المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التعجب التعجب: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية فيه. ويدل عليه - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌ ‌التعجب التعجب: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية فيه. ويدل عليه

‌التعجب

التعجب: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية فيه. ويدل عليه بصيغ مختلفة نحو قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله)[البقرة /28] وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) وقولهم: (لله أنت) وقول الشاعر: [من الرجز]

420 -

واها لليلى ثم واهًا واها

هي المنى لو أننا نلناها

وقول الآخر: [من م. الكامل]

421 -

بانت لتحزننا عفاره

يا جارتا ما أنت جاره

وقول الآخر: أنشده أبو علي: [من الكامل]

422 -

يا هيء مالي من يعمر يفنه

مر الزمان عليه والتقليب

ص: 325

والمبوب له في كتب العربية صيغتان: (ما أفعله! وأفعل به) لاطرادهما في كل معنى يصح التعجب منه.

ولما أراد أن يذكر مجيء التعجب على هاتين الصيغتين قال:

474 -

بأفعل انطق بعد ما تعجبا

أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا

[177]

// أي: انطق في حال تعجبك بالفعل المتعجب منه على وزن (أفعل) بعد (ما) نحو: ما أحسن زيدًا، أو جيء به على وزن:(أفعل) قبل مجرور بـ (با) نحو: أحسن بزيدٍ.

فأما نحو: (ما أحسن زيدًا!) فـ (ما) فيه عند سيبويه نكرة غير موصوفة، في موضع رفع بالابتداء، وساغ الابتداء بالنكرة، لأنها في تقدير التخصيص. والمعنى: شيء عيظم أحسن زيدًا، أي: جعله حسنًا، فهو كقولهم: شيء جاء بك، وشر أهر ذا نابٍ، و (أحسن) فعل ماض، لا يتصرف مسندًا إلى ضمير (ما) والدليل على فعليته لزومه متصلا بياء المتكلم نون الوقاية، نحو: ما أعرفني بكذا!، وما أرغبني في عفو الله! ولا يكون كذلك إلا الفعل. وعند بعض الكوفيين أن (أفعل) في التعجب اسم لمجيئه مصغرًا نحو قوله:[من البسيط]

423 -

ياما أميلح غزلانًا شدن لنا

من هؤليائكن الضال والسمر

وإنما التصغير للأسماء.

ص: 326

ولا حجة فيما أوردوه لشذوذه ولا مكان أن يكون التصغير دخله لشبهه (بأفعل) التفضيل لفظًا ومعنىً، والشيء قد يخرج عن بابه لمجرد الشبه بغيره.

وذهب الأخفش إلى أن (ما) في نحو: (ما أحسن زيدًا) موصولة، وهي مبتدأ، و (أحسن) صلتها، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: الذي أحسن زيدًا شيء عظيم.

والذي ذهب إليه سيبويه أولى، لأن (ما) لو كانت موصولة لما كان حذف الخبر واجبًا، لأنه لا يجب حذف الخبر إلا إذا علم، وسد غيره مسده، وها هنا لم يسد مسد الخبر

وأما (أفعِل) في نحو (أحسن بزيد) ففعل: لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وهو مسند إلى المجرور بعده، و (الباء) زائدة مثلها في نحو:{كفى بالله شهيدا} [الرعد/ 43] وهو في قوة قولك: حسن زيد، بمعنى: ما أحسنه، ولا خلاف في فعليته، ويدل عليه مرادفته لما ثبتت فعليته، مع كونه على زنة تختص الأفعال، والاستدلال بتوكيده بالنون في قوله:[من الطويل]

424 -

ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأمر به بطول فقر وأحريا

ليس عندي بمرضي، لأنه في غاية الندور. فلو ذهب ذاهب إلى اسميته لأمكنه أن يدعي أن التوكيد فيه مثله في قول الآخر، أنشده أبو الفتح في الخصائص:[من الرجز]

