المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نعم وبئسوما جرى مجراهما - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

‌نعم وبئس

وما جرى مجراهما

485 -

فعلان غير متصرفين

نعم وبئس رافعان اسمين

486 -

مقارني أل أو مضافين لما

قارنها كنعم عقبى الكرما

487 -

ويرفعان مضمرًا يفسره

مميز كنعم قومًا معشره

(نعم وبئس) فعلان ماضيا اللفظ لا يتصرفان، والمقصود بهما إنشاء المدح والذم. والدليل على فعليتهما جواز دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما عند جميع العرب، واتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة قوم. حكي الكسائي عنهم: الزيدان نعما رجلين، والزيدون نعموا رجالا.

وذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أنهما اسمان، واحتجوا بدخول حرف الجر عليهما، كقول بعضهم وقد بشر ببنت:(والله ما هي بنعم الولد: نصرها بكاء، وبرها سرقة). وقول الآخر: (نعم السير على بئس العير).

[182]

وقول // الراجز: [من الرجز]

432 -

صبحك الله بخيرٍ باكر

بنعم طيرٍ وشباب فاخر

ص: 333

ولا حجة فيما أوردوه، لجواز أن يكون دخول حرف الجر في (بنعم الولد) و (على بئس العير) كدخوله على (نام) في قول القائل:[من الرجز]

433 -

عمرك ما ليلي بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه

تقديره: ما ليلي بليلٍ نام صاحبه، ثم حذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فجرى عليها حكمه.

وهكذا ما نحن بصدده، كان أصله: ما هي بولدٍ نعم الولد، ونعم السير على عيرٍ بئس العير، ثم حذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فدخل عليها حرف الجر.

وأما قوله: (بنعم طيرٍ) فهو على الحكاية، ونقل الكلمة عن الفعلية إلى جعلها اسمًا للفظ، كما في نحو قوله صلى الله عليه وسلم:(وأنهاكم عن قيل وقال) والمعنى: صبحك الله بكلمة نعم منسوبة إلى الطائر الميمون.

وفي (نعم وبئس) أربع لغات: نعم وبئس، وهو الأصل، ونعم وبئس، ونعم وبئس، ونعم وبئس: بالإتباع.

وهذه اللغات الأربع جائزة في كل ما عينه حرف حلق، وهو ثلاثي مفتوح الأول، مكسور الثاني، نحوك شهد وفخذ.

وقوله:

...............

.......... رافعان اسمين

إلى آخر الأبيات الثلاثة مبين أنه أن (نعم وبئس) يقتضيان فاعلا معرفًا بالألف واللام الجنسية، أو مضافًا إلى المعرف بها، أو مضمرًا مفسرًا بنكرة بعده منصوبة على التمييز.

فالأول: كقوله تعالى: (نعم المولى ونعم النصير)[الحج /78].

ص: 334

والثاني نحو:

............

.......... نعم عقبى الكرما

ونظيره قوله تعالى: (ولنعم دار المتقين)[النحل /30].

والمضاف إلى المضاف إلى المعرف بالألف واللام بمنزلة المضاف إلى المعرف بها، وذلك نحو: نعم غلام صاحب القوم. قال الشاعر: [من الطويل]

434 -

فنعم ابن أخت القوم غير مكذبٍ

زهير حسام مفرد من حمائل

والثالث كقولك: نعم قومًا معشر زيدٍ، ومثله قول الشاعر:[من البسيط]

435 -

لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن

التقدير: لنعم الموئل موئلا المولى، فأضمر الفاعل، وفسر بالتمييز بعده، ونحوه قوله تعالى:(بئس للظالمين بدلا)[الكهف /50].

وقد يستغنى عن التمييز للعلم بجنس الضمير، كقوله صلى الله عليه وسلم:(من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت) أي: فبالسنة أخذ، ونعمت السنة.

والغالب في (نعم وبئس) ألا يخرج فاعلهما عن أحد الأقسام المذكورة، وإنما قلت الغالب، لأن الأخفش حكي أن ناسًا من العرب يرفعون بـ (نعم وبئس) النكرة المفردة، نحو: نعم خليل زيدٌ، والمضافة أيضًا نحو: نعم جليس قومٍ عمرو.

[183]

وربما قيل: نعم زيد، وفي الحديث // الشريف:(نعم عبد الله خالد بن الوليد) وقد مر حكاية: نعما رجلين، ونعموا رجالا، إلا أن هذا ومثله قليل نادر، بالإضافة إلى ما تقدم ذكره.

