلى الإعمال، لأن (ما) قد أزالت اختصاص هذه الأحرف بالأسماء، فوجب إهمالها.
وتقول: ليتما أباك حاضر، وإن شئت قلت: ليتما أبوك حاضر؟ لأن (ما) لم تزل اختصاص (ليت) بالأسماء، فلك أن تعملها نظرًا إلى بقاء الاختصاص، ولك أن تهملها نظرًا إلى الكف، كما قال الشاعر:[من البسيط]
144 -
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا أو نصفه فقد
يروى بنصب الحمام، ورفعه.
وذكر ابن برهان: أن الأخفش روى: إنما زيدًا قائم، وعزا مثل ذلك إلى الكسائي، وهو غريب.
وفي قوله:
...........................
…
............ وقد يبقى العمل
بدون تقييد تنبيه على مجيء مثله.
188 -
وجائز رفعك معطوفًا على
…
منصوب إن بعد أن تستكملا [67] //
189 -
وألحقت بإن لكن وأن
…
من دون ليت ولعل وكأن
حق المعطوف على اسم (إن) النصب، نحو: إن زيدًا، وعمرًا في الدار، وإن زيدًا في الدار، وعمرًا، قال الشاعر:[من الرجز]
145 -
إن الربيع الجود والخريفا
…
يدا أبي العباس والصيوفا
وقد يرفع بالعطف على محل اسم (إن) من الابتداء، وذلك إذا جاء بعد اسمها وخبرها، نحو: إن زيدًا في الدار، وعمرو، تقديره: وعمرو كذلك.
قال الشاعر: (من الكامل)
146 -
إن النبوة والخلافة فيهم
…
والمكرمات وسادة أطهار
وقال الآخر: [من الطويل]
147 -
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه
…
فإن لنا الأم النجيبة والأب
فالرفع في أمثال هذا على أن المعطوف جملة ابتدائية محذوفة الخبر عطفت على محل ما قبلها من الابتداء.
ويجوز كونه مفردًا معطوفًا على الضمير في الخبر.
ولا يجوز أن يكون معطوفًا على محل (إن) مع اسمها من الرفع بالابتداء، لأنه يلزم منه تعدد العامل في الخبر، إذ الرفع للخبر في هذا الباب هو الناسخ للابتداء، وفي باب المبتدأ هو المبتدأ، فلو جئ بخبر واحد لاسم (إن) ومبتدأ معطوف عليه لكان عامله متعددًا، وإنه ممتنع، ولهذا لا يجوز رفع المعطوف قبل الخبر، لا تقول: إن زيدًا وعمرو قائمان، وقد أجازه الكسائي: بناء على أن الرفع للخبر في هذا الباب هو رافعه في باب المبتدأ، ووافقه الفراء فيما خفي فيه إعراب المعطوف عليه، نحو: إن هذا وزيد ضاربان تمسكًا بالسماع.
وما أوهم ذلك فهو إما شاذ، لا عبرة فيه، وإما محمول على التقديم والتأخير، فالأول: كقولهم: إنك وزيد ذاهبان.
قال سيبويه: (واعلم أن ناسًا من العرب يغلطون، فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبوان، وإنك وزيد ذاهبان). ونظيره قول الشاعر: [من الطويل]
148 -
بدا لي أني لست مدرك ما مضى
…
ولا سابقٍ شيئًا إذا كان جائيا
والثاني: كقوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[المائدة /69].
فرفع (الصابئون) على التقديم والتأخير، لإفادة أنه يتاب عليهم إن آمنوا وأصلحوا، مع أنهم أشد غيًا لخروجهم عن الأديان، فما الظن بغيرهم؟ ومثله قول الشاعر:[من الوافر]
149 -
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
…
بغاة ما بقينا في شقاق
فقدم فيه (أنتم) على خبر (أن) تنبيهًا على أن المخاطبين أوغل في البغي من قومه.
[68]
ولك ألا تحمل // هذا النحو على التقديم والتأخير، بل على أن ما بعد المعطوف خبر له، دال على خبر المعطوف عليه.
ويدلك على صحته قول الشاعر: [من الطويل]
150 -
خليلي هل طب فإني وأنتما
…
وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
وتساوي (إن) في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد الخبر: لفظًا، أو تقديرًا (أن، ولكن) لأنهما لا يغيران معنى الابتداء، فيصح العطف بعدهما، كما صح بعد (إن). قال الله تعالى:(وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله)[التوبة /3]. كأنه قيل: ورسوله برئ أيضًا.
ولا يجوز مثل ذلك بعد (ليت، ولعل، وكأن) لأن معنى الابتداء غير باق معها، فالعطف عليه بعدها لا يصح.
190 -
وخففت إن فقل العمل
…
وتلزم اللام إذا ما تهمل
191 -
وربما استغني عنها إن بدا
…
ما ناطق أراده معتمدا
192 -
والفعل إن لم يك ناسخًا فلا
…
تلغيه غالبًا بإن ذي موصلا
تخفف (إن) فيجوز فيها حينئذ الإعمال والإهمال، وهو القياس، لأنها إذا خففت يزول اختصاصها بالأسماء، وقد تعمل استصحابًا لحكم الأصل فيها.