425 -

أريت إن جاءت به أملودا

مرجلا ويلبس البرودا

أقائلن أحضروا الشهودا

ص: 327

475 -

وتلو أفعل انصبنه كما

أوفى خليلينا وأصدق بهما

تقول: (ما أوفى خليلينا) كما تقول: ما أحسن زيدًا، فتنصب ما بعد (أفعل)[178] بالمفعولية، وهو // في الحقيقة فاعل الفعل المتعجب منه، ولكن دخلت عليه همزة النقل، فصار الفاعل مفعولا، بعد إسناد الفعل إلى غيره، وتقول:(أصدق بهما!)، كما تقول: أحسن بزيدٍ!

وقد اشتمل هذا البيت على بيان احتياج (أفعل) إلى المفعول، وعلى تمثيل صيغتي التعجب.

476 -

وحذف ما منه تعجبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح

المراد بالمتعجب منه المفعول فيما أفعله! والمجرور في (أفعل به) وفيه تجوز، لأن المتعجب منه هو فعله، لا نفسه، إلا أنه حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه للدلالة عليه.

واعلم أنه لا يجوز حذف المتعجب منه لغير دليل، أما في نحو:(ما أفعله!) فلعرائه إذا ذاك عن الفائدة، لو قلت: ما أحسن، وما أجمل! لم يكن كلامًا، لأن معناه أن شيئًا صير الحسن واقعًا على مجهول، وهذا ما لا ينكر وجوده، ولا يفيد التحدث به.

وأما نحو (أفعل به) فلا يحذف منه المتعجب منه، لأنه الفاعل، وإن دل على المتعجب منه دليل، وكان المعنى واضحًا عند الحذف جاز.

تقول: لله در زيدٍ ما أعف وأمجد! كما قال علي رضي الله عنه: [من الطويل]

426 -

جزى الله عني والجزاء بفضله

ربيعة خيرًا ما أعف وأكرما

وتقول: أحسن بزيدٍ وأجمل، كما قال الله تعالى:(أسمع بهم وأبصر)[مريم /38].

وأكثر ما يستباح الحذف في نحو: أفعل به! إذا كان معطوفًا على آخر، مذكور معه الفاعل، كما في الآية الكريمة.

ص: 328

وقد يحذف بدون ذلك قال الشاعر: [من الطويل]

427 -

فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدًا وإن يستغن يومًا فأجدر

أي: فأجدر بكونه حميدًا.

فإن قلت: كيف جاز حذف المتعجب منه مع (أفعل) وهو (فاعل)؟ قلت: لأنه أشبه الفضلة، لاستعماله مجرورًا بالباء، فجاز فيه ما يجوز فيها.

477 -

وفي كلا الفعلين قدمًا لزما

منع تصرفٍ بحكمٍ حتما

كل واحد من فعلي التعجب ممنوع من التصرف، والبناء على غير الصيغة التي جعل عليها، مسلوك به سبيل واحدة، لتضمنه معنى هو بالحروف أليق، وليكون مجيئه على طريقة واحدة أدل على ما يراد به.

478 -

وصغهما من ذي ثلاث صرفا

قابل فضلٍ تم غير ذي انتفا

479 -

وغير ذي وصفٍ يضاهي أشهلا

وغير سالكٍ سبيل فعلا

الغرض من هذين البيتين معرفة الأفعال التي يجوز في القياس أن يبني منها فعلا [179] // التعجب، أعني مثالي: ما أفعله! وأفعل به.

وهي كل فعل ثلاثي متصرف قابل للتفاوت غير ناقص، ككان وأخواتها، ولا ملازم للنفي، ولا اسم فاعله على أفعل، ولا مبني للمفعول.