488 -

وجمع تمييزٍ وفاعلٍ ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

منع سيبويه الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، فلا يجوز: نعم الرجل رجلا زيد، لأن الإبهام قد ارتفاع بظهور الفاعل، فلا حاجة إلى التمييز.

ص: 335

وقد أجازه المبرد تمسكًا بمثل قول الشاعر: [من البسيط]

436 -

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمهم زلاء منطيق

وما ذهب إليه المبرد هو الأصح؛ فإن التمييز كما يجيء لرفع الإبهام، كذلك قد يجيء للتوكيد، قال الله تعالى:(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا)[التوبة /36]، ومثله قول الشاعر:[من الكامل]

437 -

ولقد علمت بأن دين محمدٍ

من خير أديان البرية دينا

489 -

وما مميز وقيل فاعل

في نحو نعم ما يقول الفاضل

يعني: أنه قد قيل في (ما) من نحو: نعم ما صنعت، وقوله تعالى:(بئس ما اشتروا به أنفسهم)[البقرة /90]، يجوز أن تكون نكرة موصوفة في موضع نصب على التمييز، وهي مفسرة لفاعل الفعل قبلها، وأن تكون موصولة في موضع رفع بالفاعلية، وإن لم تكن اسمًا معرفًا بالألف واللام، على حد قوله صلى الله عليه وسلم:(نعم عبد الله خالد بن الوليد) وكذلك قيل في (ما) المفردة، كقوله تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنعما هي)[البقرة /271].

فعند أكثر النحويين: أن (ما) في موضع نصب على التمييز للفاعل المستكن، وهي نكرة غير موصوفة، مثلها في نحو: ما أحسن زيدًا!، وقولهم: إني مما أن أفعل كذا.

وذهب ابن خروف إلى أنها فاعل، وهي اسم تام معرفة، وزعم أنه مذهب سيبويه، قال: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة، نحو: دققته دقًا نعمًا، قال سيبويه: أي: نعم الدق، و (نعما هي) أي: نعم الشيء إبداؤها، فحذف المضاف، وهو (الإبداء) وأقيم ضمير الصدقات مقامه.

ص: 336

وعندي: أن هذا القول من سيبويه لا يدل ما ذهب إليه ابن خروف لجواز أن يكون سيبويه قصد بيان تأويل الكلام، ولم يرد تفسير معنى (ما) ولا بيان أن موضعها رفع.

490 -

ويذكر المخصوص بعد مبتدأ

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

[184]

// لما كان (نعم وبئس) للمدح العام، والذم العام، الشائعين في كل خصلة محمودة أو مذمومة، المستبعد تحققها، وهو: أن يشيع كون المحمود محمودًا في خصال الحمد، وكون المذموم مذمومًا في خلافها سلكوا بهما في الأمر العام طريقي الإجمال والتفصيل لقصد مزيد التقرير، فجاؤوا بعد الفاعل بما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم، فقالوا: نعم الرجل زيد، ونعم رجلا عمرو.

ألا ترى أنك إذا قلت: نعم الرجل، معرفًا للفاعل بالألف واللام الجنسية، أو قلت: نعم رجلا، فأضمرته مفسرًا بمميز عام له كيف يتوجه المدح إلى المخصوص به أولا على سبيل الإجمال لكونه فردًا من الجنس، ثم إذا عقبته بذكر المخصوص كيف يتوجه إليه ثانيًا على سبيل التفصيل، فيحصل من تقوي الحكم، ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد.

وقد جوز النحويون في المخصوص بالمدح أو الذم أن يكون مبتدأ، خبره الجملة قبله، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف، واجب الحذف، تقديره: نعم الرجل هو زيد، كأن سامعًا سمع (نعم الرجل) فسأل عن المخصوص بالمدح، من هو؟ فقيل له: هو زيدً.

491 -

وإن يقدم مشعر به كفى

كالعلم نعم المقتنى والمقتفى

قد يتقدم على (نعم) ما يدل على المخصوص بالمدح، فيغني ذلك عن ذكره، كقولك: العلم نعم المقتنى والمقتفى، أي: المتبع، ونحوه قوله تعالى حكاية عن أيوب عليه السلام:(إنا وجدناه صابرًا نعم العبد)[ص /44].