قال سيبويه: وحدثنا من يوثق به أنه سمع من يقول: إن عمرًا لمنطلق، وعليه قراءة نافع، وابن كثير، وأبي بكر شعبة (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم)[هود /111].
والإهمال هو الأكثر نحو: (وإن كل لما جميع لدينا محضرون)[يس /32]، (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا)[الزخرف /35]، (إن كل نفسٍ لما عليها حافظ)[الطارق /4].
ثم إذا أهملت لزمت لام الابتداء بعد ما اتصل بها، فرقًا بينها وبين (إن) النافية، كما في الأمثلة المذكورة.
وقد يستغنى عنها بقرينة رافعة لاحتمال النفي، كقولهم: أما إن غفر الله لك، وكقول الشاعر:[من الطويل]
151 -
أنا ابن أباة الضيم من آل مالكٍ
…
وإن مالك كانت كرام المعادن
وإذا خففت (إن)، فوليها الفعل فالغالب كونه ماضيًا، ناسخًا للابتداء، نحو قوله تعالى:(وإن كانت لكبيرة)[البقرة /143]، (قال تالله إن كدت لتردين)[الصافات /56]، (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)[الأعراف /102].
وأما نحو: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك)[القلم /51]، وقول الشاعر:[من الكامل]
152 -
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا
…
حلت عليك عقوبة المتعمد
مما ولي (إن) المخففة فيه مضارع ناسخ للابتداء وماض غير ناسخ فقليل، وأقل [69] منه قولهم؛ فيما حكاه الكوفيون:(إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه). //
193 -
وإن تخفف أن فاسمها استكن
…
والخبر اجعل جملة من بعد أن
194 -
وإن يكن فعلا ولم يكن دعا
…
ولم يكن تصريفه ممتنعا
195 -
فالأحسن الفصل بقد أو نفيٍ أو
…
تنفيسٍ أو لو وقليل ذكر لو
196 -
وخففت كأن أيضًا فنوي
…
منصوبها وثابتًا أيضًا روي
يجوز أن تخفف (أن) المفتوحة فلا تلغى، ولا يظهر اسمها إلا للضرورة، كقول
الشاعر: [من المتقارب]
153 -
لقد علم الضيف والمرملون
…
إذا اغبر أفق وهبت شمالا
بأنك ربيع وغيث مريع
…
وأنك هناك تكون التمالا
ولا يجئ خبرها إلا جملة؛ إما اسمية، كقول الشاعر:[من البسيط]
154 -
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا
…
أن هالك كل من يحفى وينتعل
وكقوله تعالى: (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وألا إله إلا هو)[هود /14]. وإما مصدرة بفعل: إما مضمن دعاء، كقراءة نافع:(والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)[النور /9]، وإما غير متصرف، نحو:(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)[النجم /39]، وإما متصرف مفصول من (أن) بـ (قد) نحو: علمت أن قد قام زيد، ويجوز أن يكون منه قوله تعالى:(وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا)[الصافات /104 - 105]، أو حرف نفي، نحو:(أفلا يبرون ألا يرجع إليهم قولا)[طه /89]، (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه)[القيامة /3]، أو حرف تنفيس
نحو: (علم أن سيكون منكم مرضى)[المزمل /20] أو (لو) كقوله تعالى: (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)[سبأ /14]، وقوله تعالى:(وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا)[الجن /16].
وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين (أن) الخفيفة، وبين الفعل بـ (لو) وإلى ذلك أشار بقوله:
وقليل ذكر لو
وربما جاء الفعل المنصرف غير مفصول كقول الشاعر: [من الخفيف]
155 -
علموا أن يؤملون فجادوا
…
قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
وقول الآخر: أنشده الفراء: [من م. الكامل]
156 -
إني زعيم يا نويـ
…
قة إن أمنت من الرزاح
ونجوت من عرض المنو
…
ن من الغدو إلى الرواح
أن تهبطين بلاد قو
…
مٍ يرتعون من الطلاح
وأما (كأن) فيجوز تخفيفها، وهي محمولة على (أن) المفتوحة في ترك إلغائها، [70] إلا أنه لا يلزم // حذف اسمها، ولا كون الخبر جملة؛ فقد يثبت اسمها، وقد يحذف، وعلى كلا التقديرين فيجئ خبرها مفردًا، أو جملة.
فمن مجيئه مفردًا قول الراجز: [من الرجز]
157 -
كأن وريديه رشاء خلب
وقول الشاعر: [من الطويل]
158 -
ويومًا توافينا بوجهٍ مقسمٍ
…
كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
فمن رواه برفع ظبية على معنى: كأنها ظبية. ويروى: كأن ظبية؛ بالنصب؛ على أنها اسم كأن، والخبر محذوف، تقديره: كأن مكانها ظبية، ويروى كأن ظبيةٍ؛ بالجر؛ على زيادة (أن). ومن مجيئه جملة قول الشاعر:[من الهزج]
159 -
ووجهٍ مشرق اللون
…
كأن ثدياه حقان
تقديره: كأنه، أي: كأن الأمر ثدياه حقان.