فلا يبنيان مما زاد على ثلاثة أحرف، لأن بناءهما منه يفوت الدلالة على المعنى المتعجب منه، أما فيما أصوله أربعة، نحو: دحرج وسرهف، فلأنه يؤدي إلى حذف بعض الأصول، ولا خفاء في إخلاله بالدلالة، وأما في غيره، فلأنه يؤدي إلى حذف الزيادة الدالة على معنى مقصود، ألا ترى أنك لو بنيت من نحو: ضارب وانضرج واستخرج (أفعل) فقلت: ما أضربه وأضرجه وأخرجه لفاتت الدلالة على معنى المشاركة والمطاوعة والطلب.

وأجاز سيبويه بناء فعل التعجب من (أفعل) كقولهم: (ما أعطاه للدراهم!) و (ما أولاه للمعروف!) لا من غيره مما زاد على الثلاثة.

ص: 329

ولا يبنيان من فعل غير متصرف، نحو:(نعم وبئس) ولا من فعل لا يقبل التفاوت، نحو: مات زيد، وفني الشيء لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض، ولا من فعل ملازم للنفي، نحو: ما عاج زيد بهذا الدواء، أي: ما انتفع به، فإن العرب لم تستعمله إلا في النفي، فلا يبني منه فعل التعجب، لأن ذلك يؤدي إلى مخالفة الاستعمال، والخروج به عن النفي إلى الإيجاب، ولا يبنيان من فعل اسم فاعله على (أفعل) نحو: شهل فهو أشهل، وخضر الزرع فهو أخضر، وعور فهو أعور، وعرج فهو أعرج، لأن (أفعل) هو لاسم فاعل ما كان لونًا أو خلقة، وأكثر ألوان الأفعال، والخلق إنما تجيء على (أفعل) بزيادة مثل اللام، نحو: احمر، وابيض، واسود، واعور، وأحول، فلم يبن فعل التعجب في الغالب من كان منها ثلاثيا إجراء للأقل مجرى الأكثر.

ولا يبنيان من فعل مبني للمفعول، نحو: ضرب، وحمد، لئلا يلتبس التعجب منه بالتعجب من فعل الفاعل.

وعلى هذا لو كان الالتباس مأمونًا مثل أن يكون الغالب ملازمًا للبناء للمفعول، نحو: وقص الرجل، وسقط في يده، لكان بناء فعل التعجب منه خليقًا بالجواز.

480 -

وأشدد أو أشد أو شبههما

يخلف ما بعض الشروط عدما

481 -

ومصدر العادم بعد ينتصب

وبعد أفعل جره بالبا يجب

تقول: إذا أردت التعجب من فعل فقد بعض الشروط المصححة للتعجب من لفظه فجيء بـ (أشد أو اشدد) أو ما جرى مجراهما، وأوله مصدر الفعل الذي تريد التعجب منه، منصوبًا بعد (أفعل)، ومجرورًا بالباء بعد (أفعل).

وهذا العمل يصح في كل فعل لم يستوف الشروط إلا ما عدم التصرف (كنعم [180] وبئس) لأنه لا مصدر صريحًا ولا مؤولا. فأما المنفي والمبني // للمفعول، فلا يصح ذلك فيه إلا بإيلاء (أشد) أو ما جرى مجراه المصدر المؤول.

تقول في التعجب من نحو: (استخرج) ما أشد استخراجه! وأشدد باستخراجه! ومن نحو: مات زيد: ما أفجع موته! وأقبح بموته! ومن نحو: ما قام زيد، وما عاج بالدواء: ما أقرب ألا يقوم زيد! وأقرب بألا يقوم! وما أقرب ألا يعج بالدواء! وأقرب بألا يعج به!

ص: 330

فتأتي بالمصدر المؤول لتتمكن من أن تستعمل معه النفي، وأن تعمل فيه الفعل الذي تتعجب به.