وقول الشاعر: [من م. الكامل]

438 -

إني اعتمدتك يا يزيـ

د فنعم معتمد الوسائل

492 -

واجعل كبئس ساء واجعل فعلا

من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا

ص: 337

استعملوا (ساء) في الذم استعمال (بئس) في عدم التصرف، والاقتصار على كون الفاعل معرفًا بالألف واللام، أو مضافًا إلى المعرف بهما، أو مضمرًا مفسرًا بتمييز بعده، والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذم، فيقال: ساء الرجل زيد وساء غلام الرجل عمرو، وساء غلامًا عبد هندٍ، كما قال الله تعالى: 0 بئس الشراب وساءت مرتفقًا) [الكهف /29] وقال الله تعالى: (ساء ما يحكمون)[الأنعام /136]. فهذا على حد قوله تعالى: (بئس ما شروا به أنفسهم)[البقرة /102].

قوله:

....... واجعل فعلا

من ذي ثلاثةٍ كنعم مسجلا

أي: بلا قيد، يقال: أسجلت الشيء، إذا أمكنت من الانتفاع به مطلقًا.

والمراد بهذه العبارة التنبيه على أن العرب تبني من كل فعل ثلاثي فعلا على (فعل) لقصد المدح أو الذم، وتجريه في الاستعمال، وعدم التصرف مجرى (نعم) كقولك:[185] // علم الرجل زيد، وقضو صاحب القوم عمرو، ورمو غلامًا بكر، وقال الله تعالى:(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)[الكهف /5].

المعنى والله أعلم: بئس كلمة تخرج من أفواههم قولهم اتخذ الله ولدًا.

493 -

ومثل نعم حبذا الفاعل ذا

وإن ترد ذما فقل لا حبذا

يقال في المدح: حبذا زيد، كما يقال: نعم الرجل زيد، فإذا أريد الذم قيل (لا حبذا). قال الشاعر:[من الطويل]

439 -

ألا حبذا أهل الملا غير أنه

إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا

وقوله:

................. الفاعل ذا

.............

تعريض بالرد على جماعة من النحويين، فإنهم يرون أن (حب) في هذا الباب غير مستقلة بالإسناد، بل هي مركبة مع (ذا) مجعولة معها شيئًا واحدًا. ثم من هؤلاء من يجعل المخصوص بعدها خبرًا، على أن (حبذا) مبتدأ، ومنهم من يجعله فاعلا، على أنها فعل. وكلا القولين تكلف، وإخراج اللفظ عن أصله بلا دليل.

ص: 338

قال ابن خروف، بعد أن مثل بـ (حبذا زيد):(حب) فعل، و (ذا) فاعل و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبذا) وقال: هذا قول سيبويه، وأخطأ عليه من زعم غير ذلك.

494 -

وأول ذا المخصوص أيا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهي المثلا

يقول: أتبع (ذا) المخصوص بالمدح أو الذم مذكرًا كان أو مؤنثًا، مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، ولا تعدل عن لفظ (ذا) لأن باب (حبذا) جار مجرى المثل، والأمثال لا تغير، فتقول: حبذا زيد، وحبذا هند، وحبذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبذا الهندات.

ولو طابقت بين الفاعل والمخصوص بالمدح قلت: حب ذي هند، وحب أولاء الزيدون، كما تقول: نعم المرأة هند، ونعم الرجال الزيدون، إلا أنه لما جرى مجرى المثل لم يغير، كما قالوا:(الصيف ضيعت اللبن).

وقال ابن كيسان: (ذا) من قولهم: (حبذا) إشارة إلى مفرد مضاف إلى المخصوص، حذف وأقيم هو مقامه، فتقدير: حبذا هند: حبذا حسنها.

وقد يحذف المخصوص في هذا الباب للعلم به، كما في باب (نعم) قال الشاعر:[من الطويل]

440 -

ألا حبذا لولا الحياء وربما

منحت الهوى ما ليس بالمتقارب

وقد يذكر قبله أو بعده تمييز، نحو: حبذا رجلا زيد، وحبذا هندًا امرأة.

495 -

وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر

بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر

يعني: أنه قد يجيء فاعل (حب) المراد بها المدح غير (ذا)، وذلك على ضربين:[186] أحدهما: // مرفوع، كقولك: حب زيدٌ رجلا. والآخر: مجرور بالباء الزائدة، نحو: حب زيد رجلا.

ص: 339

وأكثر ما تجيء (حب) مع غير (ذا) مضمومة الحاء بالنقل من حركة عينها، كقول الشاعر:[من الطويل]

441 -

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحب بها مقتولة حين تقتل

وقد لا تضم حاؤها، كقول بعض الأنصار رضي الله عنه:[من الرجز]

442 -

باسم الإله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا

فحبذا ربا وحب دينا

أي: حب عبادته دينا، وذكر ضمير العبادة لتأولها بالدين والتعظيم.

ص: 340