وتقول في التعجب من خضر وعور: ما أشد خضرته! وأشدد بخضرته! وما أقبح عوره! وأقبح بعوره! ومن نحو: ضرب زيدً؟ ما أشد ما ضرب! وأشدد بما ضرب! فتولي (أشد وأشدد) المصدر المؤول، ليبقي لفظ الفعل المبني للمفعول، ولو أمن اللبس جاز إيلاؤه المصدر الصريح، نحو: ما أسرع نفاس هند! وأسرع بنفاسها!

482 -

وبالنذور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الذي منه أثر

الإشارة بهذا البيت: إلى أنه قد يبني فعل التعجب مما لم يستوف الشروط على وجه الشذوذ والندور، فيحفظ ما سمع من ذلك، ولا يقاس عليه. فمن ذلك قولهم: ما أخصره! من (اختصر)، فاختصر فعل خماسي مبني للمفعول، ففيه مانعان: أحدهما أنه مبني للمفعول، وثانيهما أنه زائد على ثلاثة أحرف.

ومنه قولهم: (ما أهوجه!) و (ما أحمقه!) و (ما أرعنه!) وهي من فعل فهو أفعل، كأنهم حملوها على (ما أجهله). ومنه قولهم:(ما أعساه!) و (أعس به!) فهو من (عسى) الذي للمقاربة وهو غير متصرف.

ومما هو شاذ أيضًا بناؤهم التعجب من وصف لا فعل له، كقولهم:(ما أذرعها!) أي: ما أخف يدها في الغزل، يقال امرأة ذراع، أي: خفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع له فعل. ومثله قولهم:(أقمن بكذا!) أي: أحقق به، اشتقوه من قولهم: هو قمن بكذا، أي: حقيق به، ولا فعل له.

483 -

وفعل هذا الباب لن يقدما

معموله ووصله به الزما

484 -

وفصله بظرفٍ أو بحرف جر

مستعمل والخلف في ذاك استقر

لا خلاف في امتناع تقديم معمول فعل التعجب عليه، ولا في امتناع الفصل بينه وبين المتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور، كالحال والمنادى.

وأما الفصل بالظرف، والجار والمجرور ففيه خلاف مشهور، والصحيح الجواز، وليس لسيبويه فيه نص.

قال الأستاذ أبو علي الشلوبين: حكي الصيمري: أن مذهب سيبويه منع الفصل [181] بالظرف بين فعل // التعجب ومعموله. والصواب: أن ذلك جائز، وهو المشهور والمتصور.

ص: 331

وقال أبو سعيد السيرافي: قول سيبويه: (ولا تزيل شيئًا عن موضعه) إنما أراد أنك تقدم (ما) وتوليها الفعل، ويكون الاسم المتعجب منه بعد الفعل، ولم يتعرض للفصل بين الفعل والتعجب منه، وكثير من أصحابنا يجيز ذلك، منهم الجرمي، وكثير منهم يأباه منهم الأخفش والمبرد، وهذا نصه: والذي يدل على الجواز استعمال العرب له نظمًا ونثرًا، أما نظمًا، فكقول الشاعر:[من الطويل]

428 -

وقال نبي المسلمين تقدموا

وأحبب إلينا أن يكون المقدما

وقول الآخر: [من الطويل]

429 -

أقيم بدار الحزم ما دام حزمها

وأحر إذا حالت بأن أتحولا

وقال الآخر: [من الطويل]

430 -

خليلي ما أحرى بذي اللب أن يرى

صبورًا ولكن لا سبيل إلى الصبر

وأما النثر فكقول عمرو بن معد يكرب: (ما أحسن في الهيجاء لقاءها! وأكثر في اللزبات عطاءها! وأثبت في المكرمات بقاءها!). وقول الآخر: (ما أحسن بالرجل أن يحسن).

ومما يجوز في فعل التعجب الفصل بينه وبين (ما) بـ (كان) الزائدة كقول الشاعر يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [من الكامل]

431 -

ما كان أسعد من أجابك آخذًا

بهداك مجتنبًا هوًى وعنادا

ص: 332